بسم الله الرحمن الرحيم
كثيرون في هذه الحياة لا يُحسنونَ فن التعامل مع أبجديات الحياة، ذلك لأنهم لا ينطلقونَ انطلاقة صحيحة، على الوجه الذي يرضي الله – سبحانه- فيغفلون عن بدهيات إيمانية، تسكب في قلوبهم السكينة، وتولد في نفوسهم الرضا، لأنها ببساطة شديدة، تربط أرواحهم بالله - جل جلاله- ربطاً محكما:
في حركتهم وسكونهم، وقيامهم وقعودهم، ويقظتهم ونومهم..
ولهذا تراهم _ من بعيد _ فيعجبك ظاهرهم البراق، فإذا اختلطت بهم، وبلوتهم، وجلست إليه،
وأصغيت لهم، ونبشت ما في نفوسهم..
هالك أن ترى هذا البناء الشامخ الجميل، قد أصبح هشاً إلى درجة تتعجب معها كيف يتماسك هذا الإنسان!!
وكيف يجد متسعاً ليضحك ويملأ مجالسه ببهجة كاذبة..!؟
نسأل الله – سبحانه- أن يسعدهم في أخراهم، كما أسعدهم في ظاهر حالهم أمام الناس..
بل نسأله – سبحانه- أن يفيض على قلوبهم نورا وبركة من عنده..
قال الراوي:
عرفت عدداً من هؤلاء ممن تكاد تجزم أنهم ولدوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب!!
لما هم عليه من الترف والنعيم والجاه والهيل والهيلمان!!
ثم يسر الله لي أن أقرب منهم، وأحتك بهم، إلى درجة أن تتلاشى الحواجز بيني وبينهم، فعرفت عنهم
ما لا يعرفه أكثر المحيطين بهم..
فإذا هم في حالة يرثى لها، رغم المال الذي يبعثرونه هنا وهناك!!!
شكوى.. وضجر.. وضيق.. وكدر.. وقلق عاصف..
ووساوس خانقة.. واستيحاش من الخلق..
وعدم ثقة حتى في أقرب الأصدقاء..!!
رغم أنهم يملأون مجالسهم بأحاديث مبهجة، وحوارات شجية، وقهققهات عالية يرن لها المكان كله..!
كأن الواحد منهم حبة قمح بين حجرين في طاحونة الحياة!
قال الراوي:
وكانت سياستي معهم أن اسمع منهم أكثر مما أتحدث، وأن ارمي بعض الأسئلة، التي تجعل أحدهم يفيض بالحديث عن نفسه وهمومه ومتاعبه، وكانت غايتي من هذه السياسة أن أعرف أين مكمن العلة عند هؤلاء، لأني أرى أنهم كان ينبغي أن يكونوا سعداء فعلا لا تمثيلا..!
وظللت أجمع ما التقطه من حديث هذا وهذا وذاك وذلك، فوصلت في النهاية إلى ما أشرت إليه في عنوان هذا الموضوع ومقدمته..
هؤلاء أناس يحفرون قبورهم بأيديهم!!
حيث لا يحسنون إتيان البيوت من أبوابها، ولا يجيدون فن التعامل مع أبجديات الحياة من خلال منطلق إيماني بحت، علامته الواضحة: أنه يشد قلوبهم شدا محكماً إلى السماء..
فلا يغفلون عن الله حيثما كانوا، وأينما حلوا وارتحلوا..
ولأنهم ليسوا كذلك فهم ينظرون إلى الجانب المظلم للحياة..!!
ويتجاهلون (الجوانب المشرقة) في حياتهم _ وما أكثرها عندهم _
ولكنها لا تعمى الأبصار، إنما تعمى القلوب التي في الصدور..!
هذه الجوانب المشرقة كثيراً ما يلفتنا ربنا - جل جلاله- في كتابه الكريم: (وهو يربينا أروع تربية)..
يلفتنا إليها مرارا وتكرارا، لأنه يعلم – سبحانه- لما لهذه النظرة من آثار كبيرة على نفسية الإنسان وسلوكياته..
(أَلا يَعلَمُ مَن خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ)؟؟
ولكن ماذا تقول لإنسان تلح عليه بمثل هذا ونحوه، لتخرجه من نفق حالة الضنك التي يعيشها ويشكو منها، فيهز لك رأسه عجباً، ثم يدير لك قفاه.!!
لقد أسمعتَ لو ناديتَ حياً ** ولكن لا حياةَ لمن تنادي
قال الراوي:
جلست إلى بعض هؤلاء جلسة امتدت وطالت, أخذت أعرض عليه مثل هذه المعاني على صور شتى، واضرب له الأمثلة من قديم التاريخ وجديثه..
فإذا به يقول:
أنت أعجب من رأيت.. تبسّـط الأمور إلى درجة عجيبة..!!
قال الراوي:
فتعمدت أن أرسم ابتسامة كبيرة تملأ وجهي كله ثم قلت: روعة الإسلام أنه يبسط الأمور إلى درجة مذهلة، ولكن لها آثارها العميقة على الحياة والأحياء..
قال: كيف.. هات يا سيدنا..!!
_ أحسبه كان يتهكم، لكني لم أبالي.. محتسبا أجري على الله _
قلت: أسوق إليك مثالا من مئات الأمثلة..
يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : أحبوا اللهَ لما يغذوكم به من النعم..
سبع كلمات لا تزيد..
ولكن فيها العلاج كله لمن أخذ الوصفة من (الطبيب) وعمل بها في ثقة!!
اخلُ بنفسك، واجمع قلبك، واذكر ربك، وادر فكرك في ذات نفسك وفيما حولك..
وانظر (نظرة إيجابية) لكل النعم المبثوثة، من مفرق راسك إلى أخمص قدمك، ومن قبل ولادتك، إلى بعد مماتك _ إذا مت موحدا لله _ وحاول أن تحصيها، ولن تستطيع أبداً..
(وَآتَاكُم مِن كُلِّ مَا سَأَلتُمُوهُ وَإِن تَعُدٌّوا نِعمَتَ اللَّهِ لا تُحصُوهَا إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ).
إذا فعلت هذا بطريقة صحيحة فعلا.. إلى درجة أن تفيض عيناك بالدمع..
تكون النتيجة الحتمية: أن يتولد في قلبك نور محبة الله - جل جلاله-..
ولا يزال هذا النور يتعاظم ويربو في قلبك مع الأيام..
ولكن انتبه..
القضية هنا ليست دعاوى ومجرد كلام..
العلامة الكبرى والرئيسية للمحبة هي: أن تقبل على الله – سبحانه- ذاكرا له، شاكراً إياه، ملتزماً تعاليمه، منافسا لكل ما يرضاه، مسارعا لكل ما يحبه، متباعداً عن كل ما يكره..
وإلا فبالله عليك هل رأيت محبا يفعل ما يسخط حبيبه، ويخالف ما يأمره به..
هذا كذاب وليس محبا عند التحقيق..!!
فإذا كنت محباً حقا _ على الصورة التي ذكرناها _ فأبشر..ثم أبشر.. ثم أبشر..
فقد جاءك الفرج من هنا ومن هاهنا ومن حيث لا تحتسب..
لأنه سبحانه سيتولاك، ويرعاك، ويكرمك، وييسر لك..
ويفيض على قلبك بألوان من شوارق السكينة والاطمئنان القلبي ونحو هذا من معاني السماء التي تجعلك تقول في ثقة وأنت تبتسم في وجه الدنيا: مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أحلى وأطيب ما فيها..
ذكر الله ومناجاته والإقبال عليه بطاعته..
أخي.. أرجوك... لا تحفر قبرك بيدك وأنت لا تشعر..
الطريق واضح لا لبس فيه..ولكن هواك هو مصيبتك..
وغفلتك هي السكين التي تذبح بها نفسك وأنت تضحك..
ولا يزال ربك ينتظر عودتك إليه، ليفرح بك، ويتولاك ويبدل سيئاتك حسنات!
فمتى تقرر أن تعود إلى كنف الله الرحمن الرحيم!؟
ليملأ قلبك ببرد الرضا، ونور السكينة.. كما وعد بذلك – سبحانه-: (مَن عَمِلَ صَالِحاً مِن ذَكَرٍ, أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً.. وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد