بسم الله الرحمن الرحيم
إن سكون القلب وراحة البال وطمأنينة النفس مطلب ملح وهدف منشود ، وكل من على هذه البسيطة يبتغي هذا الأمر ويسعى وراءه ويبحث عنه . ولكن لا يدرك هذه الأمور ، ولا يجد حلاوتها ، ولا يعلم ثمرتها إلا من آمن بالله وبقضائه وقدره .
وإنك لتجد عند خواص المسلمين من العلماء العاملين ، والعباد القانتين ، من سكون القلب وطمأنينة النفس ، ما لا يخطر على بال . بل إنك لتجد عند عوام المسلمين من برد اليقين وراحة البال ، ما لا تجده عند كبار الكتاب والمفكرين والأطباء من غير المسلمين .
لقد أدهش كثيراً من هؤلاء إيمان المسلمين بالقضاء والقدر ، فكتبوا معبرين عن دهشتهم ،مسجلين شهاداتهم بقوة المسلمين وارتفاع معنوياتهم ، وحسن استقبالهم لصعوبات الحياة
ومن هؤلاء الكتاب الذين كتبوا ، الكاتب المشهور ( ر.ن.س.بودلي) . وهو مؤلف كتاب (رياح على الصحراء) و أربعة عشر كتاباً آخر . يقول بودلي : في عام 1918م وليت ظهري العالم الذي عرفته طيلة حياتي ، ويممت شطر أفريقيا الشمالية الغربية ، حيث عشت بين الأعراب في الصحراء ، وقضيت هناك سبعة أعوام ، هي من أمتع سني حياتي ، وأحفلها بالسلام والاطمئنان ، والرضا بالحياة.
لقد تعلمت من عرب الصحراء كيف أتغلب على القلق ، فهم بوصفهم مسلمين ، يؤمنون بالقضاء والقدر ، وقد ساعدهم هذا الإيمان على العيش في أمان ، وأخذ الحياة مأخذا سهلاً هيناً ، فهم لا يتعجلون أمرا ، ولا يلقون بأنفسهم بين براثن الهم قلقاً على أمر ، إنهم يؤمنون بأن ما قدر يكون ، وان الفرد منهم لن يصيبه إلا ما كتب الله له ، وليس معنى هذا أنهم يتواكلون ، أو يقفون في وجه الكارثة مكتوفي الأيدي كلا .
ثم أردف قائلا : ودعني أضرب لك مثلا لما أعنيه :
هبت ذات يوم عاصفة عاتية حملت رمال الصحراء الشديدة الحرارة ، حتى أحسست كأن شعر رأسي يتزعزع من منابته لفرط وطأة الحر ، وأحسست من فرط القيظ كأنني مدفوع الى الجنون ، لكن العرب لم يشكوا إطلاقاً ، فقد هزوا أكتافهم ، وقالوا كلمتهم المأثورة ( قضاء مكتوب ) وما أن مرت العاصفة حتى اندفعوا الى العمل بنشاط كبير فذبحوا صغار الخراف قبل أن يودي القيظ بحياتها ، ثم ساقوا الماشية الى الجنوب نحو الماء . وكل ذلك في هدوء وصمت ، حتى قال رئيس القبيلة : الحمد لله لم نفقد الشيء الكثير ، فقد كنا خليقين بأن نفقد ماشيتنا كلها ، ولكن الحمد لله فإن لدينا نحو أربعين في المائة من ماشيتنا ، وفي استطاعتنا أن نبدأ عملنا من جديد .
يقول بودلي : لقد أقنعتني الأعوام السبعة التي قضيتها مع الأعراب المسلمين ، أن مرضى النفوس والملتاثين الذين تحفل بهم أمريكا وأوروبا ما هم إلا ضحايا المدنية التي تتخذ السرعة أساسا لها .
إنني لم أعان شيئا من القلق قط وأنا أعيش في الصحراء بل هنالك في جنة الله وجدت السكينة ، والقناعة والرضا . ثم يقول : لقد أفلحت هذه الطباع التي اكتسبتها من العرب في تهدئة أعصابي أكثر مما تفلح آلاف المسكنات والعقاقير .
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد