بسم الله الرحمن الرحيم
عشاق قادمون من وراء التاريخ
كان ناعماً رقيقاً متكسراً متخنثاً مع المظاهر البراقة والترف المدمر للرجولة والدين، وكان يلبس ثوباً ضيقاً يسمى \"بالمخصر\" أو بنطالاً يسمى \" الجينـز \"، فلا يستطيع القعود على الأرض ولا يستطيع أن يمشي إلا كمشي المقيد بالحديد، يتنقل في كل يوم من صالون حلاقة إلى صالون آخر متتبعاً لآخر صرخة وموظة للقصات الغربية، هو كالطاووس غروراً، ووجهه يشع بياضاً من المساحيق وأدوات التجميل، خلقه الله ذكراً على صورة النساء، استغفر الله لا أريد أن أظلم الرجولة فأسميه رجلاً فليس له معنى في الحياة إلا أنه صفراً خالياً من الحياء من الله عافانا الله وإياكم من هذا البلاء حتى أصبح حديث الساقطين من المراهقين، تلوكه الألسن ويوصم بالعار، نظراته نظرات المعجب بصورته، من فتنته تعلقت به القلوب المريضة، بحث عن الشهرة لكنه ما عرف طريقها الصحيح، يعشق المال، كل يوم مع شخص، يعيش على غيره، ينام خارج المنـزل، عديم الثقة بنفسه، يرضى بالإهانة لكرامته، ضعيف الشخصية، استولى على قلوب المراهقين بجماله المزيف فأخذ الأموال وسبب المشكلات وسطى على الممتلكات...لقد سد في وجهه طرق السعادة، وحجب عن ناظريه نور الهداية فلم يبق فيه فائدة للمجتمع، صار عضواً من الأمة أشل لا ينفع، بل يضر!! تاء التأنيث تحيِّيه في كل صباح ومساء.ومن عادته أنه في الحارة يجلس على عتبة باب منـزله يطالع ببصره هنا وهناك فتمر به جموع المراهقين، فمنهم من يمارس عملية التفحيط أمام منـزله، ومنهم من يتفضل بالسلام عليه، لا لأجل السلام فقط، بل لأجل التعرف والوصول إلى غايات سيئة!! وهو مع ذلك كله لا يزال ألعوبة بأيدي السفهاء من المراهقين، مغفلاً غِراً ساذجاً... أما في المدرسة فالطلاب في وقت الفسحة يصفون أمامه صفاً صفاً كأنهم بنيان مرصوص وإذا أراد أن يصلي صلى بدون وضوء!! لماذا؟ وكيف؟ لأن أكمام ثوبه الضيقة لا يستطيع أن يزحزحها ويوصل الماء إليها والعياذ بالله. [ليس هذا من نسج الخيال ولا من غلو العاطفة والتصوير للحدث، إنما هو الواقع الذي رأيته ورآه غيري]. أما إذا خرج من المدرسة فيا للعجب، فالسماء قد كفكفت بدموع العشاق وهبت نسائم الأصيل ناعمة رقيقة، وهمس العيون ترنو خفية لهذا الغِر... حتى أن بعض المراهقين وظف نفسه للدوران والتفحيط أمام مدرسة هذا المغفل.. وهو لا يزال مخدراً بإبر الغرور حتى هام في مرابع الفتنة والهلاك، وذاك يوم أن تعرف على شاب من شباب الحي عاطل عن العمل يقضي جل وقته متسكع في الطرقات، كانت البداية نظرة تلتها نظرات، ثم تطور الأمر فكان إعجاباً، فعاشا سنتان من العذاب، هم وغم وضياع للدين والمروءة والرجولة... والأنكأ من ذلك ضياع الوقت فيما حرم الله من نظر للفضائيات الأكسيد الفعال لغسيل الدماغ.. وشرب للدخان البوابة الكبرى للضياع!!. لا أطيل عليكم فالقصة لها فصول متفرعة من أهمها أن هذان العاشقان دمرا حياتهما بأيديهما، فالعاشق لا يستطيع وصال معشوقه المدلل إلا بالحرام أو الزواج، وكلاهما ممنوع في شريعة الإسلام!! يقول لي العاشق: قدمت كل ما أملك من المشاعر المرهفة والأحاسيس الوادعة والعواطف الساحرة، والهدايا الجميلة، و... و... من أجل أن أحقق رضاه...، وغايتي المنشودة أن أستولي على قلبه بأي طريقة من الطرق، ولو كانت محرمة!!. كان ديدننا في كل ليلة الدوران بالسيارة إلى قبيل الفجر أو الجلوس في الاستراحة لمتابعة الأفلام الهابطة والقنوات الساقطة، وأشياء أخرى تشمئز منها النفوس الأبية الصانعة للمجد والسؤدد!!. عشت حباً سافلاً ظلل عليّ حياتي فألبسني لباس السقم بعد الصحة، فألهاني عبث الشباب ولهو الفتوة عن صلاتي وطاعتي لربي، تفريط بحق الوالدين حتى هجرت أمي وأبي، فأصبت بجنون الغرام: وكـل الناس مجنون ولكن على قدر الهوى اختلف الجنونُ فملأت حياتي كلها حسرة وكآبة، وسفول همة وأزمة تيه، صيرني وهم الحب ذليلاً، بعد أن كنت عزيزاً، وأسيراً نحيلاً بعد أن كنت زهرة يانعة معطرة بعبق الصحة والعافية... رأى خضوعي فصدّ عني فازددت ذلاً فزاد تيهـا رويداً.. رويداً.. وفي ساعة متأخرة من الليل البهيم نزغ الشيطان في خاطري فابتسمت لمكره الخبيث وتجرعت سمه الزُعاف!! خطوة.. خطوة.. رفعت سماعة الهاتف ألو.. ألو.. محمد السلام عليكم! ممكن نخرج سوياً لمشاهدة التفحيط؟ تفحيط! قلت نعم!!. جموع من المراهقين تتراقص على جنبات الطريق واستعراض بالسيارات بتهور وجنون، وأفلام بهلوانية نطقت بها لغة العصر!!. فقال لي: أنا بانتظارك!. خرجت من منـزلي متجهاً بالسيارة فركبتها ثم سرت بها حتى وصلت إلى باب منـزله! فطرقت الباب فخرج محمد وركبنا معاً في السيارة!. وفي أثناء الطريق امتدت يدي إلى مسجل السيارة فقمت بتشغيل شريط الغنا!! الذي طالما سمعناه تكراراً ومراراً حتى حفظناه والعياذ بالله!!. محمد طلب مني طلباً!! وبصوت خفيض غير مسموع!!. ممكن نستعرض بالسيارة!!. فقلت له: نعم، نعم ونفحط أيضاً!!. فأخذت أقود سيارتي بشكل مخيف والأغاني الماجنة لها دوي في داخل السيارة وبسرعة تجاوزت المعقول، كنت غارقاً في أحلام الحب غافلاً عما يدور حولي!!. فجأة ارتطمت السيارة بإحدى أرصفة الطريق فانقلبت السيارة عدة قلبات وفي اللحظات الأخيرة تجمع الناس من حولنا لإسعافنا، أفقت من ذكرياتي كمن استيقظ من سبات عميق!. أين أنا!. كان الموقف مؤثراً جداً، شعرت بالإعياء والتعب! نظرت إلى محمد فإذا هو في النـزع الأخير من الحياة يعالج سكرات الموت، حاول بعض الحاضرين أن يلقنه الشهادة لكنه امتنع! وبمشهد رهيب وعيون الحاضرين تنظر تنهد محمد ثم تنفس الصعداء، فتمتم بكلمات حزينة! نعم إنها الأغاني الماجنة التي كنا سمعناها قبل الحادث!! ثم مات على هذه الخاتمة السيئة عياذاً بالله من ذلك. ألا قاتل الله الهوى كيف قادني كما قيـد مغلول اليدين أسيرُ أخي العزيز: لا تقل أنا شاب وسأستمتع بكل ما لذ وطاب من شرب للدخان، وتهاون في الصلاة، وتعاطٍ, للمخدرات، وسماعٍ, للأغاني، واقترافٍ, للمعاصي!! كلا إن الله كرمك بالإسلام وأسدى عليك نعمه الوفيرة وزين لك جنته
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد