سؤال القبر


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

اتفق أهل السنة والجماعة على أن كل إنسان يُسأل بعد موته، قُبر أم لم يُقبر، فلو أكلته السباع، أو أحرق حتى صار رماداً، ونسف في الهواء، أو غرق في البحر لسئل عن أعماله، وجوزي بالخير خيراً، وبالشر شراً، وأن النعيم أو العذاب على النفس والبدن معاً.

قال ابن القيم: مذهب سلف الأمة وأئمتها أن المسلم إذا مات يكون في نعيم أو عذاب، وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة، وأنها تتصل بالبدن أحياناً، ويحصل له معها النعيم أو العذاب، ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الأرواح إلى الأجساد، وقاموا من قبورهم لرب العالمين، ومعاد الأبدان متفق عليه بين المسلمين واليهود والنصارى.

وقال المروزي: قال أبو عبد الله - يعني الإمام أحمد -: عذاب القبر حق لا ينكره إلا ضال مضل.

وقال حنبل: قلت لأبي عبد الله في عذاب القبر، فقال: هذه أحاديث صحاح، نؤمن بها ونقرّ بها، وكل ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسناد جيد أقررنا به، فإنا إذا لم نقر بما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودفعناه ورددناه رددنا على الله أمره قال الله - تعالى -: (( وما آتاكم الرسولُ فخذوه )) قلت له: وعذاب القبر حق؟ قال: حق، يعذبون في القبور.

قال: وسمعت أبا عبد الله يقول: نؤمن بعذاب القبر، وبمنكر ونكير، وأن العبد يُسأل في قبره: فـ (( يُثبتُ الله الذين آمنوا بالقولِ الثابتِ في الحياة الدنيا وفي الآخرة )) في القبر.

وقال أحمد بن القاسم: قلت: يا أبا عبدالله تقر بمنكر ونكير، وما يروى في عذاب القبر؟ فقال: سبحان الله نعم نقرٌّ بذلك ونقوله، قلت: هذه اللفظة تقول: منكر ونكير هكذا أو تقول: ملكين؟ قال: منكر ونكير، قلت: يقولون ليس في حديث منكر ونكير، قال: هو هكذا يعني أنهما منكر ونكير.

قال الحافظ في الفتح: وذهب أحمد بن حزم وابن هبيرة إلى أن السؤال يقع على الروح فقط، من غير عودٍ, إلى الجسد.

وخالفهم الجمهور فقالوا: تعاد الروح إلى الجسد أو بعضه كما ثبت في الحديث، ولو أن ذلك على الروح فقط لم يكن للبدن بذلك اختصاص، ولا يمنع من ذلك كون الميت قد تتفرق أجزاؤهº لأن الله قادر أن يعيد الحياة إلى جزء من الجسد ويقع عليه السؤال، كما هو قادر على أن يجمع أجزاءه.

والحامل للقائلين بأن السؤال يقع على الروح فقطº أن الميت قد يشاهد في قبره حال المسألة ولا أثر فيه، من إقعاد ولا غيره، ولا ضيق في قبره ولا سعة، وكذلك غير المقبور كالمصلوب.

وجوابهم أن ذلك غير ممتنع في القدرة: بل له نظير في العادة وهو النائم، فإنه يجد لذة وألماً لا يدركه جليسه، وإنما أتى الغلط من قياس الغائب على الشاهد، وقياس أحوال ما بعد الموت على ما قبله، والظاهر أن الله - تعالى- صرف أبصار العباد وأسماعهم عن مشاهدة ذلك وستره عنهم، إبقاء عليهم لئلا يتدافنواº وليست للجوارح الدنيوية قدرة على إدراك أمور الملكوت إلا من شاء الله. 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply