صور مقلوبة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

(1)

كثيرة هي الصور التي تلتقطها العدسة فتظهر لنا مقلوبة كما التقطت..

صور تؤمّلنا بمساحة من التفكير.. نتوقف عندها لنفطن إلى موضع الخلل فنصلحه..

يا ترى كيف هي صورنا في عدسات الآخرين؟!

(2)

يا بني لا تأكل معهم.. لا تطعم طعامهم.. طعامهم الذي يجتمعون عليه محرمٌ علينا..

وأعيادهم ليست لنا..

يابني لا تشاركهم..

أنت مسلم.. أنت عربي.. أنت لست غربي..

إن كنت تريد رضاي.. أوصيك ألا تتزوج منهم..

نحن يابني لسنا مثلهم.. دماؤنا عربية.. وديننا الإسلام

مبادؤنا عفة وفضيلة..

حياتنا ليست كحياتهم..

تربيتنا ليست كتربيتهم..

تذكّر يابني..

أخشى أن أموت، فلا تأخذَ بوصيتي..

أسمعت يابني!!

أماه..

إذا كنتِ تريدين ذلك..

فلمَ نحن هنا!

(3)

في ديارهم وتحت أديم سمائهم الملوثة..

التحقت بمعهد للترجمة كي تعمل مترجمة لمرؤسيها لغة العرب القادمين من أصقاع الدنيا..

هم عرب ولكنهم يهود!

فاقت أقرانها.. وحازت الوظيفة..

لم تستطع أن تعلي شعار الإسلام على هامتها..

كل ما استطاعت فعله..

أن ارتدت طاقية اليهود الزرقاء.. لتذوب معالم الإسلام وتتلاشى...

من بين الجموع..

واحدة مثيلتها..

فعلت كفعلها.. وتوارت بإسلامها على استحياء..

أتتها مقتربة.. هامسة..

أنا مثلكِ.. نحن سواءٌ هنا!!

فوجمت لحظة، متسائلة.. كيف؟

أعني يهودية!!

ولكنني لست يهودية.. أنا مسلمة!

تلعثمت الأخرى..

وقالت لها بعد تردد: وأنا كذلك!!!

وبلهجةٍ, ناصحة -غاب صاحبها- وعظت الأولى الأخيرة:

أيسرٌّك ِأن تكوني منهم وقد أضعتِ إسلامك؟!!

(4)

مسلمة عربية من مهبط الأنبياء..

أقبلت في يوم يباهي الله به ملائكته..

تتلو كتاب ربي..

وقد طال بها الوقت ولم تملّ..

أعجبني ذلك منها..

وتمنيت أن أرزق جلدَها وصبرها..

مررت بجانبها..

فتعثر طرفي..

بحروف ذلك الكتاب الذي كانت تقرأه..

مصحف مترجم من العربية للإنجليزيةº تلك اللغة الوحيدة التي تحسنها!

(5)

كطائرين كناريين كانتا تغردان دون توقف..

كان الحوار دائراً بينهما.. وكلما انضمت لهما واحدة غردت كتغريدهما..

وعلا الصوت فكان نشازاً!!

ليظهر صورة مسخ لمن لم يعتزّ بلغة القرآن..

وقفت بينهما متسائلة:

عفواً!! لو سمحتما!!

هل لي بسؤال؟

لمَ لاتتحدثان العربية لغة القرآن؟!

هل هناك حاجة للحديث بهذه اللغة!

أطالا النظر فيها.. وحار الجواب حتى فرّ منهما..

فأجابا بصوتٍ, واحد: تعودنا ذلك منذ نعومة أظفارنا!

(6)

كما الرصاصة التي لا تخطىء طريقها..

انطلقت أقدامهم تضرب الأرض بقوة فتسمع لها صوتاً يوحي لك بمشاعر القوة والعزم والجلد والشجاعة..

يمضون بكل ثبات وعزم نحو الشيطان يريدون رجمه..

ويرشوقون ذلك النصب.. بكل قوتهم.. دون تردد..

وإن كلّفهم ذلك ذهاب أرواحهم في زحمة الجموع..

وترتسم ابتسامة النصر على شفاههم..

ألا ما أجملها من لحظة يشعر بها العبد بنشوة النصر!

هذه القوة لِمَ تغيب.. عند لحظة خلوة بنفس أو شهوة؟!

ولِمَ تخور العزائم.. وتُرفع رايات الهزيمة قبل ابتداء المعركة؟!

هلاّ ادُخرت معاني تلك اللحظة لهذه اللحظات المتكررة في حياتنا!!

(7)

لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك..

صوتٌ يخترق السماء.. يطلقه ذلك الحاج الذي أمّ قومه داعياً ملبياً..

ويزداد الصوت علواً وارتفاعاً ليبرم ميثاق توحيد لا ينقض.. وعبودية لا يشوبها شائب..

ثمّ يتبعه بحروف نشاز.. تتناثر يمنة ويسرة لتؤذي سامعها.. يا أبا الحسين أغثنا..

يا ولي الله ارحمنا.. وأجبنا..

(8)

تناهى إلى سمعه عبارات الاستغاثة بغير الله..

عن يمينه حاج قد ابتلت لحيته بالدموع.. كاد ينفطر قلبه حزناً وألماً..

كان ينادي وقد بُحَّ صوته: يا علي.. يا أبا الحسين أغثنا..

صوتٌ آخر قطع عليه مناجاته..

يا هذا: اتق الله!

أنت على بساط الله.. وفي بيت الله.. وتدعو غيره!

هلاّ دعوت ربك. ودع عنك علي - رضي الله عنه -.

وبنظرة غاضبة كادت تقتله حنقاً وبغضاً.. ارتفع صوت ذلك الملبّي

وعلت الأصوات مرددة معه غاضبة:

اللهم عليك بالمنافقين الكافرين..اللهم عليك بالمشركين الملحدين!

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply