بسم الله الرحمن الرحيم
\"تحوَّلت حبَّات عقد جدتي اللؤلؤية البيضاء إلى حبَّات فاحمة السواد.. لا.. لا.. إلا هذا العقد، إنه هديتها لي عندما تفوقت العام الماضي على الصف\".
استيقظت من نومي فزعة من ذلك الحلم المزعج، نفثت عن يساري، استعذت بالله من الشيطان الرجيم، شعرت وكأنَّ فراشي قد صُنع من شوك القتادº إذ إنَّه أقضّ مضجعي فلم أستطع النوم.
الحل إذاً أن أطمئن على العقد بنفسي، يممتُ وجهي شطر خزانتيº لأخرج العقد، وأتأكد من لونه.. فتحت علبته..
آه.. حمداً لله، ما زالت حبَّاته بيضاء كقلب التي أهدتني إياه..
تناولته لأقبله.. لكن.. حباته تناثرت على أرض الحجرة بعد أن تقافزت بصورة أثارت دهشتي، أو بالأحرى فزعي، انتابتني أفكار سيئة، ورؤى مخيفة.
عاودني القلق لكن بصورة أشدّ.. أن تصبح حبات اللؤلؤ سوداء خير من أن تسقط وتتناثر.
وي، ما الحكاية؟ ما هذه الوساوس الشيطانية؟!
السبيل الوحيد للخلاص منها الصلاة، نعم، فالمؤمن يجد راحته في الصلاة.. هكذا قالت المعلمة.
توضأت.. صليت، دعوت - من كل قلبي - لجدتي بأن يشفيها اللهº ليعود الفرح إلى منزلنا من جديد.
رجعت إلى سريري عساي الوسائل أن أستجدي النوم، لكنه مازال يعاندني حتى قبيل الفجر!
أمي.. نعم أمي هي المرفأ الأخير الذي سترسو عنده سفينة أفكاري المزعجة.. سأحتضنها وأنام بجوارها ولن أنبس ببنت شفة عمَّا رأيته حتى لا تقلق.
سابقت درج السلمº لأهبط إلى الطابق السفلي حيث تنام أمي جوار غرفة جدتي.. استوقفتني أصوات غريبة، حاولت أن أميزها، وعندما فشلت أسرعت لأفاجأ بصور أغرب.
خالي وأخواي وأبي في هذا الوقت المتأخر، مطأطئو الرؤوس.. واجمون. أمَّا أمي فقد كانت تبكي، لا بل تنتحب، وقد انكفأت على جسد جدتي النحيل المسجى تضمه وتقبله.
تمتمت بسؤال جرح حنجرتي: أو ماتت جدتي؟!
لا أعتقد أن ألماً في الوجود يساوي ذلك الذي خزَّ في أضلعي، ولا ناراً في الدنيا تجاري التي اشتعلت بين جوانحي.
لا أعرف متى ماتت، أو كيف ماتت، لا أعرف لماذا انفرط العقد اليوم بالذات؟
أنا لا أعرف أشياء كثيرة، ولكن شيئاً واحداً هو الذي أعرفه: وهو أنني أحب قلبها الأبيض الطاهر الذي سيظل يحيا معي رغم رحيل جسدها عنيº لذا هرعت إلى غرفتي، وجمعت الحبات المتناثرة، ونظمتها رغم أنَّ في داخلي غصة مؤلمة، بيد أني تغلبت عليها بابتسامة حزينة رسمتها على شفتي اللتين ظلت تهمهمان طوال نظمي للعقد.
العقد الأبيض ما انفرط ، ولا مات قلب جدتي الأبيض.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد