هل عالجت المدونة ظاهرة الطلاق ؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تعني مفردة الطلاق في الدلالة اليومية، مفارقة الزوج لزوجته، وانفصاله عنها. و في اللغة تدل على فك القيد، وإطلاق صراح المربوط، وإرساله، وجعله يفارق القيد أو السجن.

أما في الاصطلاح الشرعي والقانوني، فإن مفهوم الطلاق، يقصد به حل رابطة الزوجية الشرعية، من طرف الزوج، بلفظ صريح كقوله: (هي طالق) أو بلفظ غير صريح كقوله: (إلحقي بأهلك)، أو عن طريق الكتابة، أو الإشارة التي يفهم منها الطلاق في عرف المجتمع الذي ينتميان إليه.

ولقد عرفته مدونة الأسرة المغربية بقولها: (الطلاق حل ميثاق الزوجية، يمارسه الزوج والزوجة، كل حسب شروطه تحت مراقبة القضاء وطبقا لأحكام هذه المدونة. ) (قانون الأسرة المادة 78 ص 34) وفي تقديري أن الطلاق هو قصد، ونية، وقول، وفعل. يصدر من الزوج العاقل، الكامل الوعي، والحرية. هذه الأركان مترابطة، ويتوقف بعضها على البعض، ولا يمكن الفصل بينها، وهي شرط ضروري لكل طلاق.

والطلاق ظاهرة اجتماعية، عامة عرفته كل المجتمعات، و أقرته كل الديانات. ولقد أباحه الإسلام مع الكراهية، وطبقا لقاعدة أخف الضررين. فلا يلجأ إليه المسلم إلا عندما يتعذر استمرار الحياة الزوجية. فهو شر لا بد منه كما يقال. ولقد نفر منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق) سنن أبو

داود ج2 رقم 2177). وقال أيضا: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق. ) (رواه أبو داود). لكن إذا تحولت الحياة الزوجية إلى جحيم، وضيق، وعذاب، وكراهية، وبغضاء...وتحولت نعمة الزواج العظيمة إلى نقمة، ولم يعد بالإمكان إصلاح ما أفسد منها، ولا استقامة ما اعوج منها، ولا تحقيق الهدف المتوخى منها، وهو السكينة، والرحمة، والمودة.كما ورد في قوله - تعالى -: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون. } (الروم 21). فلا يكن حتما آخر الدنيا وفنائها بالطلاق. بل قد يكون مفتاح سعادة، وتجديد حياة. وصدق الله العظيم إذ يقول: {وإن يتفرقا يغن الله كل من سعته. }(النساء 130) صحيح أن الغرب يتهمنا بإباحة الطلاق، ويعتبر ذلك مهانة، وإذلالا للمرأة، وحطا من شأنها، وقدرها، ومسا بقدسية المؤسسة الزوجية... ولكن الواقع والإحصائيات تثبت أن الغرب يمارس الطلاق بشكله العادي، وعن طريق الانفصال، والهجر. وهو لا يملك القدرة، ولا الشجاعة على مواجهة المشكلة، والتسليم بها كظاهرة اجتماعية تحتاج إلى الدراسة. خصوصا وأن الظاهرة تزداد انتشارا في كل المجتمعات، وبدون استثناء - وإن كانت بنسب مختلفة - نظرا للأزمات الحديثة التي تعيشها هذه المجتمعات، والمتمثلة في طغيان الحياة المادية، وسيطرة مبدأ اللذة، على مبدأ الواقع، وتضخم الأنا، وحب الذات، والتنصل من القيم الأخلاقية، والبعد عن الله، وانتشار البطالة، وغياب التكافل الاجتماعي، وفقدان حنان الزوجية، وعدم التجاوز عن أخطاء الآخر والتعاون معه، وكثرة الضغوط النفسية، وتنوع الطلبات والمصاريف المادية المكلفة، وكثرة ملاهي المجون الليلية، وما يقع فيها من سكر، وعربدة، وقمار، وفساد، وخيانة زوجية... واحتجاب الأزواج وبعدهم عن بعضهم البعض، بسبب السهر خارج البيوت، والانشغال بهذه الموبقات. كل هذا وغيره يضعف العلاقة الزوجية ويثمر الطلاق. وهذه نتيجة في تصوري، طبيعية لها ما يبررها اجتماعيا وشرعيا. ولكن ما هو غير طبيعي ولا منطقي، ولا يقبله الحس السليم. هو ما ذهب إليه قانون الأسرة المغربي من قوانين معرقلة للطلاق، من ذلك مثلا ما ورد في المادة 79 من قانون الأسرة (يجب على من يريد الطلاق أن يطلب الإذن من المحكمة بالإشهاد له لدى عدلين منتصبين لذلك بدائرة نفوذ المحكمة... ) فإذا افترضنا مثلا أن المطلق، لم يستأذن المحكمة، ولم يشهد على طلاقه، فهل تحل له معاشرة زوجته؟ بعد أن يكون نوى الطلاق، وتلفظ به، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: {ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد، النكاح، والطلاق، والرجعة. } (رواه أحمد وأبو داود وبن ماجه والترمذي وقد حسنه الألباني في إرواء الغليل. ) وإذا رفض الزوج الحضور إلى المحكمة، اعتبر ذلك تراجعا منه عن الطلاق، كما تنص على ذلك المادة 81 ص35 من قانون الأسرة - وكأن الطلاق مجرد ضرب لموعد نتراجع عنه متى شئنا - (تستدعي المحكمة الزوجين لمحاولة الإصلاح، إذا توصل الزوج شخصيا بالاستدعاء ولم يحضر، اعتبر ذلك منه تراجعا عن طلبه). ولماذا لم يرجع قانون الأسرة غياب الزوج وعدم امتثاله أمام المحكمة، راجع إلى أنفة وكبرياء الزوج، وإلى العرف الاجتماعي الذي يعتبر أي مقابلة، أو وقوف، للزوج مع زوجته أمام القاضي بالمحكمة مذلة، وإهانة، ونقص في الرجولة. أما إذا لم يؤدي الزوج مصاريف الطلاق، وفي الموعد المحدد لذلك، فإنه يفقد حقه في الطلاق. كما تنص على ذلك المادة86 من قانون الأسرة (إذا لم يودع الزوج المبلغ المنصوص عليه في المادة 83 أعلاه داخل الأجل المحدد له، اعتبر متراجعا عن رغبته في الطلاق ويتم الإشهاد على ذلك من طرف المحكمة) (المادة 86 من قانون الأسرة ص36) وكأن الطلاق سلعة، أو صفقة تجارية مرتبطة بمبلغ مالي معين. إن الطلاق أمر شخصي مرتبط بالنية، والقول، والفعل. تترتب عليه حقوق وواجبات، في مقدور قانون الأسرة، ومن حقه أن يسهر على تنفيذها، وتطبيقها، ولكن ليس من حقه، ولا في إمكانه ومستطاعه، إن يحل الحرام، أو يحرم الحلال. ولو اجتمعت الأمة بكبرائها، وعلمائها. على أن تحل مطلقة لزوجها، أو تطلق حليلة على زوجها، لما أمكن لها ذلك.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply