الأم العازبة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن مفهوم العازبة يعني في اللغة العربية المرأة التي لا زوج لها، جاء في لسان العرب في مادة عزب (العزاب من لا أزواج لهم من الرجال والنساء)ص 596، وفي اللغة الفرنسية فكلمة (مادوموازيل) أي العازبة هي المرأة التي لم يسبق لها الزواج، أما في المتداول اليومي فالكلمة تعني البكر التي تظل محافظة على بكارتها, فإذا فقدتها بسبب الزواج فهي ثيب، أما إذا فقدتها بغير الزواج فهي باغية عاهرة، وفي العرف الاجتماعي القبلي أي امرأة لا يجدها زوجها بكراً في ليلة زفافها فهي باغية عاهرة ألحقت العار بأسرتها وعائلتها بل وبقبيلتها، وغالباً ما تطلق في ليلتها الأولى, وتلحق بأهلها, وتحرم من حقها في الصداق بعد أن تعرض على الطبيب، وقريباً من هذا المعنى نجده في القرآن الكريم على لسان مريم - عليها السلام -: ((قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغياً))(سورة مريم آية 20)، أي ليس لي زوجاً ولا أنوي الزواج ولست بغياً ولا فاجرة (حاشا لله).

إن أي علاقة جنسية خارج إطار الزوجية فهي عهر وزنا محرم شرعاً يعاقب عليه بالجلد ((الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة))(سورة النور آية2) أو الرجم في حالة الإحصان: (وللعاهر الحجر أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -).

ولقد حرم الله الزواج من الزانية أو الزاني كما حرمه من المشركة أو المشرك ((الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المِؤمنين))(سورة النور آية3).

إن الصالحين والصالحات, والعفيفين والعفيفات، لا يليق بهم الزواج من الفاسقين الفاجرين, والفاسقات الفاجرات، فالخبيثون للخبيثات, والطيبون للطيبات، وقديماً قيل الطيور على أشكالها تقع.

إن الغرب الاستعماري يكره العالم الإسلامي, ولا يحب الإسلام لأنه الحائل الوحيد الذي يقف في وجه نظامه العالمي الجديد، وانطلاقاً من هذه الكراهية المزدوجة فهو يقوم باستمرار بعملية الهدم لكل البنيات التقليدية ومنها الأسرة التي يمكن أن تكون حاجزاً أمام تحقيق أغراضه السياسية والاقتصادية, وفي نفس الوقت يلجأ إلى إعادة بناء, أو ترميم البنيات التي تساعده على تحقيق مشاريعه الاستعمارية, ومنها ترويضه للمجتمعات الإسلامية, ومحاولة إلحاقها بالحضارة الغربية عن طريق فرضه لنظام دولي جديد سياسي واقتصادي واجتماعي, وقيمي أخلاقي, يتلاءم مع نظامه القيمي المنحل والساقط.

يمكن بسهولة ملاحظة التغيرات التي طرأت على مستوى البنيات العائلية عبر التاريخ طبقاً لقانون التقلص الاجتماعي الذي نادى به كل من بارسونز, ودوركايم, ومفاده أنه كلما تقدم المجتمع كلما حدث تقلص في جسم العائلة, وطبقاً لهذا القانون تنبأ دوركايم عن موت العائلة في شكلها الأرستقراطي, والبورجوازي, وظهور نموذج الأسرة بلا زوج ربتها امرأة، وهذا ما أصبح يطلق عليه اليوم أسرة (الأم العازبة)، هذا النوع من الأسرة عبارة عن جسم مريض منحل يتلاءم تماماً مع المجتمع الغربي الذي يعاني من باكتيريا اجتماعية, وأخلاقية, ويجعل من المرأة الذات المركزية التي يمكن أن يمرر من خلالها كل قيمه الساقطة واللأخلاقية إلى مجتمعنا المتشبع بأخلاقياته الإسلامية.

إن الحمل عن طريق السفاح في المجتمع الغربي مشروع أخلاقي وقانوني، ولا يجلب لا عاراً ولا فضيحة، بل قد تسعد الأسرة به, ويحتضنه المجتمع, ولا تتعرض أمه ولا شريكها لأي عقاب أو اضطهاد اجتماعي أو قانوني، وهذا ما يفسر نسبة أزيد من 10في المائة من المواليد اللقطاء في المجتمع الأوربي، أما في الولايات المتحدة فإن هذه النسبة تصل إلى 28 في المئة، لأن الغرب يشجع ويدعم كل الممارسات الجنسية التي تحدث بين الرجل, والمرأة خارج العلاقات الزوجية, وهذا ما دعت إليه مسودة وثيقة ألأمم المتحدة التي قدمت لمؤتمر السكان, والتنمية المنعقد بالقاهرة ما بين 5 و13 سبتمبر سنة 1994, والموجه لأغراض سياسية واجتماعية [إذ فصلت بين الزواج, والجنس, والإنجاب, واعتبرتها موضوعات لا علاقة بينها، كما أقرت كافة أنماط الأسرة الحديثة كالزواج المثلي, والمعاشرة بدون زواج, وطالبت بوضع قوانين, وسياسات تدعم الأسرة, وتأخذ في الاعتبار تعدد أشكالها، كما جاء في الفقرة 5/2 ص29 الأهداف أ. أما في الفقرة 7 من الصفحة 43 إلى 53 فقد جاء: (يجب أن تزيل البلدان العوائق القانونية والتنظيمية الاجتماعية التي تعترض سبيل توفير المعلومات، والرعاية الصحية, والجنسية, والتناسلية للمراهقين}(بتصرف عن جريدة العالم الإسلامي 22/أغسطس 1994العدد1370 السنة 31).

أما بالنسبة لمجتمعنا الإسلامي فقد تفضل الباغية التخلي عن ابنها الذي أنجبته من الرذيلة بدل الفضيحة والإقصاء من العائلة, وربما التصفية الجسديةº كثمن لمحو العار الذي لحق بالعائلة، لأنها تعرف مسبقاً أنها وابنها خارج الإطار القانوني والشرعي والعرفي، وبالتالي لا مكان لها في مجتمع يمقت الرذيلة ويحاربها، تقول عائشة صباح مسلم النائبة في البرلمان الجزائري: {إن عدد المواليد بشكل غير شرعي بلغ 4000 طفل سنوياً}، ناهيك عن أولئك الذين أجهضوا وأغرقوا في دورات المياه أو دفنوا أرضاً [ فالله وحده يعلم عددهم].

إن ظاهرة الأمهات العازبات ما كانت لترى النور في مجتمعنا بالشكل الذي ظهرت به لولا التشجيع والدعم الذي تلقته من منظمات غربية عالمية كمنظمة [أرض البشر], أو محلية كجمعية [التضامن النسائي التي أنشأتها عائشة الشنة سنة 1985، والتي فازت بالعديد من الجوائز كجائزة اليزبيت غورغال بفركفور الألمانية مقابل تشجيعها على الفساد طبعاً].

إن ما يثير الغرابة حقاً أن الأم العازبة تتلقى من الاهتمام والدعم ما لا تتلقاه الأرملة ولا المطلقة ولا اليتيمة، فعلى سبيل المثال لا الحصر قررت الحكومة الجزائرية على لسان وزيرها جمال ولد عباس منح الأم العازبة 10000 دينار (110دولار) كمعاش شهري لتربية مولودها غير الشرعي، وهل التربية توكل إلى المنحرف؟ الذي هو نفسه في حاجة إلى إعادة التربية، فالفاجر لا يلد إلا فاجراً ((إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً))(سورة نوح الآية27)، بينما لا تحصل المطلقة كما ذكرت فاطمة العوفي إلا على 2000دينار (22دولار) من زوجها طبعاً, وبعد اجترار في المحاكم، أما المرأة التي تصون شرفها وكرامتها, وتحافظ على دينها مهما كانت وضعيتها, يتيمة, أرملة, مطلقةº فلا نصيب لها في منحة الدولة, وهذا ظلم اجتماعي ما بعده ظلم, ولا يفسر هذا إلا بالتشجيع على الفاحشة, والعمل على نشرها - وإلى الله المشتكى -.

تقول فاطمة العوفي: {نعم نطالب بترقية المرأة, ولكن لا نطالب بفتح المجالات لسلوك يخرجنا من أصالتنا وهويتنا وأخلاقنا, رغم أننا من دعاة التقدم والعصرية}، وترى بعض الناشطات الجزائريات أنه كان على الدولة أن تخصص تلك الأموال التي تصرف للأمهات العازبات للقضاء على العوامل التي تعوق زواج الشباب، كما ترى أن قرار الدولة صرف المعاش للأمهات العازبات يستهدف الهوية العربية الإسلامية، وتمرير قانون جديد للأسرة.

إن لفظ أم عازبة, أو أم في وضعية صعبة, أو أم ناشطةº يتضمن مغالطة المقصود منها تمرير الظاهرة وقبولها والتعامل معها كظاهرة طبيعة, وإلا كيف تكون أم وعازبة في نفس الوقت، فلنسمي الأسماء والأشياء بأسمائها، ونقول: أم عاهرة بدلاً من أم عازبة، خصوصاً وأن المرأة في مجتمعنا الإسلامي لا تخرج عن ثلاثة أصناف هي: أم للمؤمنين - وأم محصنة مؤمنة - وباغية عاهرة، أما الأم العازبة فلا مكان لها في تراثنا الثقافي ولا الاجتماعي ولا اللغوي.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply