بسم الله الرحمن الرحيم
فإن من الموضوعات التي تُثار ما بين آونةٍ, وأخرى، من قبل بعض الكتّاب والكاتبات، ورسامي الكاريكاتير: موضوع الأنديةِ النسائية، وحاجة النساء إليها. ويبدو أن هؤلاءِ الكتاب لم يفكروا جدياً في النتائج المترتبة على ذلك، أو أنهم فكروا تفكيراً قاصراً، راعى الإيجابيات، وعمي عن السلبيات مع كثرتها ووضوحها، ولست بادئ ذي بدء ضدَّ ممارسة المرأة للرياضة في الوقت المناسب والمكان المناسب، فقد ثبت أنَّ النبي- صلى الله عليه وسلم - كان في سفر، فأمر أصحابه بأن يتقدموا ليخلو بزوجه عائشة- رضي الله عنها- فسابقها، وتكررَ ذلك منهُ أكثر من مرة بهذه الصفة الفردية، فإذا مارست المرأة الرياضة مع زوجها وحدهما في مكانٍ, خالٍ, فلا بأس بذلك، أما الدعوة إلى إقامةِ نوادٍ, رياضية تجتمع فيها النساء، فهو مرفوضٌ لأسباب شرعية واجتماعية.
أما الشرعية، فمنها:
أولاً: أن المرأة مأمورة بالقرار في البيت، وألا تخرج إلا لحاجة، لقوله - تعالى -: ((وَقَرنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)) (الأحزاب: من الآية33).
وليست ممارسةُ الرياضة حاجة تسوغ خروجها، إذ بإمكان المرأة أن تمارس الرياضة وهي في بيتها، إما بواسطة الآلات الحديثة، أو من خلال قيامها بالأعمال المنزلية الكثيرة، ففي دراسةٍ, قام بها بعض الباحثين الأمريكيين، أكدوا أن الأعمال الاعتيادية التي يقوم بها الشخص في منزله يومياً، كالكنس، والغسل، والعمل بالحديقة، والمشي لها فوائد التمارين الرياضيةº فهي تقي من انسداد الشرايين، والإصابة بأمراض القلب [1].
كما قام بعض الباحثين بدراسةٍ, عمليةٍ,، وذلك بقياس وقت عمل كلٍ, من رجل الشرطة الراجلة، والموظفة، وربة البيت الجادة، لمدة ثلاثة أيام بجهاز قياس مسافة السير، فوُجد أن ربة البيت تفوقهم جميعاً في السير، حيث حققت مسافةً مدهشة مقدارها 45 كيلو متراً، أي أكثر من 15 كيلو متر يومياً [2].
بل قد ظهرت دراسة أمريكية حديثة، أن النساء اللواتي يُمارسن الرياضة في المنزل يفقدن وزناً أكثر، ويصبح شكلهنَّ أحسن من النساء اللواتي يمارسن نفس التمارين في النوادي الخاصة [3].
ثم إن الرياضة التي ستمارسها المرأة في النادي إما أن تكون خفيفة، وهذه يمكن القيام بها في البيت، وإما أن تكون عنيفة، فهذه لها أضرار على المرأة، حيث تسلبها أنوثتها، ورقتها ونعومتها، مما قد يعرضها للشقاءِ في حياتها، وإذا كان الأمر كذلك، لم يكن لخروج المرأة من بيتها لممارسة الرياضة في نادٍ, أو غيره من مسوغ شرعي.
هذا إذا كان المقصود ممارسة الرياضة، أما إن كان المقصودُ مجرد الخروج من البيت، أو المباهاة والوجاهة، فهذا أمرٌ آخر، وهو أولى بالمنع.
ثانياً: لم يكن من عادة النساء في الإسلام لا سيما العذارى والأبكار، أو الصبايا على حد تعبير الكاتبة فوزية أو خالد- الخروج من البيت، إلاَّ في أضيق الحدود، بدليل أن النبي- صلى الله عليه وسلم - كما جاء في الصحيحين، كان يأمر العواتق وذوات الخدور بالخروج يوم العيد، لحضور الصلاة ودعوة المسلمين.قالت أمٌّ عطية- رضي الله عنها-: ((كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد، حتى نُخرج البكر من خدرها.... )) وفي هذا دليل على أنهنَّ لم يكن من عادتهنَّ الخروج، ولو للصلاة المفروضة، بل إن بعضهنَّ ليس لها جلباب أصلاً لقلة خروجها، حتى إن إحداهنَّ سألت النبي- صلى الله عليه وسلم -: إحدانا لا يكون لها جلباب؟ فقال: ((لتلبسها أختها من جلبابها)) يعني يوم العيد، ليشهدن دعوة المسلمين، ورجاء بركة ذلك اليوم وطهرته.
ومما يدل على ذلك أيضاً، جاء في الصحيحين في وصفِ رسول الله- صلى الله عليه وسلم - من أنَّهُ أشدٌّ حياءً من العذراء في خدرها (والخدر: ناحية في البيت، يُترك عليها ستر فتكون فيه الجارية)، وهذا يدلُ أيضاً على ملازمتها للبيت، مستورة مقصورة، ولهذا وصف الله نساء الجنة وهي دار النعيم - بأنهنَّ ((حُورٌ مَقصُورَاتٌ فِي الخِيَامِ)) (الرحمن: 72).
أي لا يخرجن، مما يدل على أن ملازمة المرأة لبيتها صفةَ كمالٍ, لا نقص.
ثالثاً: روى أبو داود في سننه بإسناد صحيح عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما من امرأة تخلعُ ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله - تعالى -)).
فهذا نصٌ صحيحٌ صريح، ينهى المرأة أن تخلع ثيابها في غير بيتها، وهذا النهي البليغ لا مفرَّ للمرأة من الوقوع فيه إذا خرجت إلى النادي، ناهيك عن اللباس الذي ستلبسهُ لممارسة الرياضة، مما يكشفُ بعض العورة أو يحددها، فتكون المرأة قد وقعت في محظورين عظيمين لا يليقان بامرأة مسلمة تخشى الله - عز وجل - وترجو ثوابه.
وأما الأسباب الاجتماعية فمن أهمها:
أولاً: ما يترتب على خروج النساء من المفاسد الكثيرة، وإذا كنا نُعاني من خروج النساءِ إلى العمل والأسواق رغم الحاجة التي تدعو إلى ذلك، فكيف إذا كان خروجهنَّ من أجل ممارسة الرياضة، مع عدم الحاجة إلى ذلك كما سبق؟ وقد روى الترمذي بإسنادٍ, صحيح، عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان)) أي طمع بها.
ثانياً: خواء البيوت وضعف الأجيال، فإذا كانت المرأة ستخرج في الصباح للعمل أو الدراسة إلى منتصف النهار، ثم إلى النادي في آخر النهار، ثم تعودُ في الليل منهمكة متعبة، فإنَّ ذلك سيُؤدي حتماً إلى الاعتماد على الخدم والسائقين في تربية الأولاد والقيام بشؤونهم، وليس بخافٍ, ما يترتبُ على ذلك من ضعفِ الأجيال، والإخلال بتوازن المجتمع، فإنَّ الأصل أن يعمل الرجل خارج المنزل، وتعمل المرأة داخله، والإخلال بذلك يؤدي إلى خللٍ, في المجتمع بأكمله، والشواهد على ذلك كثيرة جداً، لا يتسع المجال لذكرها.
ثالثاً: مجتمعنا ولله الحمد مجتمع محافظ، وهو يرفضُ مثل هذه الفكرة، وهؤلاء الذين يطالبون بمثل هذه النوادي هم قلة قليلة، لا تمثل المجتمع، وحتى لو لم يرفض المجتمع ذلك، فإنَّ الشرع هو الذي يحكم المجتمع وليس العكس، وإن من أهم ما يميزُ هذه البلاد عن غيرها: تمسكها بالشرع المطهر، لا سيما فيما يتعلقُ بالمرأة، وحفظها وصيانتها.
أما الفتيات الصغيرات أو الصبايا، فخيرٌ لهنَّ أن يقعدن في بيوتهن، ليتعلمن ما يجهلنهُ من فنون الطبخ ونحوها، مما يحتاجه في المستقبل، فإن فضل لديهنَّ وقت فهناك المدارس النسائية لتحفيظ القرآن، التي أثبتت نجاحها ولله الحمد، ونفع الله بها كثيراً، وهناك الزيارات العائلية، والمتنزهات البريئة داخل المدينة أو خارجها من مدن المملكة المترامية الأطراف.
أما جمع المراهقات والصبايا في نواد خاصة، لينزعنَّ جلباب الحياءِ من أجل ممارسة رياضية أو غيرها، فإنَّ ذلك لا يليقُ بمجتمعنا المحافظ، إضافةً إلى ما سيترتب على ذلك من المفاسد العظيمة كما سبق.
لذا وجب سدَّ هذا الباب من أساسه، والله ولي التوفيق.
----------------------------------------
[1]- مجلة الأسرة، عدد 50، ص 21
[2]- انظر: جريدة الرياض، عدد 11542.
[3]- المصدر السابق، عدد 10883.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد