بسم الله الرحمن الرحيم
إن مما ابتليت به أمتنا في العصر الحديث خطباء يرفعون المفعول وينصبون الفاعل والمضاف إليه، ويجرون المبتدأ وخبره، وبعضهم لا يرفع المبتدأ إلا إذا كان اسماً لأنَّ أو إحدى أخواتها! ولا يرفع الخبر إلا إذا كان خبراً لكان أو إحدى أخواتها! وإن أحدهم لو تعمد اللحن تعمداً لما استطاع أن يلحن كلحنه وهو يتحدث على سليقته، بل ربما لو تعمده لما لحن!
فيجلس المستمع في الخطبة يتألم من رصاص اللحن يثقب أذنيه، بدلاً من التحسر على واقع الأمة الذي يتحدث عنه الخطيب، ويتيقظ قلبه وعقله ليصيد الأخطاء النحوية واللغوية ويحزر الصواب المقصود منها، بدلاً من التيقظ للنهوض من غفلة المجتمع.
وكثير من هذه العبارات الملحونة يجعل الخير شراً، والحق باطلاً، والمؤمن كافراً، والأقبح أن اللحن لم يقف عند حد كلامهم، بل تراهم يلحنون في كلام الله - تعالى -وأحاديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم -! ولعلهم يدخلون في قوله - تعالى -\"يحرفون الكلم عن مواضعه\" ويدخلون في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - \"من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار\" وقبل ذلك فإنهم قد ضلوا بلحنهم كالذي لحن في حضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي لأصحابه:\"أرشدوا أخاكم فإنه قد ضل\".
ولو جلسنا نعدد ما نسمعه من اللحن في الخطبة الواحدة، لغدا الواحد منا متحيراً أيتألم أم ينقلب على ظهره من الضحك!
وبعد أن لاحظنا أننا أمام مشكلة كبيرة أصبحت ظاهرة بحاجة إلى معالجة صار لزاماً علينا أن نتحرك في مكافحة اللحن بجميع أشكاله لاسيما عند الخطباء في المساجد والناطقين في المحافل، لأن اللحن في حقهم أفحش وأغلظ.
وقد يُظن أن الأمر عسير ويحتاج إلى دراية متعمقة في علوم اللغة العربية والأمر أهون من ذلك وإليك ما يحتاجه هؤلاء لطرد اللحن من ألسنتهم:
أولاً: يلزمهم معرفة المبادئ الأساسية في النحو، فالفاعل مرفوع والمضاف إليه مجرور، وخبر كان منصوب، وغير ذلك من قواعد النحو.
ثانياً: يلزمه من الصرف معرفة الأسس الأولية، كالعلم بالحروف الأصلية والزائدة في الكلمات ومعرفة كيفية اشتقاق الصيغ بعضها من بعض، ومعرفة بعض صيغ الجموع وغيرها.
ثالثاً: يلزمه ثقافة عامة في البلاغة تعينه على تزيين كلامه بالمحسنات البديعية كالجناس والطباق، وتوضيح مراده بالتشبيه والاستعارة والكناية، ومطابقة خطابه لمقتضى حال المخاطبين بتعلم الإيجاز والإطناب وتنويع أساليب الخطاب من خبر وإنشاء، واستفهام وأمر وغيرها.
رابعاً: يلزمه المداومة على التمرين ورياضة اللسان على الفصيح من الألفاظ والعبارات وتعويد الأذن عليها بمجالسة الفصحاء والبلغاء وسماع أحاديثهم وعباراتهم، وقراءة الكتب المدونة بأقلام بليغة حتى ينتهي الأمر به إلى استهجان اللحن في لسانه وأذنه.
وأخيراً..أقول إن على جميع المثقفين واللغويين والغيورين على لغتهم العظيمة أن يتحركوا في مكافحة فساد الألسن والسلائق.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد