أوزبكستان الإسلاميون يتململون!


بسم الله الرحمن الرحيم

نستبعد أن تسفر أحداث التمرد التي لا زالت مستمرة في أنديجان بشرق أوزبكستان عن إطاحة نظام الرئيس إسلام كريموف لسبب بسيط وهو: افتقار حركة التمرد لمساندة قوى إقليمية "أمريكا" مثلاً، والأسباب معروفة، فواشنطن ليست معنية بدعم تمرد يقوده إسلاميون "يمينيون" غير معتدلين يمثلون حزب التحرير، ويناصرون توجهات تنظيم القاعدة بحسب منظورهم.

وفي أوزبكستان التي استقلت في 1991 بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في وسط آسيا، ويبلغ عدد سكانها نحو 25 مليون شخص، وتبلغ نسبة المسلمين نحو 89% من عدد السكان، نظام علماني يحارب بشراسة كل ما هو إسلامي، وثمة هوس بالثورة ينتاب شعوب منطقة آسيا الوسطى وتحديداً الجمهوريات السوفيتية المستقلة، وثمة ثورات برتقالية متتالية هنا وهناك، في أذربيجان، وقرغيزستان، وأوكرانيا، وجورجيا.

قواعد لعبة التغيير في آسيا الوسطى باتت أوضح اليوم مما مضى، وحالها هو حال التغيير في باقي مناطق العالم وفق المنظور الأمريكي، إلا أن الثابت أن حركات المعارضة في هذه البلدان ليست إسلامية، باستثناء أوزبكستان التي حالتها تختلف بعض الشيء، فهنالك محاولات لإلصاق تهمة التمرد بالإسلاميين، مرة بتنظيم القاعدة "والأقرب إليه الحركة الإسلامية الأوزبكية"، ومرة أخرى بحزب التحرير تنظيم المعارضة الأقوى والأبرز في هذا البلد.

الدلائل تشير إلى أن ما تسعى إليه الحركة الإسلامية الأوزبكية من حركتها التمردية هو إطلاق سراح المسجونين، وإيقاف التعذيب الذي تقوم به الحكومة ضد المعتقلين الإسلاميين بشكل منظم، ففي أوزبكستان عداء كبير للإسلاميين، واستهداف لكوادرهم وقواهم، وهنالك تقارير لمنظمات حقوق الإنسان تتحدث عن ممارسة تعذيب منظم وبشع.

أوزبكستان اليوم تمثل أخطر منطقة في جمهوريات آسيا الوسطى في الصراع بين الإسلاميين والسلطة، وهو ما تفتقر إليه باقي مناطق آسيا الوسطى.

ما حدث في جورجيا وأوكرانيا وقرغيزيا يختلف تماماً عما يحدث في أوزبكستان، فالحركات التي أطاحت بالسلطة ذات توجهات قومية مسيحية، أو توجهات ليبرالية إصلاحية، وجميعها تعاونت إيجابياً وبشكل مباشر مع التمويل الأمريكي، واستعانت به لتحقيق مصالحها، أما إسلاميو أوزبكستان فهم يقفون اليوم وحيدين إمام نظام إسلام كريموف.

وباعتقادي أن شيئاً لن يتغير بعد حركة التمرد هذه، فهي انتفاضة غير شعبية، كما أن الحراك الإقليمي بالنسبة لأوزبكستان لم يتغير مثلما لم تتغير النظرة لنظامها القائم، وسط هذا كله أيضاً يبرز الموقف الروسي مما يجري فليس من مصلحة لروسيا من صعود التيار الإسلامي في المنطقة عموماً.

على صعيد آخر تبرز في هذه المعمعة حقيقة العلاقات الحميمة بين واشنطن وطشقند في إطار الهيمنة الأمريكية في منطقة وسط آسيا والجمهوريات الروسية المستقلة عموماً، فحكم الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف يمثل واحداً من أكثر النظم تعاوناً مع الولايات، ولعل ذلك بدا أكثر وضوحاً خلال الغزو الأمريكي لأفغانستان، وتعقب تنظيم القاعدة، والحرب على الإرهاب.

إضافة إلى ذلك هناك قاعدة عسكرية لواشنطن على الأراضي الأوزبكية في منطقة خان آباد إلى جوار مدينة كارشي الواقعة قرب الحدود مع تركمنستان، وهي قاعدة متوسطة الحجم.

حركات ما يسمى بـ"الإسلام السياسي" في هذه المنطقة - وخاصة حزب التحرير الذي يعمل الآن تحت الأرض - سينهض، وينتقل للعمل تحت الضوء إذا ما أتيحت له الظروف، الأمر الذي لا يوافق هوى روسيا ومن قبلها الولايات المتحدة.

ما يجري في هذه المنطقة المضطربة استقواء للمعارضة الداخلية بالدعم الأورو أمريكي، فثمة جمهوريات إسلامية خمس في آسيا الوسطى (كازاخستان، تركمانستان، أوزبكستان، قرغيزيا، طاجيكستان) تغلي على نار مرجل الثورة.

اللافت أن بعض هذه الدول - وبصفة خاصة أذربيجان - يرتبط بعلاقات وثيقة بكل من تركيا وإسرائيل اللتين تعتمد عليهما الولايات المتحدة في المنطقة لتقويض أي تحالف صاعد تمثله إيران وروسيا وسوريا، إذا في الأمر أكثر من محور كلها تلتقي على قاعدة خدمة المصالح الأمريكية في المنطقة، أما في أوزباكستان فإن الأمر ربما يأتي بإطلالة لمشروعات الإسلام السياسي.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply