بسم الله الرحمن الرحيم
حبيبي\" يدعوني إلى المعصية.. ما كان حرامًا انقطع
السؤال: أنا فتاة أبلغ من العمر 24 عامًا، على علاقة بشابِّ أحبٌّه كثيرًا، أنا على قدرٍ, من التديٌّن وأخاف الله - تعالى -، مشكلتي أنني أحيانًا أرتكب المعاصي مع من أحبّ، قد لا تصل لحدِّ الزنى والعياذ بالله، ولكني أخاف الله - تعالى -، وأرجع نادمة، وأبكي كثيرًا، وأحاول أن أكفِّر عما ارتكبته بالصدقة والصيام لله - تعالى - والصلاة وطلب الاستغفار، وأقرر التوبة والكفَّ عما يغضب الله، ولكني بعد كل مرة أعود وأكرر ما سبق، لأعود مرة أخرى بالدموع إلى الله راجية أن يغفر لي، وأدعوه أن يستجيب لي ويرزقني بالحلال، ماذا أفعل؟ وهل يسامحني الله على ذلك أم أن الله قد لا يستجيب ممن يكرر ذنوبه ولا يتوب؟ مع أني في كل مرة أنوي التوبة وأتوقف عما يغضب الله، ولكن أعود لأضعف مرة أخرى.
ماذا أفعل أفادكم الله لكي أرتاح من تعذيب الضمير؟
يقول الدكتور كمال المصري
أختي الكريمة نسرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أسأل الله أن تكوني بخير حال، وأن يكون ضميرك قد ارتاح بتوقفك عن فعل الخطأ، والحقيقة يا أختي أن أجمل ما وجدته في رسالتك رغم مظاهر الحزن الشديد البادية فيها، أجمل ما في رسالتك هو أنك تملكين قلبًا حيًّا محبًّا لله - تعالى -، وهو أمر طيب محمود رغم ما تقومين به من خطأ لا نوافقك عليه كما لم توافقي نفسك عليه، وهو ما أتمنى أن تتوقَّفي عنه فورًاº لأنك أعلى وأغلى من أن تُمتَهني بهذه الطريقة، حتى وإن كان من يفعل ذلك هو أحبٌّ الأحبة وأقرب الأقربين.
وحتى أكون عمليًّا معك يا أختي مع تأكيدي على شعوري بالسعادة من قلبك الحي هذا، حتى أكون عمليًّا دعينا نضع النقاط فوق الحروف، ونقترح بعض البرامج العملية المانعة من تكرار ما حدث:
1 - ثقي تمامًا يا أختي نسرين أن الله - تعالى - أعظم وأرحم وأعطف من الدنيا وما فيها، وأنه لا يغلق بابه أبدًا أمام أحد مهما عصى وأذنب بل وكفر، وليس هذا زعم مني، بل هو ما قرره الله - تعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - في الكثير الكثير من الآيات والأحاديث، واستمعي لبعض ما ورد في القرآن والسنة:
- \"قل يا عباديَ الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنَّ الله يغفر الذنوب جميعًا إنَّه هو الغفور الرحيم\".
- \"وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيِّئًا عسى الله أن يتوب عليهم إنَّ الله غفور رحيم\".
- \"فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإنَّ الله يتوب عليه إنَّ الله غفورٌ رحيم\".
- \"وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلامٌ عليكم كتب ربٌّكم على نفسه الرحمة أنَّه من عمل منكم سوءاً بجهالةٍ, ثمَّ تاب من بعده وأصلح فأنَّه غفورٌ رحيم\".
- \"إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدِّل الله سيِّئاتهم حسناتٍ, وكان الله غفورًا رحيمًا\"، قال العلماء في تفسير الآية: \"من أحسن ما قيل فيه أنَّه يُكتَب موضع كافرٍ, مؤمن، وموضع عاصٍ, مطيع\"، أي يبدَّل حاله تمامًا من الكفر إلى الإيمان، ومن المعصية إلى الطاعة، يتحقَّق كل ذلك بالتوبة.
- وقد أسقط الله - سبحانه - العقاب على من تاب عن ذنب حتى وإن كان حدًّا، قال - تعالى - في حدِّ الحرابة: \"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعَون في الأرض فسادًا أن يُقتَّلوا أو يُصلَّبوا أو تُقطَّع أيديهم وأرجلهم من خلافٍ, أو يُنفَوا من الأرض ذلك لهم خزيٌ في الدنيا ولهم في الآخرة عذابٌ عظيم * إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أنَّ الله غفور رحيم\"، وقال - سبحانه - في حدِّ السرقة: \"والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله عزيزٌ حكيم * فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإنَّ الله يتوب عليه إنَّ الله غفورٌ رحيم\".
- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قَدِم على النبي - صلى الله عليه وسلم - سَبي، فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسقي إذا وجدت صبيًّا في السبي أخذته، فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا النبيٌّ - صلى الله عليه وسلم -: \"أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ \"، قلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال: \"لله أرحم بعباده من هذه بولدها\" متفق عليه.
- عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"لله أشدٌّ فرحًا بتوبة عبده، حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيِس منها، فأتى شجرةً فاضطجع في ظلِّها، قد أيِس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثمَّ قال من شدَّة الفرح: اللهمّ، أنت عبدي وأنا ربٌّك، أخطأ من شدَّة الفرح\" رواه مسلم.
- لقد قطع الله - تعالى -على أرجح الأقوال- بقبول توبة التائب، فلا تترددي في التوبة، يقول الإمام القرطبي في تفسيره: \"فإذا فرضنا رجلاً قد تاب توبةً نصوحًا تامَّة الشروط، فقال أبو المعالي: يغلب على الظن قبول توبته، وقال غيره: يقطع على الله - تعالى - بقبول توبته كما أخبر عن نفسه جل وعز، قال ابن عطية: وكان أبي - رحمه الله - يميل إلى هذا القول ويرجِّحه، وبه أقول، والله - تعالى - أرحم بعباده من أن ينخرم في هذا التائب\"، وذكر الإمام ابن القيِّم في كتابه \"طريق الهجرتين\" من طبقات الناس يوم القيامة: \"طبقة قوم أسرفوا على أنفسهم، وغشوا كبائر ما نهى الله عنه، ولكن رزقهم الله التوبة النصوح قبل الموت، فماتوا على توبة صحيحة، فهؤلاء ناجون من عذاب الله، إمَّا قطعًا عند قوم، وإمَّا رجاء وظنًّا عند آخرين، وهم موكولون إلى المشيئة، ولكن نصوص القرآن والسنَّة تدل على نجاتهم وقبول توبتهم، وهو وعدٌ وعدهم الله إياه، والله لا يخلف الميعاد\".
هكذا هي رحمة الله - سبحانه -، وهكذا هو فضله - تعالى -º ولذلك فالتوبة أصبحت ضرورة يا أختي الكريمة، وشروطها الواضحة الصريحة التي لا مراء فيها ثلاثة:
الشرط الأول: الإقلاع عن الذنب.
الشرط الثاني: الندم عليه.
الشرط الثالث: العزم على عدم العودة إليه.
ولكن احذري، فباب التوبة مفتوح إلى أن يشرف المرء على الموت، فحينها لا توبة: \"وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنِّي تُبتُ الآن ولا الذين يموتون وهم كفارٌ أولئك أعتدنا لهم عذابًا أليمًا\"، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: \"إن الله - تعالى - يغفر لعبده، أو يقبل توبة عبده، ما لم يُغَرغِر\" رواه الترمذي والحاكم، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
2 - بعد الحديث في التوبة، فلنتحدَّث في طبيعة علاقتك بهذا \"الحبيب\"، يا أختي أنت لم توضِّحي لنا ما طبيعة علاقتك به، عاقد، أو خاطب، أو مجرَّد شخصٍ, تعارفتما فتحاببتما دون أن يكون لذلك الحبِّ أيَّ شكلٍ, شرعيٍّ, أو حتى رسميّ!!
يا أختي نسرين الموضوع شديد الحساسية، إنه مرتبط بأعراض يجب أن تصان، وهو إن كان عاقدًا -وكلامك يوضِّح غير ذلك- فما تقومان به حلال في حدود العرف والتقاليد، أما إن كان خاطبًا -وكلامك يوضِّح غير ذلك- فما تقومان به حرام، أما إن كان مجرد \"حبيب\" فهنا الطامة الكبرى، أنا لا أشكك في حبه لك، ولكنني أتساءل: لماذا لم يتقدم لك رسميًّا؟ هل تمنعه ظروفه المادية والاجتماعية مثلاً؟ إذا كان الأمر كذلك فما يدريك أن ظروفه هذه ستمنعه عن الاقتران بك؟ وبالتالي تكونين قد وقعت في المحظور، وارتكبت الإثم، ونال هو منك ما ليس له ولا لغيره بحق.
يا أختي، أنا أتحدث عن ظروف وأوضاع خاطئة عليك عدم الوقوع بها، تذكري ربك أولا، فإن لم يكن ذلك مانعًا فتخيَّلي نظرة المجتمع لك حين تُعرَف هذه العلاقة؟ ومَن سيقبل بك وقد عُرِف عنك أنك كنت مع شخص آخر؟ وللأسف فمجتمعاتنا قاصرة في هذا الجانب إذ هي تحمِّل المرأة الذنب وحدها، مع أن الواجب أن يحمله الرجل معها أيضًا، ولكن ما دمتِ أنت تتحمَّلين الذنب وحدك، فلن يضير \"حبيبك\" شيء إن اضطر أن يتركك، وستبقين أنت تتجرعين مرارة ما اقترفتما الدهر كله.
لا أريد أن أذهب بعيدًا فأفترض في \"حبيبك\" هذا الغدر والخيانة، وأنك لست إلا صيدًا سهلاً يقضي فيه رغبته مقابل كلمات قليلة يداعب فيها مشاعرك، وما أرخصه من ثمن، لا أريد أن أذهب في هذا بعيدًا مع أن الشواهد تؤكد ما أفكر فيه، فهو غير أمين عليك، ولا يساعدك على التوبة، لا بل يشجعك على المعصية لحاجة في نفسه، فأنت بالنسبة له مجرد \"خليلة\" سيتركها بعد أن يملها أو يجد غيرها.
3 - عليك يا أختي الكريمة نسرين أن تقطعي علاقتك بهذا \"الحبيب\" فورًا، لا خلوات، ولا لقاءات، ولا حتى حديث بالهاتف أو بغرف الدردشة أو رسائل عبر البريد الإلكتروني، ألغِيه تمامًا من حياتك، وهو إن كان يريدك حقًّا فليتوجه إلى والدك ويطلب يدك، وطالما لم تتزوجا فلا تنيليه منك شيئًا، فما كان حلالاً دام واتَّصل وما كان حرامًا انبتَّ وانقطع.
وقطع العلاقة هذا سيفيدك في أن تبتعدي عن مبدأ الحرام ودوافعه الداعية للوقوع فيه.
وأتمنى لو شغلت نفسك عنه بصحبة صالحة طيِّبة، تكون عونًا لك على الخير.
يا أختي الكريمة، أنت جوهرة نفيسة، خلقها الله - تعالى - وأرادها أن تكون غالية، فلا ترخصيها بمعصيتك، وتذكَّري دائمًا: \"فساد البدايات يؤدِّي إلى فساد النهايات\".
الأمر لك يا صاحبة \"القلب\" الحيّ، وبقي أن تكوني صاحبة \"الفعل\" الحيّ. وأنتظر ردك.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد
التعليقات ( 1 )
الكويت
-شوق
00:58:30 2021-06-09