الإعلام التلفازي ودوره في التأثير


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إذا كانت وسائل الإعلام بصفة عامة لها تأثيرها على المتلقي لرسائلها وفق ما سبق من نظريات وقواعد تم التعرض لها فإن وسيلة التلفاز تعتبر ولا شك في مقدمة هذه الوسائل قوة في التأثير- كما سبق الإشارة- وبالتالي تحقيق قدر ملموس في عملية التغيير الاجتماعي والثقافي في المجتمع وبعد أن صار هذا الجهاز جزءاً من المجتمع المعاصر وعنصراً أساسياً من عناصر التوجيه والإعلام بكل وظائفه، فإنه يظل أو يصبح جهازاً حيادياً بحتاً.

 

وقد أثارت هذه الخاصية جدلاً واسعاً بين الآباء والمربين بل ورجال الدين مما طرح تساؤلاً حول شرعية هذا الجهاز هل هو حرام أم حلال، وحتى يتجاوز الناس هذا الجدل الفقهي بأن تحريم التلفاز أو تحليله إنما يكون بالمادة التي يقدمها والفكر الذي يتبناه فالجهاز نفسه إنما هو وعاء قد يحمل دواءً يشفي أو سماً يقتل ومما لا شك فيه أن تأثير التلفاز أمر لا يحتمل الإنكار أو التجاهل فقد أثبتت الدراسات العديدة تأثيره على الصغار والكبار على حد سواء فقد ثبت تأثيره الإيجابي في التثقيف والتعليم والتوجيه والدعاية، ولعله مما يؤكد ذلك ما للإعلان التلفازي من أثر على المشاهدين عامة والأطفال بصفة خاصة بما يجعلهم أكثر ولاء لما يقدمه الإعلان التلفازي وثقة أكبر مما يكون عليه الحال في أهليهم أو والديهم، وتعظم القضية أمام تأثير الدراما التلفازية والتي تعتمد على الخيال والحبكه والإخراج المعبر بما يشد الكبار والصغار معاً حتى ارتفع الصوت بطلب حماية المجتمع من تأثير الإعلان التلفازي والدراما التلفازية على الناشئة والمجتمع عامة[1].

 

 بل إن هذا التأثير لا يقف عند هذا الحد بل يغطي جميع ومعظم مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية واللغوية بل له تأثير على سلوك الأفراد وخصوصاً الأطفال وكذلك السلوك السياسي للمواطنين، وقد جاءت نظرية الغرس الثقافي للبريطاني جورج فرنير لتؤكد أن التلفاز يصنع لمشاهديه على المدى الطويل واقعاً خاصاً مختلفاً عن الواقع الحقيقي وأن المشاهدين يحكم التصاقهم ببرامجه يصدقون هذا الواقع ويتعاملون معه باعتباره حقيقة ويعتقد صاحب هذه النظرية أن الناس في المجتمعات الغربية إنما هم أسرى الواقـع المصنوع هذا وأنهم يتصرفون ويعيشون على واقع غير الواقع الحقيقي بكل ما ينبت من تعقيدات من مثل هذا التباين[2].

 

ويري الباحث أن مثل هذه النظرية قد تصدق في حالة تلقي المعلومة من جهاز تلفازي واحد غير أن تعدد الأجهزة وتعدد رسائلها وتنوعها تجعل الفرصة أوسع للاختيار والمقارنة مع الوضع في الاعتبار العوامل المساعدة على إحداث التأثير والتي سبق الإشارة إلى بعض منها.

 

مجالات التأثير التلفازي:

إن خواص التلفاز المميزة له كوسيلة إعلامية مؤثرة جعلته محل نقاش وجدال وقد واجه معارضه من واقع ديني وشرعي كما سبقت الإشارة، ولكنه أيضا واجه معارضة عن وجهة نظر اجتماعية سياسية اقتصادية، فقد عارضته الصفوة من المجتمع الهندي على أساس انه رفاهية لا ضرورة لها يستغلها تجار المدن لخدمة مصالحهم التجارية على حساب المستهلك المكافح، بينما عارضه وحاربه أصحاب صناعة السينما خوفاً على صناعتهم وسيطرة التلفاز على الإنتاج الدرامي، ومن العجب أن اليهودية جولدا مائير عارضت التلفاز لما له من طبيعة استهلاكية قد تؤثر على المفاهيم والعقائد اليهودية، وهذه المواجهات على اختلاف أسبابها أنما تؤكد خطورة التلفاز مما دعا إلى البحث عن المجالات الأكثر تأثيرا ببرامج التلفاز ومادته[3].

 

ومن خلال هذه الدراسات وجد أن له تأثيره الواضح في عدد من المجالات والأنشطة نذكر منها:

 

(أ) تأثيره على الوقت:

فقد عمل الكثير من أفراد المجتمع وعائلاته على إعادة نظام حياتهم اليومية بناء على برامج التلفاز وتكاد تكون هذه ظاهرة في كثير من البلدان والمجتمعات فقد جاء في بعض الدراسات أن 60% من العائلات الأمريكية اعترفت بأنها غيرت مواعيد النوم بسبب برامج التلفاز كما أن 55% من العائلات غيرت مواعيد تناول الطعام[4]. ومن المعايشة مع المجتمع العربي نجد أن هذه الظاهرة أصبحت واضحة في كثير من المجتمعات العربية والسودانية حتى أصبح موعد بث المسلسل التلفازي من الأوقات التي تجمع أفراد العائلة بل تجمع معهم من يكون في ضيافتهم، بل أنصرف كثير من الشباب نحو البرامج التلفازية على حساب مواعيد المذاكرة والتحصيل خصوصاً في المناسبات القومية والرياضية والأحداث العالمية والمحلية حيث يستمر البث الإذاعي والتلفازي إلى ساعات منتصف الليل.

 

(ب) التأثير على النشاط التربوي: -

في دراسة استطلاع رأي المواطنين مشاهدي التلفاز في الكويت عام 1974م ، توصلت إلى أن 97% من الأمهات يرين أن الدورة التلفازية الصباحية جذبت الأطفال للجلوس في منازلهم للمشاهدة وبالتالي عدم ممارستهم للعب خارج المنزل أو ممارسة القراءة أو الهوايات المعتادة لديهم بل ساعدت على انصراف الأطفال عن أصدقائهم بنسبة 52% مما يدل على أثر التلفاز على جانب مهم وهو الجانب التربوي عن طريق الممارسة وتبادل الخبرات والمعلومات ومعاني الأخذ والعطاء[5].

 

وإذا كانت هذه النتائج جاءت نتيجة دراسات مضى عليها بعض الوقت فإن الدراسات الحديثة ما تزال تؤكد هذا الاتجاه والذي تكرس بظهور البث المباشر في كثير من البلدان ولعل ذلك يتضح من دراسة قام بها الأستاذ الدكتور عثمان أبو زيد توصل فيها إلى أن البث المباشر أحدث بعض التغيير في التعامل مع الأوقات مما يؤثر على العديد من أوجه النشاط الاجتماعي والتربوي والعائلي، وقد تميز هذا التأثير (حسب رأي الباحث الذي أجرى الدراسة) إلى عادات الناس وتقاليدهم[6].

 

(ج)  التأثير على التحصيل العلمي:

تعتبر فترة الطفولة ومرحلة الشباب من أهم مراحل التحصيل العلمي حيث تمثل هذه المرحلة طلاب المدارس ومعاهد التعليم، وهذه الفئات أيضاً تقبل على مشاهدة التلفاز بصورة واضحة وقد تكون هذه المشاهدة في أوقات على حساب أوقات المذاكرة واسترجاع الدروس والواجبات المدرسية وما لم يتوفر رعاية منزلية وإرشاد تربوي فإن هذه المشاهدة ولا شك ستكون على حساب ما ينبغي على الطالب من تحصيل علمي ، فقد توصلت بعض الدراسات إلى أن 18. 6% من طلاب المرحلة الثانوية في الكويت يقضون مدة في مشاهدة برامج التلفاز تعطلهم عن التحصيل العلمي بل وأداء واجباتهم المدرسية[7].

 

ولعل في هذا ما يشير إلى أن مشاهدة الأطفال لبرامج التلفاز تتدخل بصورة أو بأخرى في تحديد المراجعة والاستذكار وعمل الواجبات المدرسية[8]. ولعله من المفيد الإشارة إلى أن مثل هذا النوع من التأثير قد يكون ايجابياً فيدفع الطالب إلى الحرص لإنهاء واجباته المدرسية قبل بداية البث أو البرامج التي يفضلها، كما قد يكون كان سلبياً كان يحدث للطالب ارتباكاً في تنظيم وقته فلا يستطيع أن يحقق التوفيق بين مذاكرته ورغبة في المشاهدة[9].

 

ولا شك أن للتلفاز أثره الواضح في هذا الجانب إذ توصلت دراسة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر إلى أن 77% من أرباب الأسر (أفراد العينة) يلجأون إلى تشغيل التلفاز أثناء المذاكرة بل إلى فترات متأخرة من الليل[10].

 

هذه هي بعض الجوانب التي تتأثر ببرامج التلفاز في حياة المجتمع عامة والمجتمعات العربية خاصة بجانب تأثيره على الجوانب الخاصة بالعلاقات الاجتماعية والسهر ليلاً لساعات طويلة قد تؤثر على البعض في القيام بأداء صلاة الصبح في وقتها. ويري الباحث بعد استعراض ما ورد من وجهات نظر علمية ونتائج بحثيه أن التلفاز باعتباره واحداً من وسائل الإعلام الجماهيري لا يمكن إنكار أثره على المجتمع غير أنه ليس بالضرورة أن يتحقق كل ما أشير إليه من تأثيرات حيث أن الأمر يتعلق بدرجة قابلية المتلقي للتأثير وفق المقاييس الاجتماعية والنفسية ، بجانب قدرة الرسالة الإعلامية وجاذبيتها موضوعياً وفنياً.

 

ولما كان التلفاز ببرامجه وبثه يصل إلى أعداد كبيرة من الناس وجماهير مختلفة ومستويات متفاوتة فإن تأثيره لا يقاس بحجم هذه الأعداد ولا باختلاف نوعية الجماهير إنما يقاس بمدي ما يحدثه من تغيرات اجتماعية وثقافية ونفسية لم تكن لتحدث لولا وجود التلفاز كوسيلة إعلامية فاعلة يتعامل معها قطاع كبير من المجتمع.

 

فبرامج التلفاز تحقق تأثيرها من خلال تعامل الفرد والجماعة معها، وما يحصلون عليه من معارف جديدة وثقافات مختلفة تعطيهم الشعور بالمكانة الاجتماعية بين الآخرين من خلال زيادة قدراتهم على التعامل والتفاعل السليم مع من يتعاملون معهم وتزداد أهمية هذه المكانة بالنسبة للمشاركين في البرامج نفسها أو المتعاملين مع التلفاز بما يوفر لهم حظاً أوفر في مجتمعاتهم فينظر إليهم على أنهم نجوم وشخصيات مميزة حيث أن البرنامج التلفازي يضفي مكانة ويحسن مركز الفرد بل الجماعة المشاركة فيه[11].

 

ومن جهة أخري فإن التلفاز نفسه يسعى لتحقيق رسالته الإعلامية مستفيداً من أشخاص ذوي مكانة رفيعة وشهرة ممن يتأثر بهم المشاهدون ، مثل نجوم المسرح والسينما أو قادة الرأي وكبار المسئولين انطلاقاً من الاعتقاد بأن من يظهر في الصحف أو يتحدث في التلفاز لابد وأن يكون مهما[12].

 

 ــــــــــــــــــــــ

[1] د. فاتح زغل ، مرجع سابق ص 17.

[2] د. محمود محمد فلندر ، مرجع سابق ، ص 148.

[3] د. على بن محمد النجعي، الإعلام.. المفاهيم ، دار صبري 1416هـ ، ص95.

[4] أدوارد داكين، مقدمة إلى وسائل الاتصال، ترجمة وديع فلسطين، الأهرام القاهرة ص 103.

[5]موسي عبد راغب تقرير استطلاع رأي المشاهدين في برامج الدورة الصباحية التلفازية عام 1974م ص 59-60.

[6] د. عثمان أبو زيد عثمان ، التلفزيون الثقافي ، سلسلة مطبوعات صندوق دعم الشريعة الإسلامية ، ص 12.

[7] د. سعد عبد الرحمن ، بحث حول التلفاز وطالب المرحلة الثانوية وزارة الإعلام ، الكويت 1405هـ ص 148.

[8] د. سعيد مبارك ، مرجع سابق ص 209.

[9] د. سعد بن مبارك الزعير ، مرجع سابق ص 209.

[10] ناهد رموزي، التلفزيون والصغار، المركز القومي للبحوث والجنائية والاجتماعية(1975م) ودورية الإعلام العربي، السنة الثالثة ، العدد الأول 1403هـ .

[11] د. جيهان روشتى، مرجع سابق ، ص 209.

[12] د. إبراهيم إمام، الانجلو المصرية ، الطبعة الثانية 1975ص 84.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply