بسم الله الرحمن الرحيم
إن عالمنا الإسلامي اليوم على مفترق طرق، تجتاحه تيارات عاتية من الأفكار، والتصورات والعادات والتقاليد التي في مجملها مخالفة للرؤية الإسلامية لما ينبغي أن يكون عليه المجتمع المسلم، وتكمن ثالثة الأثافي في هذه التيارات أن الشباب المسلم يتعرضون إلى حرب شاملة بهدف خلق أجيال بعيدة عن دينها ومنهاجها، في ظل استبعاد الإسلام كأسلوب حياة، والمسجد كمحضن أساس، وتهميش دور المدرسة، وإشغال الآباء والأمهات عن الدور المنوط بهم º فبرزت أجيال مهزومة في نفسها، تعشق التقليد الأعمى، وغارقة في أوحال الفساد والضياع.
ونظرًا لدور الشباب المسلم المتميّز والمتسم بالعطاء في حياة المجتمع، لا بد من عرض مشكلاتهم ودراستها للتعرف على صفاتهم النفسية، وتحديد مواقفهم السلوكية ودوافعهم واتجاهاتهم، التي ينطوي بعضها على الكثير من العطاء والكرم والحماس، وينطوي بعضها الآخر على التسرع والتردد والقسوة والعنف، وبناءً على ذلك يمكن تحديد مشكلات الشباب المسلم على النحو الآتي:-
- مشكلات جسمية (بدنية وصحية)
- مشكلات نفسية
- مشكلات اجتماعية
- مشكلات ثقافية
أولاً: المشكلات الفسيولوجية (الصحية والبدنية):-
يمكن القول: إن مرحلة الشباب تتميز بالنضوج الجسمي، والطاقة الزائدة، التي تترافق معها العديد من الحاجات، والمشكلات تبرز بصورة واضحة من خلال: مشكلة التعب السريع، والمعاناة من أوجاع الرأس، والضعف البدني، وكثرة الغياب عن المدرسة بسبب المرض، وفقدان الشهية للطعام، وغيرها.
من جانب آخر تبرز بعض المشكلات المتعلقة بشكل الشباب مثل البشرة غير الصافية ( حبّ الشباب )، وقصر القامة المفرط، وطولها المفرط، والسمنة والنحافة إلى غير ذلك مما نجده لدى الشباب خلال بدايات نضوجهم الجسدي.
ويكاد الشباب - ذكورًا وإناثًا- يكونون عرضة لمعظم هذه المشاكل التي يحتاج علاجها إلى تضافر عدة جهاتº لتحقيق نتائج ملموسة تمنح الشباب القدرة على التعامل معها كأمر طبعي يكون الزمن فيه جزء من العلاج، وفي حال تفاقم أي من هذه المشكلات فان مراجعة الطبيب أو المدرسة من قبل أولياء الأمور تصبح مسألة ملحة وضرورية لوضع الحلول المناسبة خوفا من تأثيراتها على شخصية الشاب مستقبلاً، وبشيء من المجازفة يمكن القول أن المشكلات الفسيولوجية هي أسهل أصناف المشكلات التي تواجه الشباب كونها أصبحت عامة، ويستطيع الشاب تقبلها وتجاوزها أحيانا.
ثانياً: المشكلات النفسية:-
إن من أكبر وأعقد المشكلات التي نتجت عن ابتعاد التربية في مجتمعاتنا عن منهج الإسلام التربوي هي خلق إنسان ضعيف غير مؤمن بأي شيء، يخاف من ارتكاب الأخطاء قبل حدوثها، وتسحقه الأحلام المزعجة، ويفشل في التعلم من الأخطاء فضلاً عن تجاوزها أو نسيانها، إضافة إلى عصبية المزاج وحدّته، ناهيك عن سرعة الاضطراب والانفعال، كما تقف أحلام اليقظة - إذا زادت عن حدها - عائقًا أمام تكيّف الشباب النفسي والاجتماعي مع الآخرين، وتبرز كذلك مشكلة الخجل الشديد عند الجلوس مع الآخرين، والقلق الدائم وعدم الشعور بالسعادة.
وغني عن القول، إن الهروب النفسي الذي تشكّله هذه المشكلات ناتج عن غياب التربية الإسلامية القائمة على القدوة الحسنة، وبث روح الإيمان، والثبات على الحق والعطاء الدائم، إضافة إلى تخلّي أحد الأبوين أو كليهما عن مسؤوليته في التربية، أو رغبة الأب بالزواج من امرأة ثانية غير الأم، كما يلعب سفر الأب لسنوات طويلة - بحجة العمل - إلى ضياع الأبناء، وعدم قدرة الأم وحدها على السيطرة عليهم، بينما قد تخلق مشكلة التمييز في المعاملة بين الذكر والأنثى مثل هذه المشكلات وغيرها، أما القسوة والتسلط في التعامل مع الأبناء فإنه كفيل بتأجيج هذه السلبيات وتعظيمها وتكريسها في شخصية الأبناء، وقتل روح التميّز لديهم، وتحويلهم بالتالي إلى مجرد أرقام تضاف إلى سلسلة طويلة من الأبناء الذين نعدّهم عدّاً ولا نكاد نجد لهم أثرًا في مجتمعاتنا.
ثالثا: المشكلات الاجتماعية:-
تعاني مجموعة كبيرة من شبابنا في مجتمعاتنا الإسلامية من صور عديدة للفساد الأخلاقي، أو الانحراف نتيجة مشكلات اجتماعية من أبرزها: العلاقة مع الأشقّاء مثل التحاسد والتنافس المذموم والغيرة بسبب التمييز في المعاملة، كذلك مشكلة العزلة الاجتماعية، ورفاق السوء، والقسوة والعدوانية في التعامل مع الآخرين.
ومن أهم مظاهر السلوك الناتج عن المشاكل الاجتماعية: العناد وعدم الطاعة أو العصيان، إضافة إلى مرض السرقة الناتج عن الفقر أو شح الأوضاع الاقتصادية للأسرة أو المرض النفسي، كما تبرز مشكلة الكذب بأنواعها الادّعائي كادعاء الشاب بأن والده يملك مصنعًا كبيرًا بينما هو عامل فيه، أو كذب دفاعي، أو كذب انتقامي كاتّهام شاب بريء بعمل مخالفة لم يرتكبها، وتكثر في هذا الإطار أيضًا عمليات التخريب، كتخريب مرافق المدرسة أو الكتابة على الجدران، أو كسر الألواح والأعمدة، أو الاعتداء على ممتلكات الآخرين والتحامل والعدوانية، والغش في الامتحانات.
ولا ريب أن الأسباب الكامنة وراء هذه السلوكيات كثيرة جداً يمكن إجمالها بحياة الحرمان والفقر التي يعيشها الفرد، يضاف إليها الخلاف والشقاق بين الوالدين، أو الانفصال الزوجي بالطلاق، كما تؤدي البطالة دورًا كبيرًا في إيجاد التربة المناسبة لهذه المشكلات، في حين يلعب رفاق السوء أخطر الأدوار في تسهيل ارتكاب هذه الأخطاء، فضلاً عن التفكك الأسري بسبب جهل الآباء والأمهات بواجبهم التربوي، أو بسبب تعدد الزوجات مع انعدام العدالة بينهن، وقبل هذا وذاك فإن ضعف الالتزام بمنهاج الإسلام في الحياة زواجًا وعملاً وسلوكًا وتربية - بلا شك - هو العامل الأساس الذي يقذف الشاب في أتون حياة الفساد والمهالك.
رابعاً: المشكلات الثقافية:-
إن الحديث عن المشكلات الثقافية يستدعي بالضرورة التطرق إلى وسائل التثقيف، أي الوسائل التي يحصل منها الفرد على المعرفة والثقافة والتربية كالمسجد والمدرسة والجامعة، ووسائل الإعلام المختلفة، حيث يبدو أن جميع هذه الوسائل - باستثناء المسجد- قد تلعب دورًا ثنائيًا إيجابيًا وسلبيًا حسب طريقة توظيف هذه الوسيلة.
ومن أبرز مشكلات الشباب الثقافية الازدواجية والتناقض بين ما يشاهده أو يسمعه، وبين القيم السائدة في مجتمعه، مما يجعله حائرًا مشتت الفكر، فالمسجد تم تحويله إلى مكان للعبادة فقط، وتم تغييب دوره القيادي والتربوي في بناء شخصية المسلم، والمدرسة باتت في معظم مجتمعاتنا أداة تجهيل بصورة صارخة، أما وسائل الإعلام فإنها تأمر وتنهى وما على شبابنا سوى السمع والطاعة - إلا من رحم الله - حيث بات التلفاز (مثلاً ) يملك القدرة على توجيه سلوك الأبناء بصورة يعجز عنها الآباء والأمهات تمامًاº بسبب الفراغ القاتل لدى هؤلاء الشباب وانعدام الهدف الحقيقي لحياته.
وفي الإطار ذاته، تشكل أزمة الهوية ( وهي إحساس الشاب بالضياع ) أخطر أنواع المشاكل في مجتمع لا يساعده على فهم ذاته، أو مواجهة تحدياته بنفسه، وذلك في ظل إسراف وسائل الإعلام في تكريس كل ما هو بعيد عن الإسلام وقيمه، ويبدو جليا أن التربية التي تأخذ القرآن الكريم والسنة النبوية منهاجًا، والمسجد والأسرة المسلمة الصالحة محضنًا هي التربية الكفيلة بصناعة شاب مسلم قادر على تقديم النموذج الإسلامي المميز والصادق.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد