اتقاء الإشاعة أو ابتغاء الخلوص منها 1-3


بسم الله الرحمن الرحيم

 

1/ لقد اعتنى التشريع الإسلامي بالتأصيل لمجموعة من الأخلاق الإسلامية، كفل بها حقوق الفرد، وضمان حريته، وعدم المساس به، أو النيل من كرامته، أو حتى غمزه ولمزه [وَمَن يَكسِب خَطِيئَةً أَو إِثماً ثُمَّ يَرمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَد احتَمَلَ بُهتَاناً وَإِثماً مُبِيناً] وإذا كان هذا هو المنهج الحق، والصراط المستقيم الذي حري بالمسلم أن يلتزمه ويتدبره طلباً للرضا والسعادة وتحقيقاً لمبدأ الأخوة الإسلامية، إلا أننا نجد من يخالف هذا الأمر ويتجنبه ويحيد عنه بامتهانه أمراً لم ينص عليه كتاب ولا سنة ولا يقول به رجل عاقل يدرك أمانة الكلمة، وحرمة اللسان، وحق الآخر (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً) وكم من رجل يتحدث عن بعض الأمور يريد بها عرض الحياة الدنيا، فتطفئ وضاءة وجهه، وتضر بالمصلحة العامة، أو تكشف عن تزلف ونفاق يكون به خراب المجتمع وضياع تماسكه، إن الإشاعة مرض خطر، وسوس ينخر في عظام المجتمع، وبخاصة بعد أن أصبحت مهنة من لا مهنة له، ومن النادر أن يجتمع القوم في مجلس إلا ويخالط حديثهم بعض التجاوزات يكون للإشاعة النصيب الأكبر والحظ الوافر، والذين يخوضون في تلك الأحاديث يقحمون أنفسهم في أمور دون النظر إلى الأوضاع العامة والملابسات أو حتى التفكر في عواقب الأمور فيعرض نفسه وأخيه وأسرته ومجتمعه لمزيد من الضياع والتفكك، وما أضاع المجتمع إلا الكذابون المحرضون الذين ينكبٌّون عن ذكر العواقب [حَسَداً مِن عِندِ أَنفُسِهِم] والخائضون في أحاديث التفكه والتنادر والنيل من فلان والتعريض بفلان لا يكون نصيبهم من خوضهم إلا التباب والغم والحزن واليأس

كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ *** والماء فوق ظهورها محمول

والإشاعة في حقيقة الأمر عرض لمرض، فمتى نزل هذا المرض بساحة قوم في أي بقعة من الأرض فإنما هناك خلل يعرفه القوم، ثم ينكرونه، أو يمارسون الإشاعة بحق الدفاع عن النفس وتصفية الحسابات والتشفي من الآخر وما عرفوا أن [أَجر الآخِرَةِ أَكبَرُ لَو كَانُوا يَعلَمُونَ] وعلى كل الأحوال فإن الإشاعة وسيلة للتفرقة وليست غاية في ذاتها، وعرض وليست جوهراً، والحصيف من يعرض عن هذا الأمر، ويتقصى الحقيقة، ويناصح الفرد وينأى بنفسه عن سفاسف الأمور [حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ, غَيرِهِ إِنَّكُم إِذاً مِثلُهُم].

والذين يجازفون بالحديث ولا يحترمون أعراض المسلمين، لا شك أنهم لن يحترموا أنفسهم وأخلاقهم، ولذلك اجتاحت المجتمع طائفة من المشكلات المستعصية وأياً كان مصدر هذه الإشاعة اللسان أو القلم فإن الأثر واحد والتأثير واحد، ومما يزيد الإشاعة استشراء ويعمق الخلاف الخلط بين الغيبة والنميمة ولا نستطيع مواجهة هذا الأمر إلا بالنفور الاجتماعي فالإمام في محرابه، والخطيب على منبره، والعالم بين كتبه، والمعلم في فصله، والمرأة في بيتها، والأب بين أولاده، إلى غير ذلك، إن هذا الخلل في المجتمع يستوجب علينا أن نتجاوز الادعاء والاتكالية، وأن نعترف في تقصيرنا، وعلينا أن نملك الشجاعة في الاعتراف، فكل مريض ينكر مرضه لا يمكن أن يشفى، وكل جاهل ينكر جهله لا يمكن أن يتعلم، وكل عاجز ينكر عجزه لا يمكن أن يحقق شيئاً، وليس عيباً أن نخطئ وإنما العيب إنكار الخطأ، أو الإصرار عليه، فمتى وجهنا مجتمعنا ومتى ناصحنا المجالس............يتبع

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply