بسم الله الرحمن الرحيم
إذا قبُح الكذب، وقبحت الإشاعة، فإن من أشد الإشاعات قبحاً وقذارة إشاعةً على امرأة – أو رجل- بالفاحشة أو الزنا، وقديماً قد أشاع اليهود أهل البهتان والكذب على مريم أمٌّ عيسى - عليهما السلام - ما أشاعوا فبرأها الله، ومدحها وأظهر عفتها وطهارتها، فقال: {وَمَريَمَ ابنَتَ عِمرَانَ الَّتِي أَحصَنَت فَرجَهَا فَنَفَخنَا فِيهِ مِن رٌّوحِنَا وَصَدَّقَت بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَت مِنَ القَانِتِينَ} (12) سورة التحريم.
ولا يخفى على القارئ حادثة الإفك التي أشاعها المنافقون على أم المؤمنين الطاهرة العفيفة السيدة عائشة - رضي الله عنها - فقال الله تعالى في شأنها:{إِنَّ الَّذِينَ يَرمُونَ المُحصَنَاتِ الغَافِلَاتِ المُؤمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدٌّنيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُم عَذَابٌ عَظِيمٌ يَومَ تَشهَدُ عَلَيهِم أَلسِنَتُهُم وَأَيدِيهِم وَأَرجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعمَلُونَ } (23، 24) سورة النــور، وقال تعالى:{وَالَّذِينَ يَرمُونَ المُحصَنَاتِ ثُمَّ لَم يَأتُوا بِأَربَعَةِ شُهَدَاء فَاجلِدُوهُم ثَمَانِينَ جَلدَةً وَلَا تَقبَلُوا لَهُم شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ}(4) سورة النــور، يقول الذهبي - رحمه الله -: \"بيَّن الله - تعالى - في الآية أن من قذف امرأة محصنة حرة عفيفة عن الزنا والفاحشة أنه ملعون في الدنيا والآخرة، وله عذابٌ عظيم، وعليه في الدنيا الحد: ثمانون جلدة، وتسقط شهادته، وإن كان عدلاً\" (تهذيب الكبائر: 87).
وفي الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (اجتنبوا السبع الموبقات) فذكر منها قذف المحصنات الغافلات المؤمنات، فالإشاعة بالزنا مدمرة للمجتمعات الإسلامية، وناشرة للفسق والفجور بين الناس، ومشيعة للفاحشة، ولذلك توعَّد الله فاعل ذلك بوعيد شديد، وتهديد أكيد، فقال:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبٌّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدٌّنيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لَا تَعلَمُونَ}(19) سورة النــور.
وبعض الناس ربما تساهل في الخوض في أعراض الناس، وربما لبَّس عليه الشيطان بأن هذا غيرةً على الدين، وما هو إلا بهتان عظيم يقول تعالى:{إِذ تَلَقَّونَهُ بِأَلسِنَتِكُم وَتَقُولُونَ بِأَفوَاهِكُم مَّا لَيسَ لَكُم بِهِ عِلمٌ وَتَحسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ} (15) سورة النــور.
والواجب على المسلم إذا سمع ذلك رده، وفعل ما أمر الله:{وَلَولَا إِذ سَمِعتُمُوهُ قُلتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبحَانَكَ هَذَا بُهتَانٌ عَظِيمٌ }(16) سورة النــور، وهذا إنذار من الله، وقد أعذر من أنذر:{يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مٌّؤمِنِينَ}(17) سورة النــور، فلله الحمد أن بيَّن لنا كيف تعيش مجتمعاتنا طاهرة نقية:{وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (18) سورة النــور.
وإن الدافع لإشاعة الفاحشة هو فساد القلب والعمل، فالفاسد يظن في الناس كلهم الفساد مثله، والمستهتر بالمعاصي يظن الناس جميعاً مستهترين بها مثله، وأما الصالح التقي فهو حسن الظن بالناس، يظن في الناس الصلاح مثله، قال تعالى:{لَولَا إِذ سَمِعتُمُوهُ ظَنَّ المُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بِأَنفُسِهِم خَيراً وَقَالُوا هَذَا إِفكٌ مٌّبِينٌ} (12) سورة النــور.
وليحذر المسلم أن تكون إشاعته تلك هي المذكورة في الحديث الذي في الصحيحين:( إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب)، فاحفظ لسانك أخي المسلم، واخزنه عليك، فأنت محاسب على كل لفظ وقول:{مَا يَلفِظُ مِن قَولٍ, إِلَّا لَدَيهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (18) سورة ق.
والله المسئول أن يطهِّر قلوبنا وأخلاقنا وألسنتنا. آمين!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد