وصاحبني الكلب


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المبدأ المركزي في إدارة الوقت هو:

لتقضِ وقتك في القيام بتلك الأشياء التي ترى أنها ذات قيمة والتي تساعدك على تحقيق أهدافك.

خلصنا في نهاية المقال إلى أن أنشطة حياتك تنقسم إلى أربعة أقسام:

1ـ هامة عاجلة.

2ـ هامة غير عاجلة.

3ـ غير هامة غير عاجلة.

4ـ غير هامة عاجلة.

والصحيح أن يكون وقتك مقضيًا في الأنشطة الهامة سواءً كانت عاجلة أو غير عاجلة، والهدف أن لا تقضي أوقاتًا في أنشطة غير هامة سواء أكانت عاجلة أم لا، والمرغوب والمستحب أن يكون أغلب وقتك في الأنشطة الهامة غير العاجلة، فهذا يتيح لك أن تعمل بإتقان أكثر وتركيز أكبر وتحت ضغط عصبي أقل.

 

هام ليس بعاجل في خطوتين:

ولعل الإخوة الكرام قد تساءلوا هذا السؤال:

كيف نستطيع أن نجعل أغلب أوقاتنا في الأنشطة الهامة غير العاجلة؟

مع العلم بأن علينا ضغوطات كبيرة في العمل ومسؤوليات كبيرة تجاه الأسرة، ما يجعلنا دائمًا تحت ضغط الأعمال الهامة العاجلة وندور في معترك الحياة بلا زاد ولا ارتقاء ولا خلاص من هذا الضغط الدائم.

إن كل من يعاني من هذه المشكلة بحاجة إلى خطوتين:

الخطوة الأولى: ارفض في المحل الأول إلزام نفسك بأنشطة غير هامة، تخلص من كل الأعمال الأساسية غير الهامة التي أخذتها على نفسك من فورك، وإن لم تستطع أن تتخلص منها كلها فمن الآن وصاعدًا لا توافق على أية أنشطة غير هامة.

الخطوة الثانية: استغل الوقت الناتج من تحجيم الأنشطة غير الهامة في الارتباط بالأنشطة الهامة غير العاجلة، حاول ألا تشغل هذا الوقت بالأعمال العاجلة.

وبتطبيق هاتين الخطوتين على مدار أشهر قليلة سيكون في وسعك إن شاء الله أن تضمن أن معظم وقتك سيكون في الأنشطة الهامة غير العاجلة.

أما الآن فقد حان الأوان لنتحدث عن المهارة الثانية للياقة الذهنية.

ولعل الإخوة تتعجب وتتساءل عن العلاقة بين عنوان المقال والمهارة الثانية للياقة الذهنية، ولكننا نأبى إلا أن نجعلها مفاجأة لكم تعرفونها في نهاية المقال إن شاء الله.

المهم الآن ما هذه المهارة؟ وحتى نجيبك على هذا السؤال فلا بد من مدخل ضروري لهذه الإجابة.

 

مدخــل:

هل منا أحد ليس عنده مشاكل في حياته؟

هل منا أحد لم يتعرض للبلاء في سنواته؟

أليس كل واحد فينا له أمنية يريد الوصول إليها ولا يستطيع؟

أليس كل واحد فينا قد يتعرض لشر يريد دفعه وليس في قدرته ذلك؟

إنها إرادة الخالق أن تكون الدنيا دار بلاء وفتن ومحن، وكأن المشاكل قد وضعت لنلجأ إليه - سبحانه -، وكأن الابتلاءات قد قدرت لننكسر لعظمته، وكأن الفتن قد نصبت ليعرف الصادق مع الله من الكاذب وليظهر المؤمنون وتقام الحجة على المنافقين والكاذبين.

فكلنا أصحاب مشاكل، فهذا يعاني من ذنب لا يستطيع تركه وهذا يعاني من عدم القدرة على فعل الطاعات، وهذا يعاني من مرض نفسي، وهذا يعاني من أبنائه وآخر يعاني من أقاربه وجيرانه، وآخر معرض لمصيبة في ماله وآخرون في المستشفيات والمصحات يعانون الأمراض والملمات، وهذا يعاني من قلق دائم وعدم القدرة على التركيز، وآخر مصاب بالحزن والاكتئاب...

 

خطأ فادح:

ولعل من الأخطاء التي كثيرًا ما نقع فيها أننا نهرب من المشكلة ونتظاهر بأنها لا تصاحبنا على الدوام، بل ونغلق أعيننا عنها آملين أن تبتعد عنا وتتركنا في حالنا من تلقاء نفسها، غير أن المشكلة من النادر أن تدعنا وشأننا في هدوء، إنها تحتاج في العادة إلى معالجة، فإذا ما تظاهرنا بأنه لا وجود للمشاكل، وإذا ما تجاهلنا تواجدها فإنها سوف تنمو وتكبر وتتمدد في ظل نعيم ظلام إهمالنا، وكلما طال الإهمال والتجاهل كلما زاد تضخمها وتغلغلها، وكلما كان التعرف على المشكلة أكبر وأوسع كلما بات الأمر والوضع أفضل وأحسن.

 

هناك حقيقة مشجعة تقول: إن معظم المشكلات عندما نراها بوضوح يصغر حجمها الذي كان في مخيلتنا قبل ذلك، ويصغر حجم المشاكل أكثر وأكثر عندما نقوم بمواجهتها.

 

تخزين المتاعب:

لتعلم أخي القارئ أنك مع هروبك من المشاكل وعدم مواجهتك لها أنت بذلك تخزن المتاعب للمستقبل، وهذا لثلاثة أسباب:

1ـ يمكن لتجنب المشكلة أن يجعلها في وضع أسوأ:

فكلما طال التجنب كلما بدت المشاكل أصعب في القدرة على التغلب عليها وتجاوزها، وكلما زاد الشعور بالاكتئاب وسرعة الغضب والانفعال.

 

2ـ يخلق التجنب مشاكل جديدة:

كفقدان الثقة بالنفس بالتدريج أو تردي قوة وحسن علاقتك مع الناس.

 

3ـ التجنب يتدخل في حياتك:

إن المشاكل التي تهرب منها لن تهرب هي منك، بل ستلاحقك لكي تساهم بنصيبها في إفساد حياتك.

 

مواجهة المصاعب الحل الأصعب والأسهل:

إنه الأصعب على النفس أن تعترف بوجود المشكلة بدلاً من إنكار وجودها، وأن تعترف بالحقائق على ما هي عليه دون ليِّها أو تشويهها، لكنه الأسهل في الحل والأنفع لحياتك أن تواجه المشكلة بصدق وتحاول علاجها.

إن الذي يدفعنا إلى تجنب المشاكل هو أن هناك رسالة غير مكتوبة نبعث بها إلى أنفسنا عند حدوث المشكلة: إن هذا الأمر مؤلم ومفزع وأفضل شيء تجنبه.

 

وهذا التجنب بالتالي يمنعك من رؤية المشكلة في أبعادها الحقيقية ومعرفة ما إذا كانت مخاوفك حقيقية أم لا، ما يؤدي إلى منعك من إيجاد حل للمشكلة، طالما أنك لا تجد الوقت ابدًا للتوقف والتفكير، ولا أن تأخذ الحكمة من الآخرين أو الالتجاء إليهم لمساعدتهم ولا حتى أن تدعو الله أن يكشف عنك هذا الكرب.

 

اصطياد المشاكل مبكرًا:

كلما كان تحديد المشكلة أسرع كلما بات من المحتمل أن يكون بمقدورك معالجتها بصورة أسرع وأكثر فعالية، وأحيانًا تكون المشاكل واضحة وأحيانًا تكون غير ذلك، ولذا فإليك ثلاثة طرق للتعرف على مشاكلك وردها مبكرًا.

1ـ استشر مشاعرك:

قد يظهر تجنبك نفسه بصورة خفية ماكرة، فإذا ما كان سبب عدم إقدامك على أداء فعل ما هو أنه يسبب لك القلق والإزعاج، فهذا يشير إلى وجود مشكلة، لذا فعلينا أن نولي المشاعر القلقة الاهتمام وأن نستخدمها لكي تدفعنا إلى أن ننظر مليًا إلى ما يحدث ويجري وأن نوضح بدقة ما هي هذه المصاعب.

 

2ـ لاحظ سلوكك:

إذا ما وجدت نفسك متورطًا أو ساعيًا بين اتجاهين متقابلين عليك عندئذ التفكير ما إذا كنت تتجنب شيئًا.

 

3ـ نسق أفكارك:

هل تتوقع الأسوأ، أو تتنبأ بحدوث كارثة؟ هل تعتقد أن ثمة شيئًا ما سيمضي في الطريق الخطأ أو أنك لن تكون قادرًا على التعامل معه بطريقة ما؟ مثل هذه الأفكار يشير إلى وجود مشكلة.

 

عندها يصاحبك الكلب:

يحكي كوتراد لورنز حكاية عن كلب لجاره، كان الكلب دائم النباح بصورة عدائية بينما هو في مكمنه الآمن خلف السور، وبدا أنه حيوان مفزع وخطر، إلى أن أزيل جزء من السور ذات يوم لغرض الإصلاح، ومع مرور لورنز مع كلبه على طول الممر بجوار السور قام الكلب كالعادة بالنباح بصورة عدوانية من الناحية الآمنة في الطرف الآخر، إلا أن لورنز جاء بعد ذلك هو وكلبه إلى المكان الذي أزيل منه السور، ووجد كلب الجيران وهو يهز ذيله في سرور وكأنه يرحب بلورنز وكلبه الذي معه. الآن لا حاجز بينهم، الآن ذابت عدوانية الكلب.

إن تجنبنا أو تفادينا التصدي للمشاكل مثل هذا السور، فمن الأمان الذي يحقق لنا إهمالنا أو تجنبنا، يمكن للمشاكل أن تنبح في وجوهنا بكل قوتها، ولكن إن عمدنا إلى هدم السور أو الحاجز والالتقاء معها وجهًا لوجه فإن شراستها سوف تذوب بالتدريج.

وأخيرًا فيا أخي القارئ قم من اليوم بمواجهة مشاكلك بشجاعة ووضوح وبادر إلى حلها وعلاجها، واستعن بالله ولا تعجز، وحين تهرب منك مشاكلك لأنك واجهتها بسهولة ويُسر تذكر هذا المقال وابتسم وقل \'صاحبني الكلب\'.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply