بسم الله الرحمن الرحيم
تعجبت كثيراً كيف أن اليابان كانت تبيع منتجاتها من الصلب في الأسواق الأمريكية (على بعد آلاف الأميال) بأسعار أقل من أسعار الصلب الأمريكي حتى في ولاية بنسلفانيا قلعة صناعة الصلب في أمريكا على الرغم من أن اليابان ليس لديها خام الحديد أو الفحم أو مصادر الطاقة اللازمة لتلك الصناعة الاستراتيجية، في حين أنها جميعا متوافرة داخل الولايات المتحدة. وتعجبت كذلك من أن الاتحاد السوفييتي الذي حكم أراضي شاسعة وملك ثروات هائلة من الموارد الطبيعية والبشرية وترسانات أسلحة عاتية تفكك بدون حرب داخلية أو خارجية، في نفس الوقت الذي توحدت فيه ألمانيا الغربية مع ألمانيا الشرقية بدون حرب (أيضاً). وتساءلت كيف تمكنت السيدة مارجريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا السابقة من أن تكسب لبلادها حرب الفوكلاند في أمريكا اللاتينية على بعد آلاف الأميال من بريطانيا.
ومازلت أتعجب كما يتعجب غيرى كيف تمكنت حفنة من أعضاء الحركة الصهيونية العالمية أن تحتل فلسطين وتهزم العرب ذوي الثلاثمائة مليون والاثنين وعشرين دولة الذين يملكون أدوات القوة كلها من الثروات الطبيعية وعشرات الآف من الطائرات والدبابات والمدرعات والمصفحات والصواريخ، والملايين من الجنود والمليارات من ميزانيات التسليح، وفي وقت يبلغ عدد المستوطنيين اليهود الذين احتلوا فلسطين ربع أو خمس من عدد سكان القاهرة.
لقد تأملت طويلاً في هذه المفارقات وقرأت كثيراً حولها وحول أمثالها داخل وخارج ديار الإسلام، وتبين لي أن تحقيق تلك الأهداف قد بدأ برؤية طرحت في محيطها ونضجت لتتحول إلى إرادة قوية نبتت عنها استراتيجيات وآليات وأداء يصب في اتجاه الهدف. والأهم من ذلك أن هذا المنهج ما كان ليؤتي ثماره لولا حسن الإدارة، أي أن حسن الإدارة أدى إلى قوة الإرادة وإلى اختيار الاستراتيجيات والآليات التي تحقق حسن الأداء، وقد وجدت أن ذلك من السنن والنواميس الكونية التي لا تتأثر بالعقائد ولا بالمشاعر ولا بالنظام السياسي.
فإذا ما طرحنا هذه العلاقة البسيطة بين السبب والأثر cause and effect)) أو بين الفعل ونتيجته على الواقع الإسلامي لوجدنا أن المسلمين (وهم ربع تعدداد سكان العالم) لا تنقصهم الرغبة في النهضة أو التحمس لها ولا ينقصهم المال ولا العنصر البشري ولا النظرية الثقافية ولا السلاح ولا البحار ولا الأنهار، ومع ذلك فإن إرادتهم ضعيفة وأداءهم وأثرهم في شؤون العالم أقل بكثير مما تستوجبه رسالتهم أو حتى يتناسب مع إمكاناتهم.
وفي ضوء ذلك يتبين أن الرغبة مهما اشتدت فإنها تختلف عن الإرادة الفعالة، فكيف يمكن أن تتحول الرغبة إلى إرادة فعالة؟ الإجابة في رأي الكاتب هي عن طريق حسن الإدارة الذي يحول الرغبة إلى إرادة تنبثق عنها إستراتيجيات وآليات وأداء يصب نحو الهدف.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد