بسم الله الرحمن الرحيم
الصفات المؤهلة [2]
عزيزي القارئ تحدثنا في المقال السابق عن الصفات المؤهلة لتكون ممتازًا في عملية الاتصال مع الآخرين وتوقفنا عند الصفة الثالثة وها هنا نحن نكمل هذه الصفات بهدف توصيلك إلى أحسن صورة وأنجح طريقة في الاتصال مع الآخرين.
الصفة الرابعة: التواضع:
قال - تعالى -في كتابه الكريم: {تِلكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرضِ وَلا فَسَاداً وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ} [القصص: 83].
وقال - صلى الله عليه وسلم -: \'وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله\'.
التواضع أساس هام جدًا في اتصالك مع الآخرين فالشخص المتكبر مهما تعلم من فنون الاتصال والتعامل مع الآخرين لن يصل إلى اتصال ناجح حقيقي، وذلك لأن تكبره سيظل حاجزًا منيعًا بينه وبين الناس.
إن الكبر بمثابة الجدار العازل يعزل صاحبه عن الاتصال بالعالم الخارجي فهو يمنعك من الاتصال بالله قال - تعالى -في الحديث القدسي: \'الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدًا منهما ألقيته في النار ولا أبالي\'.
ويمنعك من الاتصال بالجنة ودخولها: \'لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر\'.
ولك أن تتأمل يا أخي رجل فقد الاتصال بالله وبالجنة وبالناس ماذا ستكون قيمته ووزنه في هذه الحياة الدنيا؟
لا شيء.
ومرة أخرى نجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - يضرب لنا المثل في التواضع فقد روي الإمام البخاري عن أنس - رضي الله عنه - قال: \'إن كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتنطلق به حيث شاءت\' فكن متواضعًا إلفًا محببًا سهلاً مع الناس.
الصفة الخامسة: الحلم والأناة والرفق:
تحتاج إلى هذه الصفات كثيرًا في اتصالك مع الناس فإنه من المعلوم بالضرورة أن الكمال لله وحده - عز وجل - وأن النقص من طبيعة البشر لذا ينبغي أن نتوقع الخطأ والزلل من الآخرين، فعليك أن تكون حكيمًا مع الناس كاظمًا لغيظك رفيقًا بهم مقدرًا طبيعة النقص في تكوينهم، وإن لم تفعل ذلك وسرت وراء غضبك فقد تنصرم أواصر الأخوة والمحبة ويدب الشقاق والنزاع والخلاف، قال - تعالى -: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفشَلُوا وَتَذهَبَ رِيحُكُم} [الأنفال: 46].
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مخاطبا أشج عبد القيس: \'إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة\'.
ولم لا تتصف بالرفق وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: \'إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما يعطي على ما سواه\' وقال أيضًا - صلى الله عليه وسلم -: \'إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه\'.
الصفة السادسة: قبول الآخرين على ما هم عليه الآن:
تقبل الآخرين بكل ما هم فيه الآن بسلوكهم وصفاتهم وأخلاقهم وأفكارهم ومشاعرهم، تقبل ذلك لأن هذا هو الواقع ونحن لا نعني بالتقبل أنك توافق على كل أفكارهم أو اعتقاداتهم أو مشاعرهم، فإنك ستجد في العالم حولك أصناف شتى من الناس ستجد المسلم والكافر والمؤمن والفاسق، والأمين والخائن، والصديق والعدو، والعصامي والعظامي، والصادق والكاذب، والمتواضع والمتكبر إلى غير ذلك من المتناقضات، وإنما أقصد تقبل كل هؤلاء لتقيم علاقات معهم وتتصل بهم، وتتعامل معهم بأسلوب صحيح فهذا تستفيد منه، وهذا تصلحه وهذا تحجم عن شره وهذا تغيره.
والمتتبع للسنة يجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقيم علاقات واتصالات مع كل الناس بجميع أصنافهم، فتجده في موقف جالس مع كفار قريش يناقشهم ويدعوهم إلى الإسلام، وفي موقف آخر مع أصحابه يعلمهم دينهم، وفي موقف ثالث يزور جاره اليهودي المريض، وفي موقف رابع مدعو إلى طعام من رجل يهودي، وفي موقف خامس مع أزواجه يداعبهم، وفي موقف سادس مع الجارية منطلقة معه حيث شاءت.
بعض الناس وبكل أسف لا يتصل إلا مع من يوافقونه ويعزل نفسه عن مجتمعه وعن العالم الذي يعيش فيه، وبعضهم يردد كثيرًا أن أغلب الناس لا يعجبونه، وأنهم بحاجة إلى التغير حتى يتصل بهم.
وهذا فهم خاطئ، لا تنتظر التغيير من أحد بل غير أنت من نفسك، أنت لديك القدرة على التعامل والاتصال مع جميع البشر ومع كل البشر ولكن إذا غيرت من نفسك وصلت لهذا المستوى العالي من الاتصال اللامحدود وتذكر دائمًا أن التغيير يأتي من الداخل لا من الخارج وأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
هناك مثل صيني يضرب لهؤلاء:
\'أن هناك شاب في العشرين من عمره قرر أن يغير العالم كله خلال عشرين سنة، وبعد عشرين سنة وحينما صار في الأربعين من عمره وجد صعوبة شديدة في ذلك، وأنه لم يستطع أن يغير العالم فقرر أن يغير بلده خلال عشرين عامًا، بعد عشرين عامًا وحينما صار في الستين من عمره وجد أنه لم يصنع شيئًا، فقرر أن يغير من مدينته خلال عشرين عامًا، وبعد عشرين عامًا وحينما صار في الثمانين من عمره، قرر أن يغير من أسرته وبعد عشرين عامًا وحينما صار في المائة من عمره، ووجد أنه لم يغير شيئًا اكتشف أخيرًا الحقيقة المرة.
\'أن التغيير يبدأ من الذات\'.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد