مع \ فوبيا \ الخوف من الإسلام


 
 
 

بسم الله الرحمن الرحيم

هل نحن بحاجة إلى تأسيس علم لإدارة الدعوة الإسلامية؟

 
 
مع هيمنة \"الإسلاموفوبيا\" أي مرض الخوف من الإسلام\" على العقل الغربي، واتهام الإسلام زوراً بما ليس فيه، ومع وصول المرض والمرضى إلى مرحلة الهذيان... ومع تزايد الهجمة وتضييق الحصار، الذي انتقل في بعض المناطق من عالمنا الإسلامي إلى مرحلة \"التفكيك\" و\"التذويب\".. بعد أن ظن الغرب أنه انتهى من مرحلة \"التطويق\" و\"الحصار\".

مع هذا كله.. هل بات مطروحاً بشدة، أننا بحاجة ماسة إلى علم جديد لإدارة الدعوة الإسلامية.. داخلياً وخارجياً؟! علم يعيد ترتيب الأوراق، ويحسن توزيع الأدوار.. ويبدع في استغلال الطاقات وتفعيل المواهب في معركة البقاء التي نحياها؟! هذا ما تجيب عليه هذه السطور.

بداية يرى الدكتور درويش مرعي أستاذ الإدارة بجامعة الأزهر، أن الإدارة لا تعمل في فراغ.. ولكنها تعمل في بيئة تزخر بالموارد الطبيعية.. مادية وبشرية.. والأخيرة هي التي تحرك الأولى.. فمن أراد التجارة.. كما يقول الإمام النووي: \"لزمه أن يتعلم أحكامها، فيتعلم شروطها، وصحيح العقود من فاسدها، وسائر أحكامها\".

وعلى حد قول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: \"لا يبع في سوقنا إلا من يفقه، وإلا أكل الربا شاء أم أبى\"!.

ومن ثم فلابد أن يعلم التاجر كافة العقود التي يعرض لها أو تعرض له، صحيحها وباطلها، وأن يدرك أن المكاسب لا تنفك عنها ولا يشفع له في ذلك حسن نيته، أو قوة عقيدته.. فسوق الدنيا لا ينفصل بحال عن سوق الآخرة.. يؤكد ذلك قول ربنا - عز وجل -: رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار (37) (النور).

 

الفكرة والجدوى:

ولقد تفرع علم الإدارة في عصرنا إلى أكثر من عشرين علماً... من قانون إدارة إلى إدارة مؤسسات إلى إدارة أفراد وعلوم سلوكية إلى إدارة أزمات... إلخ... وأنا أعجب كيف لم نقدم إلى اليوم علماً لإدارة الدعوة الإسلامية.. خاصة خارج ديار الإسلام.. وهو علم واجب أشد الوجوب... يستفيد من علوم الإعلام والإعلان والاقتصاد وإدارة الأعمال وعلوم الإسلام بحيث نضمن له الأصالة والتفرد والمرونة والتطور الملائمين لروح العصر والمصر، في ابتكار وإبداع لنظم إدارية فاعلة..

وعلمياً... يجب أن نعلم أن عقل الإنسان له تخصصات كما أثبت ذلك العلم الحديث فهو منقسم إلى قسمين:

الأول: يبدع الفكرة وكيف تطبق.

الثاني: يحسب التكلفة وجدواها.

وتبين لنا حساسية هذه المعادلة الربانية.. حين نعرف أن الولايات المتحدة اليوم.. تدرك سر تخلفها عن اليابان مثلاً.. إذ علمت أنها دفعت بالعقل بالمحاسبي إلى أقصى مداه، بينما تخلف عنها عقلها المبدع إلى حد كبير.. على عكس اليابان..

فلا بد أن يتوازن العقل الحاسب مع العقل المبتكر، والإدارة الناجحة، ليست هي المعنية بالتنظيم الهرمي أو توزيع الأدوار فحسب، بل تلك المعنية بالأساس بالتأهيل اللازم لتنفيذ وأداء الواجبات دون إهدار للوقت أو الجهد أو الثروة... ومع ما نرى من هجمات صليبية وصهيونية وهندوسية ووثنية على الإسلام اليوم في القلب والأطراف... ومع حالة الذهول والحيرة التي تسيطر على كثير من العاملين للإسلام.. فترتفع ببعضهم إلى حد التهور والهوس، وتنحط ببعضهم إلى حالة الإحباط واليأس علينا أن ندرك أن إشارة البدء قد أطلقت منذ خمسة عقود من الزمان.. ولكننا للأسف نتحرك كثيراً بعد قوات الأوان.. فجهازنا العصبي الدعوي لا يتحرك إلا بفعل مؤثرات خارجية قد تصل أحياناً إلى حد شلّه وتدميره بالكامل..

وكان كافياً جداً لبزوغ علم \"إدارة الدعوة\" أن تكون شرارة البدء في تأسيسه وتنفيذه \"بروتوكولات حكماء صهيون\" ومؤتمر \"بازل\" بسويسرا عام 1897م. !

ولكني أعود فأقول: إننا لسنا بحاجة إلى هياكل إدارية جديدة، إنما المطلوب على وجه السرعة والدقة:

1 استشعار الخطر الداهم.

2 صدق النية في التوكل على الله.

2 حصر المتاح من الإمكانات والإمكانيات المادية والبشرية.

3 الترفع عن الأنانية والشخصانية والانفرادية بالعمل.

4 انتقاء ذوي الكفاءات الخاصة كطليعة لتدريبهم الراقي على المهارات الإدارية والدعوية وبثهم في ربوع العالم.. خاصة في المناطق الحيوية والعواصم الفاعلة.

5 الجمع بين تأسيس علم إدارة للدعوة الإسلامية أكاديمياً من خلال رابطة الجامعات الإسلامية وميدانياً من خلال بث الروح في هياكلنا الإدارية العالمية المتعددة التي لم يتبق من معظمها سوى اللافتة والعنوان.

 

من يرفع القواعد من البيت

بينما يرى الدكتور عبد الحي الفرماوي الأستاذ بجامعة الأزهر أن الدعوة المعاصرة لم يعد كافياً فيها خطبة الجمعة، ولا الدروس المسجدية، ولا المؤتمرات والندوات والكتب والنشرات... إنما دخلتها كل تقنيات العصر من شريط الكاسيت والقرص المدمج والوسائط المتعددة وشريط السينما والفيديو وعالم الإنترنت الفسيح الرحب... ولكن تظل الحلقة المفصلية في ملء هذه الفراغات واستغلال هذه الوسائل... وهذا يحتاج إلى فرق عمل على أعلى قدر من المهارة والتمكن والصبر والثبات... وهذا بدوره لا يمكن أن يتم من خلال جهود طوعية أو أعمال فردية أو أهلية، ولا يمكن كذلك أن يتم من خلال أعمال قطرية ضيقة النظرة، تنظر إلى وطنيتها الضيقة أكثر من النظر لإسلامها العالمي الخالد.

لذلك فإن علم إدارة الدعوة كأي علم تطبيقي... لابد أن تتوافر له \"ورش العمل\" وميادين التدريب وهي متاحة ومفتوحة على مصراعيها.. وقد أخذت تجمعات إسلامية كثيرة في المشارق والمغارب في أعمال دعوية غاية في الإخلاص والذكاء والعطاء.. ولكنها تظل كقطرات المطر التي لا تصنع نهراً إلا إذا تجمعت وتلاقت.. وليس بالضرورة أن يكون التجمع تحت لافتة واحدة.. إذ إن هذا من شأنه أن ينبه الغافل ويثير الخامل ضدنا... ولكن يجب أن يكون هذا التنوع في إطار الوحدة.. وهناك جهود تأسيسية طيبة، وفي مقدمتها المرجع المهم \"دليل التدريب القيادي\" للداعية العراقي الدكتور هشام الطالب الذي قدمه المعهد العالمي للفكر الإسلامي وهو الكتاب رقم (1) في سلسلة التنمية البشرية، وهناك أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة للقرضاوي، ومستقبل الإسلام خارج أرضه وكيف نفكر فيه للغزالي، ومعظم مؤلفات د. محمد عمارة.. وغيرهم من أساتذة الإدارة والقانون الإداري والدعوة والشريعة والعمل الطوعي... ومع شدة أهمية تأسيس علم \"إدارة الدعوة\".. فأنا على يقين أن هذه الهجمة الشرسة سوف تؤتي ثمارها الطيبة لصالح الإسلام والمسلمين الذين تحولت صحوتهم المعاصرة إلى \"إصحاء\".

لذلك علينا الإسراع مخلصين خالصين في رفع القواعد من البيت في معاهد العلم والتعليم، وميادين التنفيذ والتطبيق.

هيئة حكماء المسلمين

ونظراً إلى حاجة علم إدارة الدعوة عالمياً إلى جذور تاريخية وجسور حضارية، فإن د. محمد أبو ليلة أستاذ ورئيس قسم الدراسات الإسلامية باللغة الإنجليزية بجامعة الأزهر، يرى أن وضع إستراتيجية مئوية للدعوة الإسلامية أمر بات ملحاً، من خلال نظريات محكمة وخطط موضوعية دقيقة، وقيادات مخلصة فذة، تملك كفاءة الإعداد ومهارة التنفيذ، وقد تم طرح هذه الفكرة من قبل في صورة مشروع أو هيئة \"لحكماء المسلمين\" من رجالات الأمة المؤهلين علمياً وميدانياً، تملك القدرة على التصور والاستيعاب ولديها مواهبها في الإصلاح والبناء، لوضع هندسة دعوية لمشروع مستقبلي يطرح الأصول والبدائل للسير الدعوي الراشد، مهما كانت عراقيل الأعداء والأدعياء.

ولتأسيس \"إدارة دعوية\" فاعلة علمياً وعملياً... محلياً وعالمياً، لابد من:

1 إنشاء وقفيات إسلامية تسهم فيها الحكومات والشعوب، لتمويل هذا العمل الإستراتيجي ذاتياً.

2 وصل الأعصاب الدعوية للأمة فيما يخص مؤسسات التعليم، والمرأة، والجمعيات والمراكز الإسلامية، والمؤسسات الخيرية والاجتماعية.

ويمكننا عمل هذا \"التجميع\" وإنجازه، عن طريق الإنترنت، من خلال فرق عمل من العلماء المحسنين... مثلما يصنع مثلاً الأخ الداعية الشاب عمرو خالد في \"صناع الحياة\" والالتقاء مع القضايا الكبرى المجمعة.. فإن الطريق الواحدة تجمع السائرين.

3 استخلاص التجارب الإدارية المنهجية... إستراتيجيا ومرحلياً.. خاصة إدارة الأزمات وتنزيلها في ميدان الدعوة الإسلامية التي تملك رصيداً ضخماً جداً، تاريخياً ومادياً وبشرياً.

 

زمام الاستباق

وأخيراً، يرى المفكر الإسلامي د. أحمد عبد الرحمن، أن سوق الدعوة الإسلامية تعاني فوضى، وخلطاً، وارتجالية، تضر أكثر مما تنفع، وتبدد أكثر مما تسدد. ولقد رصدت الحاجة الماسة إلى هذا العلم إدارة الدعوة في رصدي لفوبيا الخوف من الإسلام في كتاب من جزئين هو \"الإسلاموفوبيا\".

ولا أظن أنني بحاجة إلى أن أؤكد أن كل العلوم تتطور، منهجياً وتقنياً.. ولعل أعظم التطورات العلمية والتقنية قد ظهرت وتجسدت في أدوات الحرب... والإسلام يأمر المسلمين بإعداد القوة قدر الطاقة: \"وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة \" (الأنفال: 60)، وهذا الإعداد يتطلب تطوير أدوات الواجب الدعوي، تطويراً متواصلاً، وتطوير كل العلوم التي تعين على أدائه لرسالته... وفي مقدمتها علوم الإدارة والتخطيط، واقتصاديات الوقت.. فنحن في عصر \"الفيمتوثانية\" وليس في عصر \"الفدان\".. وليت أساتذة الإدارة والتنظيم، والمنظمات والقانون الإداري والاقتصاد، والدعوة، والإعلام، والاجتماع، والسياسة، يتكاتفون لتأصيل علم جديد لإدارة الدعوة الإسلامية، يأخذ في اعتباره أبعاد الزمان والإنسان والمكان، ويتخلل إلى الجامع والجامعة والمدرسة والمؤسسة، والفرد والجماعة والجمعية يتم فيه:

تحديد الأهداف \"مرحلية دائمة\".

التخطيط الشبكي للأفراد والمؤسسات.

ضبط النظم الرقابية والمحاسبية.

دراسة \"الأنا والآخر\" بامتياز..كدارسة \"المحاسن والأضداد\".

أخذ زمام الاستباق الدعوي.. ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون (المائدة:23).

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply