بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
هل تذكر تلك اللحظات؟ حين كان كلَّ ما تتمناه أن تجد شخصاً يستمع إليك؟.. ينصت لشكواك، أو حجتك في موقف ما؟ وربما حاولت أن تجد أي مستمع ولم تفلح؟!.
ينشغل كثير من الناس هذه الأيام بحثاً عن مهارات لكسب الآخرين والتأثير عليهم، ويتعلمون في سبيل ذلك تقنيات معقدة، ولكن، كثيراً ما تفوتهم واحدة من أكثر المهارات أهمية وسهولة، يمكن للجميع ممارستها في أي زمان أو مكان إنها مهارة الإنصات الجيد!
إننا - للأسف - نعيش في عالم أناني يهتم كل فرد فيه بما يخصه دون أن يلتفت إلى حاجات من حوله، أو يتعاطف معهم! إن أفضل ما تهديه إلى صديق متألم، أو أخ قَلِقٍ,: أن تستمع إليه بتعاطف وتفهم وصبر.
لقد كانت هذه المهارة المميزة من مزايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ روي في الأثر: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يأخذ أحدٌ بيده الشريفة، فينزع يدَه حتى يكون الرجلُ هو الذي يرسلُه، ولم تكن تُرى ركبتُه خارجة عن ركبة جليسه، ولم يكن أحد يكلمه إلا أقبل عليه بوجهه، ثم لم يصرفه عنه حتى يفرغ من كلامه). بأبي أنت وأمي يا رسول الله!
يقرر العرب أن الإنصات أعلى درجةً من الاستماع ذلك أن الإنصات يعني الاستماع بصمت، أي: بصرف كل الحواس وتفريغها للاستماع إلى المتحدث. وعلى كلٍ, سنستخدم كلا المصطلحين - في هذا المقال - لنفس الغرض.
الاستماع الجيد هو بداية التواصل الفعّال الناجح مع الآخرين، والمدهش أن الذين يتقنون هذه المهارة قلائلُ جداً، وعندما تتقن هذه المهارة ستجد من حب الناس لك، واستمتاعهم بالجلوس معك ما يمنحك ثقةً كبيرة بنفسك.
فما رأيك أن نتشارك معاً في الأفكار التالية، من أجل تنمية مهارة الإنصات البارع؟!
أولاً: الإنصات الجيد وهو الاستماع، مع القدرة على قراءة ما خلف الكلمات، وفهمِ موقفِ المتحدث، ولغةِ الجسمِ التي يُبديها، وتَقَمٌّصِ اللهجةِ العاطفية التي ترسمها كلماتُه. أي كما يصفه البعض: أن تضع نفسك في "حذائه"! وترى العالم بعينيه! بعيداً عن قيمك ورؤيتك أنت، ودون إطلاق أحكام عليه.
تخيل أن شخصاً ذكر أمامك وفاة أمه.. وتحدث عنها، وعن فضائلها، وفاضت عيناه من الحزن في بكاء حار.. المستمع العادي يُقدِّر الحزنَ الذي يعيشه هذا الشخص، أما المستمع البارع فيفهم الحزن البالغ الذي يعيشه المتحدثُ، ويقدر مدى الحب الذي يكنه المتحدث لأمه وكم يفتقدها. لعل هذا المثال يوضح الفرق بين الاستماع إلى الكلمات ظاهرياً، والاستماع لما تحمله من معانٍ, عاطفية.
ثانياً: استمع إلى ما يقوله محدِّثُك، بدل مجرد السماع إليه، هناك عدد من الأشياء التي يمكن أن تستمع إليها، مثل قيم المتحدث، ومشاعره.. أقبل عليه ببصرك، وسمعك، وكامل جسدك.
- حدد ما الذي كان المتحدث يتحدث عنه؟ هل هو حقائقُ؟ أم انطباعات؟ أم مشاعر شخصية؟ ابذُل اهتماماً أكبر لأولئك الذين يُظهِرُون مشاعرَهم وأحاسيسهم في حديثهم إليك.
ثالثاً: لا تقاطع الآخرين، أو تكمل كلامهم! إن الناس يشعرون بالضيق ممن لا يستمع إلى حديثهم.
رابعاً: تفاعل مع مشاعر المتحدث قبل تطمينه بالحقائق وهذا كثيراً ما يحدث مع الأباء الذين يتسرعون الاستجابة لمخاوف ابنهم حين يقول مثلاً: "هناك شيء مخيف تحت السرير! "، حيث يقولون: "لا تخف!! ليس هناك ما يخيف، أنت في أمان!". بينما قليل منهم من يبدي تعاطفاً مع مشاعره: "لا بد أنك قضيت ليلة مرعبة! ".
خامساً: الاستماع بصمت قد يكون هو كل ما يحتاجه المتحدث إليك. أشعره أنك تتفهم مشاعره، بلغة الجسم، وأنت صامت، مثل: تعابير الوجه، والإيماء بالرأس. لا تقل: إنني أتفهم مشاعرك.. قاوم رغبتك في المشاركة بالحديث، والكلام لمجرد الكلام، قال أحدهم:
"يمكنك أن تبيع الثلج إلى سكان (الإسكيمو) إذا أصخت إليهم بسمعك، وفهمت ما يريدون أن يقولوه! "
سادساً: ادعم استماعك بأصوات قليلة، مثل التأوه، أو تلك التي تدل على الاستغراب. هذا يضفي على استماعك نكهةً خاصة.
سابعاً: ركز على ما يقوله المتحدث، بدل أن تُزَوِّرَ الإجابة عما قاله. ركز على المتحدث نفسه، تماماً كما ينصح مدربو لعبة كرة "التنس": (ركز على الكرة)! في الواقع هذا سيضفي على مهارة الاستماع عندك صفة العفوية المحببة.
ثامناً: استمع ضعف ما تتحدث به. تذكر المقولة القديمة: "إننا نمتلك لساناً وأذنين! " لذا أعط الفرصة لمن يجالسك للحديث. تذكر أن كل شخص لديه ما يستحق أن تستمع إليه، وما قد يثري عقلك وتفكيرك.
تاسعاً: استثر جليسك لكي يتحدث عن نفسه، وما يهمه. وجه له أسئلة مفتوحة: "كيف يمكن أن نفعل ذلك؟ "، "ما رأيك بـ.. ؟ "، "ما تقول في هذه المسألة؟ "
يحب الناس من يقدر مشاعرهم "ماذا لو.. ؟ "، "بم تنصح لفعل ذلك.. ؟"
يحب الناس أن يُطلب منهم النصيحة "ما الطريقة التي تفضلها أنت لفعل.. ؟" لاحظ لهجة الاحترام والتقدير.
واحذر أن تلقي أسئلة تضعهم في موقف دفاعي: "لماذا.. ؟"
لو استطعت فعل ذلك فستمتلك أداة رائعة لكسب قلوب الناس.
وتذكر دوماً: أن كونك مستمعاً بارعاً يُكسِبُك من الأصدقاء وحبِّ الآخرين ما لا تكسبه وأنت متحدثٌ بارعٌ.
- عندما تجيب من يحدثُك في شأن مهماقتصد في الإجابة لأن الإجابة المطنَبة تُفقِدُ المتحدثَ صبرَه، وتشعره أن الحديث خرج عما يهمه هو.
- تذكر أن حضور قلبك واستماعك لمحدثك أهم وأبلغ من إجابتك له. والاحترام ومحاولة فهم عالم الشخص الآخر أهم من الرد العبقري.
عاشراً: يوصيك الكتّاب باتباع طريقة جميلة فينصحونك بالتدرب على أخذ نَفَس عندما ينهي المتحدث كلامه، قبل أن تشرع أنت في كلامك. بهذه الطريقة سوف تعطي المتحدث الفرصة الكاملة حتى ينتهي من حديثه، وستبتعد عن مقاطعته، وهذا يدل على احترامك إياه، وسيقربك إليه.
أخيراً: (احذر من الاستماع الانتقائي).. أي أن تسمع ما تريد سماعه أنت! أو ما تتوقع أن يقوله المتحدث!! لذا استمع بتأنٍ, لما يريد الآخرُ أن يوصله إليك.
لو استطعنا تجنب هذه المحاذير فسنتجنبُ الكثيرَ من الخلافات التي تحدث بين الأقران والأزواج بسبب سوء فهم ما لم يسمعوه أصلاً!
هذه لمحات سريعة، ستساعدك - بإذن الله - تعالى - في تطوير هذه المهارة السهلة، التي ستعطيك نتائج باهرة، في تحسين علاقاتك بالناس، وزيادة احترامهم وتقديرهم لك. ابدأ اليوم باستخدامها، وستدهشك النتائج!!
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد