أمراض و أضرار ؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

من المعروف في عالم البشر وجود الأمراض التي تصيب البدن أو النفس، كما حدثنا القرآن عن أمراض قلبية معنوية وليست حسية، بمعنى أن قلب المنافق صحيح وسليم من الناحية الوظيفية ولكنه مريض من ناحية أخرى والواقع أن دائرة المرض واسعة بالمعنى المعنوي فهناك أمراض اقتصادية وأمراض سياسية وأمراض إدارية والمرض يقصد به (خلل يطرأ على الشيء يمنعه من أداء وظيفته الأصلية).

 

وكل مؤسسة وكل مجموعة صغيرة كانت أو كبيرة لابد لها من نظام تسير من خلاله إما بالفطرة والسليقة أو بالقوانين والمسؤوليات مهما كان هذا النظام بسيطا أو معقدا متطورا كان أو متخلفا.

 

وكلما كبرت هذه المؤسسات أو المجموعات زاد العبء الإداري فيها وأصبحت عرضة للأمراض الإدارية وهي الخلل كما أسلفنا، فإذا كان لهذه المؤسسات أو المجموعات فقه بالواقع وعقل راجح وبعد نظر سارعت لعلاج هذه الأمراض و تعديل الأوضاع حتى لا يستشري المرض وتستفحل الأخطار، وإذا غاب عنها الرشد والتوفيق فإنا لله وإنا إليه راجعون، وفيما يلي أورد بعض الأمراض الإدارية التي تسبب أضرارا واسعة وأسلط عليها الضوء قدر الإمكان والله المستعان.

 

من أكبر الخطأ أن تظن أنك بمأمن من الخطأ، وهذا الخطأ يمكن أن يصيب كل نظام إداري مهما كانت نوعيته أو مستواه ويؤدي إلى مهالك كبيرة وأضرار فادحة على مستوى الفرد والأمة، وتختلف أطياف هذا المرض فهناك من يظن أن ماله ومستشاريه أو قوته البدنية أو الفكرية أو العسكرية أو علومه السياسية أو حنكته ستمنعه من الخطأ، كما أن البعض يظن أنه إذا كان متدينا ويصلي ويصوم ويرفع لافتة الإسلام ويعمل في بعض المؤسسات الإسلامية أو قضى زمنا من عمره في خدمة الإسلام يظن أنه قد أصبح في مأمن من الخطأ وأن سجله الأبيض المشرق سينسحب على كل قرارته وتصرفاته فلا يشوبها شيء من الخطأ أو النقص، وهذا من أكبر الأخطاء التي تفتك بالمؤسسات والمجموعات، وفي واقعنا المعاصر اليوم عشرات الأمثلة على هذا المرض فمعظم التيارات الإسلامية تحتكر الصواب وتظن أنها إذا رفعت شعارا إسلاميا أو تبنت نهجا إسلاميا فإنك ذلك يعني براءتها من الخطأ والنقص وأنها بمأمن من القصور والخلل، وقد يصرح بعض هذه التيارات بأقوال مفادها الاعتراف بالخطأ والتقصير أو ما شاكل ذلك ولكن للأسف أغلبه مجرد كلام للتسويق وتجميل الواجهة وليس له واقع عملي يدعمه ويشهد له وليس له خطوات عملية تتبع الأقوال لتدارك الأخطاء وتصحيحها.

 

نتحدث عن عيوب الآخرين وليس عن عيوبنا:

من العجائب التي تسترعي انتباه العقلاء أن التيارات والمؤسسات والمجموعات الفكرية والإسلامية وغيرها يقوم بعضها أو أغلبها بنقد الآخرين فقط وتأليف الكتب أو المقالات أو القاء الخطب والمحاضرات في بيان أخطاء هذه المجموعة أو تلك الجماعة وتوضيح انحرافاتها وما إلى ذلك ولكن كل ذلك يدور في دائرة واحدة وهو الحديث عن الآخرين فقط وإبراز عيوبهم وانتقاصهم، أما الحديث عن أخطاء النفس أو نفس المجموعة أو الجماعة أو المؤسسة التي ينتمي إليها فذلك نادر أو قليل جدا ولا يسمح به بشكل طبيعي، تماما مثل القنوات الفضائية التي تهاجم كل الدول وتظهر عيوب أنظمتها لكنها لا تتحدث أبدا عن عيوبها أو عيوب الأنظمة التي ترعاها وتوجهها، وحتى إن وجد في هذه المؤسسات أو التيارات من يفعل ذلك فإنه يواجه بألوان من الحرب النفسية أو الحقيقية أو التحايل والالتفاف أو المكر والدهاء ولا تتاح له الفرصة ليصل إلى معلومات إضافية أو يتأكد من معلومات حصل عليها أو يبحث عن أمور مشابهة موجودة ولم يعلم بها بل توصد أمامه الأبواب وتسحب منه الصلاحيات ويوضع على القائمة السوداء فهو طالب فتنة وتبذل الجهود حتى لا يتسرب ما قاله أو كتبه للآخرين، فإن تسرب وظهر أنكرت تلك المؤسسة أو المجموعة كل ما قيل جملة وتفصيلا وأن الأمر مجرد اختلاقات وخلافات شخصية أو أحقاد أو يقوم شخص ما بتأليف كتاب مضاد أو إلقاء محاضرة مضادة أو ما إلى ذلك تنصلات وأعذار تتفتق عنها أذهان تلك المؤسسات والمجموعات، كل ذلك المجهود يبذل ولا يبذل جهد واحد لمحاولة التأكد بصدق هل ماقيل موجود فعلا أم أن الأمر غير ذلك؟

 

غياب المحاسبة الداخلية:

تقوم المؤسسات المتفوقة ذات السمعة الحسنة والأداء الممتاز والتي هي على قدر المسؤولية بوضع أنظمة محاسبة متنوعة تكفل لها إظهار الأخطاء والنقص والانحرافات أيا كان مصدرها وتسارع إلى علاجها ووضع حدلها حتى يظل العمل متدفقا بفعالية وامتياز ، وهناك ألوان متنوعة من أنظمة المحاسبة في كل المجالات والاتجاهات بدءا من الفرد وانتهاء بالمؤسسات والدول، والتجارب في ذلك كثيرة ومتنوعة، ولكن الأهم منها أن تقتنع تلك المؤسسات والمجموعات اقتناعا فعليا بأن الخطأ والتقصير وارد في الأفراد والمجموعات مهما كان مستواهم ومكانتهم، وبأهمية وجود أنظمة المحاسبة الفردية والجماعية داخلها وأن تكون هذه الأنظمة فاعلة وذات مصداقية وشفافية لتؤدي دورها المطلوب في استمرارية العمل وجودته والارتقاء به، فإذا لم توجد هذه القناعة الحقيقية الفعلية عند أصحاب القرار في تلك المؤسسات والمجموعات فإن كل حديث أو إجراء يتخذ عن المحاسبة الداخلية يكون مجرد مكياج لتجميل الصورة اسمه النقد الذاتي.

 

مكياج النقد الذاتي:

وأمام الانتقادات وضرورة إصلاح الأوضاع وتبرم الأفراد يتولد خطأ آخر أسميه (مكياج النقد الذاتي) وهو ممارسة النقد الدخلي وبيان الأخطاء لكن بشكل نظري وغير مجدٍ, ولا يؤدي إلى أي نتيجة، فترى مدير المؤسسة يدعو إلى اجتماع لتقويم الأوضاع وإصلاح الأخطاء وعلاج الانحرافات، ثم يتحول ذلك الاجتماع إلى حملة دعائية لمدير المؤسسة أو يتم تضييع الوقت في مناقشة أمور تافهة لا تقدم ولا تؤخر ولا تناقش الأمور الهامة أبدا أو تتحول الجلسة والاجتماع إلى تبرير الأخطاء وأنها حدثت رغما عنا ولم يكن هناك مفر منها وتسويغ وقوعها والرضى بالواقع والصبر واحتمال الأذى والجندية والسمع والطاعة في المنشط والمكره وما إلى ذلك من تحايلات والتفافات لا تنتهي ومقولات في غير موضعها..... خلاصتها وجود النقد صورة وديكورا ومكياجا، وانتفاؤه حقيقة وواقعا، والأمثلة في الواقع بالعشرات وفي كل الطبقات والاتجاهات

 

الشلة واللوبي:

ومن الطبيعي في حياة البشر أن المرء يتفق مع بعض الأفراد ويأنس لهم ويكون هناك نوع من الانسجام والتناغم الفكري بينه وبينهم، ويظل الأمر طبيعا إذا كان على المستوى الفردي الذي يتحمل المرء تبعة تصرفاته ولكنه لا يكون طبيعيا عندما يحاول مدير ما أو مسؤول ما أو موظف ما أن يحيط نفسه بالحاشية التي تروق له حتى وإن كانت غير مؤهلة ويبعد المؤهلين لأنهم ليسوا على مزاجه أو لا ينتمون لعائلته أو لحزبه أو لشعبه أو مجموعته أو جماعته وإن كان ذلك على حساب مصلحة العمل أو المجموعة أو المؤسسة، والخلل هنا أن توضع الاعتبارات الشخصية فوق مصلحة العمل وقد يحدث هذا أحيانا بصورة غير واضحة أو فيها نوع من المكر والكيد والدهاء حتى لا يظهر أن في الأمر نوع من الاعتبارات الشخصية، فترى بعض المؤسسات وقد سيطرت عليها عائلة معينة أو مجموعة متفقة فيما بينها ولا يسمح لشخص آخر مهما كانت كفاءته أو مؤهلاته أن ينضم لتلك المؤسسة إلا إذا تحقق فيه الشرط الشخصي المطلوب والأمثلة في ذلك كثيرة والتاريخ على امتداده مليء بها وهل أوصلنا إلى هذا الدرك في مؤخرة المجتمعات إلا أمثال هذه الكبائر الإدارية.

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply