أعجوبة العقل الميكانيكي


بسم الله الرحمن الرحيم

 

في النظرية الإدارية هناك تياران عريضان حول أساسيات التـنظيم و ممارسات الإدارة:

 

الأول هو النمط الميكانيكي (من الماكينة و ألآله أو الآلية) الذي يحاول إيجاد و ممارسة طريقة للتـنظيم تكون عالية الوضوح و صارمة المعالم و شديدة التمسك بالمعايير و الإجراءات.

 

و التيار الثاني هو النمط العضوي في التـنظيم الذي يمنح مرونة أكبر للتـنظيم تقديرا للظروف الإنسانية و الديناميكية البـيئية المحيطة. يوجد كل من هذين النمطين بدرجات متفاوتة في كل منشأة و لدى كل مدير، و لكن يظل للنمط الميكانيكي عجائبه التي لا تـنقضي بسبب الخصائص التالية:

1- العقل الميكانيكي يقدس الإجراءات و المعايير على حساب الأداء و النـتائج. بمعنى أخر يعتقد الذين يعتـنقون هذا النمط أن الأمور يجب أن تسير بخطوات و طريقة نظامية فيها الكثير من المتطلبات الورقية و التصاديق و التمسك بالمرجعية الإدارية مثل كلمة (موافقة الرئيس) و لتذهب النتيجة أو الأداء إلى الجحيم. كمثال، في أحد الأقسام العلمية في جامعتـنا العريقة تم تأخير إعلان تخرج واحدة من ألمع الطالبات من برنامج الماجستير سنة كاملة لآن ملفها تـنقصه ورقة واحدة!! يعني (خلاص) الطالبة اجتازت البرنامج بنجاح، لماذا العودة إلى معايير القبول!!

 

2- العقل الميكانيكي يتصور وجود طريقة مثالية واحدة للعمل أو أسلوب واحد يتم التعسف في تطبـيقه حتى لو كانت الظروف المحيطة غير مواتية. و في ذلك نقص مرونة و ضعف \"تكيف\" و تحيز كبير لهذه الطريقة التي يحفظها صاحب العقل الميكانيكي عن ظهر قلب و يمارسها بحرفية مقيتة لا تعطى\"تقديرا\"مناسبا للعوامل الإنسانية و الاختلافات الجوهرية في الأحوال و الظروف. عندما أمر عمر ابن الخطاب - رضي الله عنه - بإلغاء حد السرقة في عام المجاعة كان يرسل تـنبـيه شديد اللهجة إلى هواة النمط الميكانيكي يقول فيه أن الإنسان ليس آلة صماء و العالم ليس \"نمط\" واحد صارم.

 

3- لا يستطيع العقل الميكانيكي الخروج من \"عنق\" الأزمات و ديناميكية المصير إلا بالرجوع إلى و البحث في \"دليل الاستخدام\" القديم و يفتقد الجرأة لابتكار مخرج جديد لأنه يبدع فقط في \"تقيـيد\" نفسه بما حفظه سابقاً. نقص الإبداع و الابتكار لدى عشاق التفكير الميكانيكي ليست الخاصية الأسوأ و لكن أسوأ منها التمسك العجيب بالحرف و المنهجية الحرفية في التعامل مع الأمور و المشاكل التنظيمية، و هي حتما لا تحتمل.

 

4- تقديرات و التزامات صاحب العقل الميكانيكي دائما ما تكون \"مادية\" بحتة و تهتم بصرامة المقايـيس و ليس فائدتها. فالميكانيكي مثلا يطلب إنهاء عشر معاملات في اليوم أو العمل من الساعة كذا إلى الساعة كذا (جرينـتـش) بغض النظر عن أمور أخرى مثل جودة العمل أو مستوى التطوير أو الأهداف الاستراتيجية. أذن، هناك\"قصر نظر\"معين في التفكير الميكانيكي يجعله يفضل التعظيم الجزئي للنـتائج و التحقيق المنقوص للمصالح على حساب تعظيم النـتائج على المستوى الكلي للتـنظيم أو تحقيق مصالح استراتيجية و رؤية بعيدة المدى.

 

5- ثم أن العقل الميكانيكي يتمسك حتى الموت بالهيكلية الإدارية و يثمن المصادر الهيكلية للقوة داخل التـنظيم. لذلك تـنـتـشر في أوساط الميكانيكيـين \"التراتـبـية\" و النظر رأسياً إلى المستوى التـنظيمي الأعلى بحثاً عن الأوامر و القرارات و تـقل تبعا لذلك روح المبادرة و تكاد تعدم الاتصالات الطرفية و التداخلات الأفقية التـشاورية بين أجزاء التـنظيم فتكون كالجزر المعزولة. و بطبـيعة الحال يختـفي دور المستويات التـنظيمية الأقل في التأثير على القرارات المصيرية و السياسات العامة.

 

عجائب العقل الميكانيكي لا تـنقضي و المنشأة التي تكون أسيرة هذا التفكير ستكون تقليدية و بطيئة في العمل و متخلفة في التـقنية الإدارية و تعاني من مشاكل تـنظيمية مثل الترهل الهيكلي و انخفاض الروح المعنوية و نقص حوافز التطوير و التطور ما يعني حاجتها إلي نوع من الانـتفاضة التـنظيمية، لعل و عسى.

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply