علامات للنجاح في المنهج الرباني


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 ذكر العالم الأمريكي\"بريان تريسي\"ست علامات للنجاحº يستحق من يحققها أن يقال له إنسان ناجح.

 

والمتأمل لهذه العلامات قد يرى حقيقة ما قاله بريان لكننا نخالف بريان في المنطق الذي يحدد هذه العلامات نخالفه في المبادئ والتصورات التي تغذي هذه العلامات وتقومها وتبرزها، فالفرق شاسع بين الحضارة الغربية المعتمدة على المادة، المتجاهلة للروح، وبين الهدى الرباني والحضارة الإسلامية ذات المبادئ الشاملة والمتوازنة.

 

فالحضارات الغربية تغذي العلامات الست وتصبغها بالطابع المادي والشكلي والفردي، وتقومها على هذه المبادئ. أما حضارتنا الربانية فتغذي هذه العلامات بالشمول والتوازن، انطلاقا من مصلحتي الفرد والمجتمع معاً ودون إجحاف بأي منهما، وتصبغ هذه العلامات بالعبودية لله - تعالى - وهو ما يشعر المسلم أنه في محبة الله - تعالى - وفي ما يلي نذكر هذه العلامات من منطلق إسلامي رباني:

 

1. سكينة القلب:

هذه العلامة لا شك هي الأرضية الأساسية التي تنطلق منها العلامات الأخر: فالقلق والخوف يضيعان الجهود و يوهنان العزائم. والسكينة العميقة المستمرة لا تكون إلا بالإيمان بالله. أما السكينة التي يقصدها بريان بمفهومه المادي فهي السكينة السطحية التي سرعان ما تتلاشى إذا تغيرت الظروف. ومن المبادئ التي ينطلق منها المؤمن لتقوية سكينته: الإيمان بالقضاء والقدر: كل الأمور الواقعة في هذه الحياة قدرها الله - سبحانه وتعالى - قال - تعالى -: (والله خلقكم وما تعلمون)، وقال - تعالى -: (إن كل شئ خلقناه بقدر) فالمسلم يعلم أن الله قدر الأمور بحكمته ورحمته وعدله، فعلام يقلق على الأمور التي ليست بيده؟ وعلام الخوف من المستقبل الذي أمره إلى الله؟ وهذا لا يعني أن تترك الأسباب المؤدية إلى النجاح، كلا بل يعملها المرء ويجتهد في العمل، ويجعل أمر النتائج إلى الله - تعالى -.

 

التطلع إلى النعيم في الآخرة: المسلم يتطلع إلى الحياة الأخرى، ويطلب نعيمها بالعمل و الإخلاص ويعيش في هذه الدنيا بمفهوم أنها دار فانية، متاعها زائل، قال - تعالى -: (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) ويعلم أن نعيم الآخرة أفضل وأعظم مما يتصوره قال - تعالى -: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون). الدعاء والصلاة: جعل الله الصلاة سلاحاً للمؤمن يستعين بها في معركة الحياة ويواجه بها كوارثها و آلامها قال - تعالى -: (واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين).

 

2. تحقيق مستوى عالي من الطاقة:

هذه العلاقة لها ارتباط قوي بالعلامة الأولى فلا طاقة بلا سكينة واستقرار نفسيº فالسكينة هي أهم مصادر الطاقة، والطاقة بلا شك من أهم مصادر النجاح سواء كان علمياً أو عملياً أم غيرهما.

 

وطاقات البشرية ثلاث: طاقة روحية، طاقة عقلية، طاقة جسدية، ولا يوجد منهج يغذيها جميعاً وبتوازن إلا المنهج الرباني. فإذا انطلقت هذه الطاقات جميعاً بتوازن تكون النتيجة طاقة عظيمة النفع على الأمد القريب والبعيد، وإذا برزت إحدى الطاقتين ـ طاقة العقل وطاقة الجسد ـ أو إحداهما على حساب الطاقة الروحية ـ وهي الطاقة الأساسية ـ فعلى الأمد القريب قد ينجح الإنسان، أما على الأمد البعيد فهو خاسر بلا شك. مثلاً دايل كارنجي صاحب أكبر مجموعة كتب مبيعاً في العالم، مثل كتابيه: ((دع القلق وأبدأ الحياة)) و((كيف تكسب الأصدقاء)) وغيرهما فهذا لا يشك أنه صاحب طاقة عقلية فذة، لكنه فقد الطاقة الروحية المغذية لهذه الطاقة، فكانت النتيجة أنه انتحر فخسر الدنيا والآخرة! وهذا المثال يتكرر بكثرة في الدول الغربية. والطاقة الروحية تغذى بالذكر وبالقرآن والعبودية لله - سبحانه وتعالى - وهي نفسها تغذي وتبارك الطاقة العقلية والطاقة الجسدية فلا تسأل عن نجاح من يحمل هذه الطاقة المتوازنة ولا تسأل عن تلك البركة في أعماله و نجاحاته، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

 

3. العلاقات الطيبة:

الدفء الاجتماعي والأخوي والأسري له أهميته لا تنكر في سعادة الإنسان ونجاحه في أهدافه الخاصة والعامة، فالإنسان مدني بطبعه كما ذكر ابن خلدون، والذي يتبادل مع الناس المحبة والتقدير يعيش في نعيم لا يوزن بملايين الريالات، والعلاقات الطيبة مع أناس تنطلق في المنهج الرباني من دائرة العبودية لله، مثل صلة الرحم والأقارب والجيرانº تكون واجبة يأثم من لم يعطها حقها. بل أن منهجنا الإسلامي يعطي العلاقة الطيبة مع الناس صفة العمق والصدق والإخلاص، ويحذر من العلاقات الشكلية والمنفعية الواضحة جداً في علاقات المجتمع الغربي. والمسلم الحق يحمل مبدأ الصدق بالإخلاص في علاقته مع الناس، وإن كانوا هم لا يحملون ذلك المبدأº لأنه يتعامل مع الله في تعالي في هذه العلاقاتº فيعوضه الله - تعالى - محبة وعلاقة طيبة مع الناس.

 

ولو استطردنا في ذلك لطال بنا المقام لأن المنهج الإسلامي أعطى هذه العلاقة أولوية وأهمية، والذي يريد أن يستزيد فليبحث في الكتب التي تتكلم عن ذلك فشتان بين المنهج العظيم والمنهج الغربي في هذه العلاقةº فالفرق شاسع.

 

4. عدم الاحتياج المادي:

المسلم الحق مسبوق ربانياً في الناحية المادية، فهو أولاً يركن إلى الله - سبحانه وتعالى - في رزقه، لأن الله - تعالى - هو المتكفل بالرزق، أمّا مبدؤه في التعامل مع المالº فالمال وسيلة لغايات دينية ودنيوية، وليس هدفاً يُحب و يُبغض ويموت المرء من أجله.

 

والمسلم في سعيه لطلب الرزق يكون في عبادة كما أخبر بذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو كذلك يعرف حق المال من زكاة وصدقة للمحتاجين تكافلاً مع إخوانه المسلمين فيعوضه الله جزاء لذلك الرزق المبارك والتوفيق في إنفاق المال.

 

أمّا غير المسلم فمبدؤه مع المال أن المال غاية، يموت من أجله، ويتخلى عن علاقاته الأسرية والاجتماعية من أجل هذا المال، فأثر ذلك على أخلاقهم فصبغت بالشكلية والمادية، وهذا واضح في المجتمع الغربي.

 

والأشد من ذلك أنهم يحملون هم الرزق فلا يعرفون التوكل على الله ولا دعاءه، نسوا الله فأنساهم أنفسهم، جزاءً وفاقاً، وما ربك بظلام للعبيد.

 

5. الأهداف القيمة:

إن قيمة الإنسان تقاس بقيمة هدفه، وعلى قدر همتك يكون هدفك وتكون قيمتك وصاحب الهدف الكبير والقيم هو في الوقت نفسه صاحب همة كبيرة وقيمة، وهذه الهمة الكبيرة تنشر أنوار السكينة والاستقرار والاعتزاز في جوانب النفس، ودنوّ الهمة وحقارة الهدف له تأثيره السلبي في السلوك وعواطف الإنسان، وهذا معروف لدى عقلاء الناس.

 

وأكبر هدف يحمله الإنسان ـ وهو ذو قيمة عالية جداً ـ هو هدف رضا الله وطلب جنته، بل إنه لم يخلقنا ولم يخلق السماوات والأرض ومن فيهن إلاّ لتحقيق هذا الهدف، فمن حقق هذا الهدف فهو السعيد، ومن لم يحقق هذا الهدف فهو الخاسر بلا شك. فالمسلم المتميز يعطي هذا الهدف قدسيته وعظمته ويصبغ باقي أهدافه الخاصة بهذا الهدف، بحيث تسير جميع أهدافه في طريق واحد يشد بعضها بعضاً. فمثلاً الطبيب الذي يريد أن يكون ماهراً والمهندس الذي يريد أن يكون متميزاً، والتاجر الذي يريد أن يكون بارزاً، كل هؤلاء إذا صبغوا أهدافهم بالهدف الأول، وهو طلب رضا الله وجنته، تكون النتيجة توافقاً وتآزراً ويكون توفيق من الله - سبحانه وتعالى - لأهدافهم، فلا تسأل بعد ذلك عن البركة والتوفيق الرباني، وهذا لا شك يفقده الرجل الغربي، فهو لا يحمل الهدف الأول الذي لأجله خلق فيكفي هذا للتنزيل من قيمته وقيمة أهدافه الخاصة وإن كانت تبدو عالية في نظر الناس، وفوزه بأهدافه الخاصة لا يعطيه قيمته الحقيقية وإن وجد لذة النجاح في التصفيق، فهي لذة مؤقتة سرعان ما تتلاشى.

 

6. تحقيق الذات:

هذه العلامة لا تتحقق حتى تتحقق العلامات السابقة. فإذا تحققت تلك العلامات بشكلية وسطحية كان تحقيق هذه العلامة شكلياً وسطحياً، وأمّا إذا تحققت العلامات بعمق وصدق، فيكون تحقيق الذات بعمق وصدق، وهذا التحقيق لا يكون إلاّ للمسلم الحق، بل أن المسلم المحقق ذاته لا يرى تحقيق الذات أمام نفسه وأمام المجتمع، بل يرى ذلك في كل الكونº لأن المسلم الحق الذي حقق العلامات السابقة يحبه الله وإذا أحبه الله أحبته الملائكة،وأحبه أهل السماء وأهل الأرض من إنس وجن ودواب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أحب الله عبدا نادى جبريل: إن الله يحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض)) رواه البخاري.

 

وهنا تتفق الكلمات أن تصوّر وتذكر بعمق منهجنا في تحقيق النجاح للأفراد والمجتمع جميعاً وأن والغرب يطبلون ويزمرون ويعيشون على سراب السعادة وأنّى لهم السعادة وهم بعيدون عن النور الرباني المتمثل في القرآن الكريم والسنة المطهرة. فالحمد لله على نعمة الإسلام ونسأله سبحانه الثبات عليها إلى أن نلقاه.. إنه ولي ذلك سبحانه وهو العليم الغفور.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply