بسم الله الرحمن الرحيم
يوجه المستشرقون والغرب عموماً ومعهم العلمانيون في بلادنا انتقادات حادة إلى المسلمين بأنهم يربون أبناءهم على اتباع النصوص وحفظها ولا يربونهم على الابتكار فهم متبعون وليسوا مبدعين. ترى هل العقلية الإسلامية فعلاً عقلية غير مبدعة وغير مبتكرة؟
يقول د. عبد الغني عبود أستاذ التربية المقارنة والمناهج بكلية التربية جامعة عين شمس:\" إنه لا إبداع دون اتباع، لأن الأمر في هذه الحالة يتحول إلى فوضى … والفوضى لا يمكن أن تكون إبداعاً على الإطلاق\".
إن الفهم الصحيح للإبداع يعنى أن أفكر في الواقع الذي أعيشه، وأن أستوعبه وأتفاعل معه وأنفعل به ثم أحاول تطويره.. وهذا هو قمة الإبداع. فالإبداع لا يأتي من فراغ، وإنما يأتي من الواقع المعاش، ومحاولة نقله من صورة إلى صورة مختلفة.. وهذه الصورة المختلفة في الإسلام تكون في إطار عام هو إطار التوحيد والعبودية لله، وإذا نظرنا إلى القضية من هذه الزاوية فإننا نجد أن الإسلام هو السباق إلى هذا الإبداع العاقل المتزن الملتزم الذي يسعى لصالح الإنسان.
أما الذين يقولون بأن الحفظ ضد الإبداع فنحن نقول: أنه لا إبداع دون مخزون يقوم عليه هذا الإبداع.. فلا إبداع من فراغ.. وإنما يكون الإبداع بناء على معطيات محفوظة يتم تقليدها، والنظر إليها بنظرة نقدية واعية حصيفة، فالإبداع لا يأتي من فراغ إلا في حالة الأطفال الذين في سن المهد، أو إبداع المجانين. فالذاكرة أساس على ألا تكون هذه الذاكرة ذاكرة ببغاء تقوم على ترديد ما حفظته دون وعي ودون فهم ودون نقد، وكيف يتهم المسلمون بأنهم يحفظون ولا يبدعون رغم أن علم الحديث عندهم قام في البداية على حفظ مئات الألوف من الأحاديث ثم طبقوا بعد ذلك منهج التثبت والنقد والجرح حتى صار هذا العلم علوماً متعددة شكل آلية متكاملة لأسس البحث العلمي، وتمييز الحق من الباطل. وإذا كان الغربيون يتهموننا بأننا تقليديون وحفاظ، فإننا نقول أن الأمريكيين أكثر الناس تقليدية.. فلا يزال وليم جيمس الذي مات منذ قرنين مقدساً عندهم ويرددون كلامه، وكذلك جون ديوي.. فكل مفكري البراجماتية الأمريكية لا يزالون يعيشون في فكر كل أمريكي يعيش اليوم، فالأمريكيون أكثر تقليدية، ولكنهم يقلدون النمط البرجماتي النفعي الذرائعي الذي هو دين الأمريكيين، هذه النفعية الذرائعية تنظر إلى الأمور بمقياس قيمتها ومردودها المادي، أما نحن فتقليديون على مذهب نبذ الدنيا وليس هجرها، وإنما أن نجعل لها مثلاً أعلى رفيعاً نعيش له أو نموت على طريقه.
\"الإسلام دعوة للتأمل وإعمال العقل\":
أما د. حسن شحاته أستاذ التربية ورئيس مركز تطوير التعليم بجامعة عين شمس فيقول:\" أن الإسلام دين يدعو إلى التفكير، وإعمال العقل، ويدعو إلى الإبداع.
والتعلم في الإسلام يتم في إطار هذا المثلث.. وهذا التعليم يدفع المتعلم إلى الإبداع، والاختراع، والابتكار، والنصوص الإسلامية كلها دعوة إلى التأمل والنظر واستخدام العقل وذم التقليد والمقلدين، ودعوة إلى التعلم والتفقه، وهي دعوة إلى التأويل والتفسير، والتأويل في الإسلام متعددة الرؤى والنظرة نتيجة لاختلاف التفكير والفهم في الإطار الإسلامي.
إن تفسير النصوص في هذا الإطار وفي إطار أن الإنسان مسئول عن عمارة الكون وعبادة الله، وأنه يجمع بين خيري الدنيا والآخرةº هو الذي حكم المسلمين رغم اختلاف الزمان والمكان.. فكيف يكون الإنسان المفكر الذي يعمل لدنياه وأخراه إنساناً آلياً مبرمجاً؟ إن لدينا تفسيرات مختلفة للقرآن عبر العصور، وليست كلها نسخاً متطابقة وإنما فهم متعدد للنصوص، وإضافات تتفق مع سعادة ومستقبل الإنسانية..فهل العقليات التي فعلت ذلك عقليات آلية ومبرمجة أم عقليات حية مبدعة؟
إن معرفة الناسخ والمنسوخ من القرآن والخاص والعام والمطلق والمقيد والمحكم والمتشابه وفهم الأحاديث النبوية التي هي بمثابة المذكرة التفسيرية للقرآن الكريم.. وربط هذه الأحاديث بالقرآن كل ذلك يشكل فهماً وإبداعاً ولا يستطيع العقل الجامد أن يقوم بهذه المهمة.
إن الإنسان مسئول عن تصرفاته وأفعاله أمام الله.. فكيف يكون هذا الإنسان المسئول المكلف إنساناً لا يفكر؟ إن الإسلام يدعونا إلى الاجتهاد وإعمال العقل..ففي الحديث النبوي (( من اجتهد وأصاب فله أجران ومن اجتهد وأخطأ فله أجر )) والمسلمون الذين تفوقوا في العلوم والآداب دليل على العقلية المسلمة وبراعتها في التفكير والتدبر، أليست العمارة الإسلامية والهندسة الإسلامية وفن المعاملات التجارية تدل على تفكير عميق وإعمال كامل للعقل؟\"
ويضيف د. حسن شحاته:\" أن الإسلام يدعو إلى تغيير الذهنية، ويخاطب القوى المفكرة لا القوى الحافظة.. كما أن حفظ المسلمين لكتاب الله وللأحاديث النبوية لا يتناقض أبداً مع قدرتهم على التفكير وإعمال العقل والنقد والربط بين النصوص والاستنباط، أليست المذاهب الإسلامية الفقهية بما تحتويه من مناهج استنباط ومسائل رياضية كلها تفكير وفهم عميق وتدبر؟
العقل يتكون حسب الخصائص الشخصية والوسط الاجتماعي:
بينما تقول الناقدة والكاتبة الإسلامية صافي ناز كاظم:\" أن الكثيرين من أئمة الإسلام المجددين كانوا دائماً يحاربون التقليد الأعمى الذي هو تقليد المذاهب وتقليد المجتهدين بدون إعمال للنظر والعقل، وبدون استقلالية في النظر، وحتى العلماء المعاصرين المجددون كثيراً ما يوجهون الأنظار إلى عدم التقليد الأعمى\".
وهكذا فإن الإسلام كله مقاومة للتقليد الأعمى دون إعمال النظر والتدبر والعلماء المسلمون كثيراً ما انتقدوا الصوفية المبتدعة الذين يتبعون شيخاً معيناً ويقلدونه دون التبصر بحاله فهذا تقليد مذموم.. وإذا كان الغرب ينتقد المسلمين ويصفهم بأنهم عقول متبعة للنصوص وليست عقولاً مبتكرة فإن هذه المذمة موجودة لديهم في الغرب وليست بنت العقلية المسلمة، فالمذاهب الكبرى في الغرب سواء كانت دينية أم دنيوية كلها قائمة على التقليد وعدم الابتكار، والكنائس الأوروبية تخاطب أتباعها على أساس أنه عليهم السمع والطاعة والتنفيذ والخضوع.
كما أن العلمانية والمذاهب العقلية الغربية حينما أسست أحزاباً مثل الأحزاب الشيوعية فإنما أسستها على الطاعة العمياء للقائد الذي هو ملهم وعبقري، وحتى البروتستانتية التي قامت على عدم التقليد فإنها ما لبثت أن عادت وبنت كنائسها على التقليد.
وتضيف كاظم:\" أن اتهام العقلية المسلمة بصفة خاصة بالتقليدية لأنها قائمة على اتباع النصوص اتهام غير صحيح، فالأمر يعود إلى طبيعة الشخصية فقد يكون لدى الشخص قدرات عقلية جيدة، ويسعى لتكوين رأي مستقل.. وهذا الإنسان لن يكون مقلداً سواء كان مسلماً أو غير مسلم، أما إذا كان الشخص متواضع القدرات الفكرية فسوف يكون مقلداً حتى ولو كان علمانياً أو شيوعياً أو ملحداً.
كما أن قضية التقليد والإبداع ترتبط ارتباطاً وثيقاً بقضية التربية والوسط الاجتماعي الذي ينشأ فيه الطفل، فإذا نشأ الطفل في وسط اجتماعي يشجع العلم والتعليم والقراءة والمناقشة والنقد يتعود الطفل على الاستقلالية والنقد والتفكير وربما الابتكار والعكس صحيح، وإذا كان المقصود بالابتكار هو الابتكار العلمي فإن حضارة المسلمين مليئة بالابتكار في مختلف المجالات من هندسة وجبر وفلك وفيزياء وكيمياء وطب.. الخ. والحضارة الإسلامية مليئة بالفنون المتنوعة.
http://www.islamtoday.net المصدر:
كيف نربي العقلية المبدعة؟
يوجه المستشرقون والغرب عموماً ومعهم العلمانيون في بلادنا انتقادات حادة إلى المسلمين بأنهم يربون أبناءهم على اتباع النصوص وحفظها ولا يربونهم على الابتكار فهم متبعون وليسوا مبدعين. ترى هل العقلية الإسلامية فعلاً عقلية غير مبدعة وغير مبتكرة؟
يقول د. عبد الغني عبود أستاذ التربية المقارنة والمناهج بكلية التربية جامعة عين شمس:\" إنه لا إبداع دون اتباع، لأن الأمر في هذه الحالة يتحول إلى فوضى … والفوضى لا يمكن أن تكون إبداعاً على الإطلاق\".
إن الفهم الصحيح للإبداع يعنى أن أفكر في الواقع الذي أعيشه، وأن أستوعبه وأتفاعل معه وأنفعل به ثم أحاول تطويره.. وهذا هو قمة الإبداع. فالإبداع لا يأتي من فراغ، وإنما يأتي من الواقع المعاش، ومحاولة نقله من صورة إلى صورة مختلفة.. وهذه الصورة المختلفة في الإسلام تكون في إطار عام هو إطار التوحيد والعبودية لله، وإذا نظرنا إلى القضية من هذه الزاوية فإننا نجد أن الإسلام هو السباق إلى هذا الإبداع العاقل المتزن الملتزم الذي يسعى لصالح الإنسان.
أما الذين يقولون بأن الحفظ ضد الإبداع فنحن نقول: أنه لا إبداع دون مخزون يقوم عليه هذا الإبداع.. فلا إبداع من فراغ.. وإنما يكون الإبداع بناء على معطيات محفوظة يتم تقليدها، والنظر إليها بنظرة نقدية واعية حصيفة، فالإبداع لا يأتي من فراغ إلا في حالة الأطفال الذين في سن المهد، أو إبداع المجانين. فالذاكرة أساس على ألا تكون هذه الذاكرة ذاكرة ببغاء تقوم على ترديد ما حفظته دون وعي ودون فهم ودون نقد، وكيف يتهم المسلمون بأنهم يحفظون ولا يبدعون رغم أن علم الحديث عندهم قام في البداية على حفظ مئات الألوف من الأحاديث ثم طبقوا بعد ذلك منهج التثبت والنقد والجرح حتى صار هذا العلم علوماً متعددة شكل آلية متكاملة لأسس البحث العلمي، وتمييز الحق من الباطل. وإذا كان الغربيون يتهموننا بأننا تقليديون وحفاظ، فإننا نقول أن الأمريكيين أكثر الناس تقليدية.. فلا يزال وليم جيمس الذي مات منذ قرنين مقدساً عندهم ويرددون كلامه، وكذلك جون ديوي.. فكل مفكري البراجماتية الأمريكية لا يزالون يعيشون في فكر كل أمريكي يعيش اليوم، فالأمريكيون أكثر تقليدية، ولكنهم يقلدون النمط البرجماتي النفعي الذرائعي الذي هو دين الأمريكيين، هذه النفعية الذرائعية تنظر إلى الأمور بمقياس قيمتها ومردودها المادي، أما نحن فتقليديون على مذهب نبذ الدنيا وليس هجرها، وإنما أن نجعل لها مثلاً أعلى رفيعاً نعيش له أو نموت على طريقه.
\"الإسلام دعوة للتأمل وإعمال العقل\":
أما د. حسن شحاته أستاذ التربية ورئيس مركز تطوير التعليم بجامعة عين شمس فيقول:\" أن الإسلام دين يدعو إلى التفكير، وإعمال العقل، ويدعو إلى الإبداع.
والتعلم في الإسلام يتم في إطار هذا المثلث.. وهذا التعليم يدفع المتعلم إلى الإبداع، والاختراع، والابتكار، والنصوص الإسلامية كلها دعوة إلى التأمل والنظر واستخدام العقل وذم التقليد والمقلدين، ودعوة إلى التعلم والتفقه، وهي دعوة إلى التأويل والتفسير، والتأويل في الإسلام متعددة الرؤى والنظرة نتيجة لاختلاف التفكير والفهم في الإطار الإسلامي.
إن تفسير النصوص في هذا الإطار وفي إطار أن الإنسان مسئول عن عمارة الكون وعبادة الله، وأنه يجمع بين خيري الدنيا والآخرةº هو الذي حكم المسلمين رغم اختلاف الزمان والمكان.. فكيف يكون الإنسان المفكر الذي يعمل لدنياه وأخراه إنساناً آلياً مبرمجاً؟ إن لدينا تفسيرات مختلفة للقرآن عبر العصور، وليست كلها نسخاً متطابقة وإنما فهم متعدد للنصوص، وإضافات تتفق مع سعادة ومستقبل الإنسانية..فهل العقليات التي فعلت ذلك عقليات آلية ومبرمجة أم عقليات حية مبدعة؟
إن معرفة الناسخ والمنسوخ من القرآن والخاص والعام والمطلق والمقيد والمحكم والمتشابه وفهم الأحاديث النبوية التي هي بمثابة المذكرة التفسيرية للقرآن الكريم.. وربط هذه الأحاديث بالقرآن كل ذلك يشكل فهماً وإبداعاً ولا يستطيع العقل الجامد أن يقوم بهذه المهمة.
إن الإنسان مسئول عن تصرفاته وأفعاله أمام الله.. فكيف يكون هذا الإنسان المسئول المكلف إنساناً لا يفكر؟ إن الإسلام يدعونا إلى الاجتهاد وإعمال العقل..ففي الحديث النبوي (( من اجتهد وأصاب فله أجران ومن اجتهد وأخطأ فله أجر )) والمسلمون الذين تفوقوا في العلوم والآداب دليل على العقلية المسلمة وبراعتها في التفكير والتدبر، أليست العمارة الإسلامية والهندسة الإسلامية وفن المعاملات التجارية تدل على تفكير عميق وإعمال كامل للعقل؟\"
ويضيف د. حسن شحاته:\" أن الإسلام يدعو إلى تغيير الذهنية، ويخاطب القوى المفكرة لا القوى الحافظة.. كما أن حفظ المسلمين لكتاب الله وللأحاديث النبوية لا يتناقض أبداً مع قدرتهم على التفكير وإعمال العقل والنقد والربط بين النصوص والاستنباط، أليست المذاهب الإسلامية الفقهية بما تحتويه من مناهج استنباط ومسائل رياضية كلها تفكير وفهم عميق وتدبر؟
العقل يتكون حسب الخصائص الشخصية والوسط الاجتماعي:
بينما تقول الناقدة والكاتبة الإسلامية صافي ناز كاظم:\" أن الكثيرين من أئمة الإسلام المجددين كانوا دائماً يحاربون التقليد الأعمى الذي هو تقليد المذاهب وتقليد المجتهدين بدون إعمال للنظر والعقل، وبدون استقلالية في النظر، وحتى العلماء المعاصرين المجددون كثيراً ما يوجهون الأنظار إلى عدم التقليد الأعمى\".
وهكذا فإن الإسلام كله مقاومة للتقليد الأعمى دون إعمال النظر والتدبر والعلماء المسلمون كثيراً ما انتقدوا الصوفية المبتدعة الذين يتبعون شيخاً معيناً ويقلدونه دون التبصر بحاله فهذا تقليد مذموم.. وإذا كان الغرب ينتقد المسلمين ويصفهم بأنهم عقول متبعة للنصوص وليست عقولاً مبتكرة فإن هذه المذمة موجودة لديهم في الغرب وليست بنت العقلية المسلمة، فالمذاهب الكبرى في الغرب سواء كانت دينية أم دنيوية كلها قائمة على التقليد وعدم الابتكار، والكنائس الأوروبية تخاطب أتباعها على أساس أنه عليهم السمع والطاعة والتنفيذ والخضوع.
كما أن العلمانية والمذاهب العقلية الغربية حينما أسست أحزاباً مثل الأحزاب الشيوعية فإنما أسستها على الطاعة العمياء للقائد الذي هو ملهم وعبقري، وحتى البروتستانتية التي قامت على عدم التقليد فإنها ما لبثت أن عادت وبنت كنائسها على التقليد.
وتضيف كاظم:\" أن اتهام العقلية المسلمة بصفة خاصة بالتقليدية لأنها قائمة على اتباع النصوص اتهام غير صحيح، فالأمر يعود إلى طبيعة الشخصية فقد يكون لدى الشخص قدرات عقلية جيدة، ويسعى لتكوين رأي مستقل.. وهذا الإنسان لن يكون مقلداً سواء كان مسلماً أو غير مسلم، أما إذا كان الشخص متواضع القدرات الفكرية فسوف يكون مقلداً حتى ولو كان علمانياً أو شيوعياً أو ملحداً.
كما أن قضية التقليد والإبداع ترتبط ارتباطاً وثيقاً بقضية التربية والوسط الاجتماعي الذي ينشأ فيه الطفل، فإذا نشأ الطفل في وسط اجتماعي يشجع العلم والتعليم والقراءة والمناقشة والنقد يتعود الطفل على الاستقلالية والنقد والتفكير وربما الابتكار والعكس صحيح، وإذا كان المقصود بالابتكار هو الابتكار العلمي فإن حضارة المسلمين مليئة بالابتكار في مختلف المجالات من هندسة وجبر وفلك وفيزياء وكيمياء وطب.. الخ. والحضارة الإسلامية مليئة بالفنون المتنوعة.
http://www.islamtoday.net المصدر:
كيف نربي العقلية المبدعة؟
يوجه المستشرقون والغرب عموماً ومعهم العلمانيون في بلادنا انتقادات حادة إلى المسلمين بأنهم يربون أبناءهم على اتباع النصوص وحفظها ولا يربونهم على الابتكار فهم متبعون وليسوا مبدعين. ترى هل العقلية الإسلامية فعلاً عقلية غير مبدعة وغير مبتكرة؟
يقول د. عبد الغني عبود أستاذ التربية المقارنة والمناهج بكلية التربية جامعة عين شمس:\" إنه لا إبداع دون اتباع، لأن الأمر في هذه الحالة يتحول إلى فوضى … والفوضى لا يمكن أن تكون إبداعاً على الإطلاق\".
إن الفهم الصحيح للإبداع يعنى أن أفكر في الواقع الذي أعيشه، وأن أستوعبه وأتفاعل معه وأنفعل به ثم أحاول تطويره.. وهذا هو قمة الإبداع. فالإبداع لا يأتي من فراغ، وإنما يأتي من الواقع المعاش، ومحاولة نقله من صورة إلى صورة مختلفة.. وهذه الصورة المختلفة في الإسلام تكون في إطار عام هو إطار التوحيد والعبودية لله، وإذا نظرنا إلى القضية من هذه الزاوية فإننا نجد أن الإسلام هو السباق إلى هذا الإبداع العاقل المتزن الملتزم الذي يسعى لصالح الإنسان.
أما الذين يقولون بأن الحفظ ضد الإبداع فنحن نقول: أنه لا إبداع دون مخزون يقوم عليه هذا الإبداع.. فلا إبداع من فراغ.. وإنما يكون الإبداع بناء على معطيات محفوظة يتم تقليدها، والنظر إليها بنظرة نقدية واعية حصيفة، فالإبداع لا يأتي من فراغ إلا في حالة الأطفال الذين في سن المهد، أو إبداع المجانين. فالذاكرة أساس على ألا تكون هذه الذاكرة ذاكرة ببغاء تقوم على ترديد ما حفظته دون وعي ودون فهم ودون نقد، وكيف يتهم المسلمون بأنهم يحفظون ولا يبدعون رغم أن علم الحديث عندهم قام في البداية على حفظ مئات الألوف من الأحاديث ثم طبقوا بعد ذلك منهج التثبت والنقد والجرح حتى صار هذا العلم علوماً متعددة شكل آلية متكاملة لأسس البحث العلمي، وتمييز الحق من الباطل. وإذا كان الغربيون يتهموننا بأننا تقليديون وحفاظ، فإننا نقول أن الأمريكيين أكثر الناس تقليدية.. فلا يزال وليم جيمس الذي مات منذ قرنين مقدساً عندهم ويرددون كلامه، وكذلك جون ديوي.. فكل مفكري البراجماتية الأمريكية لا يزالون يعيشون في فكر كل أمريكي يعيش اليوم، فالأمريكيون أكثر تقليدية، ولكنهم يقلدون النمط البرجماتي النفعي الذرائعي الذي هو دين الأمريكيين، هذه النفعية الذرائعية تنظر إلى الأمور بمقياس قيمتها ومردودها المادي، أما نحن فتقليديون على مذهب نبذ الدنيا وليس هجرها، وإنما أن نجعل لها مثلاً أعلى رفيعاً نعيش له أو نموت على طريقه.
\"الإسلام دعوة للتأمل وإعمال العقل\":
أما د. حسن شحاته أستاذ التربية ورئيس مركز تطوير التعليم بجامعة عين شمس فيقول:\" أن الإسلام دين يدعو إلى التفكير، وإعمال العقل، ويدعو إلى الإبداع.
والتعلم في الإسلام يتم في إطار هذا المثلث.. وهذا التعليم يدفع المتعلم إلى الإبداع، والاختراع، والابتكار، والنصوص الإسلامية كلها دعوة إلى التأمل والنظر واستخدام العقل وذم التقليد والمقلدين، ودعوة إلى التعلم والتفقه، وهي دعوة إلى التأويل والتفسير، والتأويل في الإسلام متعددة الرؤى والنظرة نتيجة لاختلاف التفكير والفهم في الإطار الإسلامي.
إن تفسير النصوص في هذا الإطار وفي إطار أن الإنسان مسئول عن عمارة الكون وعبادة الله، وأنه يجمع بين خيري الدنيا والآخرةº هو الذي حكم المسلمين رغم اختلاف الزمان والمكان.. فكيف يكون الإنسان المفكر الذي يعمل لدنياه وأخراه إنساناً آلياً مبرمجاً؟ إن لدينا تفسيرات مختلفة للقرآن عبر العصور، وليست كلها نسخاً متطابقة وإنما فهم متعدد للنصوص، وإضافات تتفق مع سعادة ومستقبل الإنسانية..فهل العقليات التي فعلت ذلك عقليات آلية ومبرمجة أم عقليات حية مبدعة؟
إن معرفة الناسخ والمنسوخ من القرآن والخاص والعام والمطلق والمقيد والمحكم والمتشابه وفهم الأحاديث النبوية التي هي بمثابة المذكرة التفسيرية للقرآن الكريم.. وربط هذه الأحاديث بالقرآن كل ذلك يشكل فهماً وإبداعاً ولا يستطيع العقل الجامد أن يقوم بهذه المهمة.
إن الإنسان مسئول عن تصرفاته وأفعاله أمام الله.. فكيف يكون هذا الإنسان المسئول المكلف إنساناً لا يفكر؟ إن الإسلام يدعونا إلى الاجتهاد وإعمال العقل..ففي الحديث النبوي (( من اجتهد وأصاب فله أجران ومن اجتهد وأخطأ فله أجر )) والمسلمون الذين تفوقوا في العلوم والآداب دليل على العقلية المسلمة وبراعتها في التفكير والتدبر، أليست العمارة الإسلامية والهندسة الإسلامية وفن المعاملات التجارية تدل على تفكير عميق وإعمال كامل للعقل؟\"
ويضيف د. حسن شحاته:\" أن الإسلام يدعو إلى تغيير الذهنية، ويخاطب القوى المفكرة لا القوى الحافظة.. كما أن حفظ المسلمين لكتاب الله وللأحاديث النبوية لا يتناقض أبداً مع قدرتهم على التفكير وإعمال العقل والنقد والربط بين النصوص والاستنباط، أليست المذاهب الإسلامية الفقهية بما تحتويه من مناهج استنباط ومسائل رياضية كلها تفكير وفهم عميق وتدبر؟
العقل يتكون حسب الخصائص الشخصية والوسط الاجتماعي:
بينما تقول الناقدة والكاتبة الإسلامية صافي ناز كاظم:\" أن الكثيرين من أئمة الإسلام المجددين كانوا دائماً يحاربون التقليد الأعمى الذي هو تقليد المذاهب وتقليد المجتهدين بدون إعمال للنظر والعقل، وبدون استقلالية في النظر، وحتى العلماء المعاصرين المجددون كثيراً ما يوجهون الأنظار إلى عدم التقليد الأعمى\".
وهكذا فإن الإسلام كله مقاومة للتقليد الأعمى دون إعمال النظر والتدبر والعلماء المسلمون كثيراً ما انتقدوا الصوفية المبتدعة الذين يتبعون شيخاً معيناً ويقلدونه دون التبصر بحاله فهذا تقليد مذموم.. وإذا كان الغرب ينتقد المسلمين ويصفهم بأنهم عقول متبعة للنصوص وليست عقولاً مبتكرة فإن هذه المذمة موجودة لديهم في الغرب وليست بنت العقلية المسلمة، فالمذاهب الكبرى في الغرب سواء كانت دينية أم دنيوية كلها قائمة على التقليد وعدم الابتكار، والكنائس الأوروبية تخاطب أتباعها على أساس أنه عليهم السمع والطاعة والتنفيذ والخضوع.
كما أن العلمانية والمذاهب العقلية الغربية حينما أسست أحزاباً مثل الأحزاب الشيوعية فإنما أسستها على الطاعة العمياء للقائد الذي هو ملهم وعبقري، وحتى البروتستانتية التي قامت على عدم التقليد فإنها ما لبثت أن عادت وبنت كنائسها على التقليد.
وتضيف كاظم:\" أن اتهام العقلية المسلمة بصفة خاصة بالتقليدية لأنها قائمة على اتباع النصوص اتهام غير صحيح، فالأمر يعود إلى طبيعة الشخصية فقد يكون لدى الشخص قدرات عقلية جيدة، ويسعى لتكوين رأي مستقل.. وهذا الإنسان لن يكون مقلداً سواء كان مسلماً أو غير مسلم، أما إذا كان الشخص متواضع القدرات الفكرية فسوف يكون مقلداً حتى ولو كان علمانياً أو شيوعياً أو ملحداً.
كما أن قضية التقليد والإبداع ترتبط ارتباطاً وثيقاً بقضية التربية والوسط الاجتماعي الذي ينشأ فيه الطفل، فإذا نشأ الطفل في وسط اجتماعي يشجع العلم والتعليم والقراءة والمناقشة والنقد يتعود الطفل على الاستقلالية والنقد والتفكير وربما الابتكار والعكس صحيح، وإذا كان المقصود بالابتكار هو الابتكار العلمي فإن حضارة المسلمين مليئة بالابتكار في مختلف المجالات من هندسة وجبر وفلك وفيزياء وكيمياء وطب.. الخ. والحضارة الإسلامية مليئة بالفنون المتنوعة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد