العمل المؤسسي الإسلامي آمال وآلام


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 جمعيات خيرية ومنظمات وهيئات دعوية في أرجاء وطننا الإسلامي الكبير عانت ولا تزال تعاني الويلات وصنوف التشرذم والنزاع لا ينقص أصحابها فيما نحسب الإخلاص وحب الدعوة والتضحية، لا ينقصهم سوى العمل المؤسسي المنظم فظهر الشقاق والخلاف على السطح.

 

يمثل العمل المؤسسي الإسلامي الصورة المثلى الرائعة والراقية التي يطمح إليها جمهور الدعوة الإسلامية العريض ويتطلع إليها أبناء الأمة شرقاً وغرباً بعد أن عانت هذه الجماهير طويلاً من تقنين الظلم والعدوان والفوضى الإدارية والاستبداد الفردي على كافة الصعد في ظل هيمنة الفرد وغياب النظام وتهميش العمل المؤسسي أو إلغائه في بعض لا بل في كثير من الأحيان، وسيادة قانون الشخصانية والفردية أرجاء أمتنا بصورة تبعث على الألم والحسرة.

 

تتطلع الأمة اليوم إلى دولة المؤسسات وسيادة القانون واحترام النظم، ولعل أكثر الناس تحمساً لهذا النداء والأماني الشعبية هم الإسلاميون، بيد أن السؤال الذي يفرض نفسه هل حقق الإسلاميون فعلاً في مؤسساتهم سيادة القانون واحترام المؤسسات ومعاني الشورى والإخاء والإنتاج والنجاح ومواكبة العصر؟، و هل ألغيت من مؤسساتنا الإسلامية معاني الشخصانية والفردية، ؟! أم أن الأمر كما قيل ليس كل ما يريد المرء يدركه؟.

 

إنه وبنظرة ورؤية منصفة، لا ينكر أحد ذلك الزخم الشعبي والالتفاف حول المؤسسات الإسلامية كالجامعات والشركات والبنوك والمشافي الإسلامية والجمعيات... بصورة تسر الناظرين والمراقبين ومنصفي العالم مما لا داعي للإطالة والإسهاب في ذكره وتأكيده.

 

 لكن ورغم هذه الحقيقة الساطعة إلا أن ثمة عجزاً إسلامياً ملحوظاً نجده هنا وهناك في بعض مؤسساتنا يصل أحياناً إلى حد غياب العمل المؤسسي أو إلغائه، فيما هي أيضاً بدورها لا تخلو من الحديث الماتع عن العمل المؤسسي كصورة جوفاء لا حقيقة لها أو مجرد هيكل لا مضمون له أو أنشودة جميلة يرددها البعض وكفى.

إن غياب العمل الدعوي المؤسسي تسبب وللأسف في كثير من النكبات والجراح الغائرة التي يأبى الزمن أن يتجاوزها.

 

 إنّ التشخيص الحقيقي مثلاً لمشكلة النظام الإسلامي في السودان والنزاع بين الرئيس البشير والدكتور الترابي وتفاقم المشكلة بين الطرفين، إلى هذا الزمن، دونما حل، واشتداد حدة التنازع الذي وقع بينهما بعد نحو من سنتين من استلام الحكم، ما كان ليقع لو أن هناك دولة مؤسسات، أو احترام للعمل المؤسسي، لكن ما وقع في السودان إما سببه غياب النظام المؤسسي، أو عدم احترامه إن كان موجوداً مما أدى إلى هذا الجرح النازف والخلاف والشقاق والفشل.. وصل الأمر إلى حد التعاون مع الأجنبي ومحاولة إسقاط النظام الإسلامي في هذا البلد العزيز.

 

إن حركة طالبان كمثال آخر رغم إيماني بإسلامية هذه الحركة رغم ما فيها من تسرع، وتجاوز لسنن الكون ونصوص الشريعة، في الدعوة والتغيير، أعتقد أن من عوامل الهدم فيها غياب نظام المؤسسة وعدم إتاحة الحريات وعدم قدرة الحركة على مواكبة العصر حتى في أبجدياته وبدهياته، مما نجم عن ذلك السقوط المؤلم والمفجع.

 

قل ذلك كذلك في مؤسسات إسلامية أخرى وجامعات يرثى لحالها حين تجد رئيس هذه المؤسسة الإسلامية وحوله جيش من المراجعين والملتمسين \"نظرة يا سيد\" و كذا حَمَلة الأوراق والملفات يحسبهم الجاهل أنصاراً وأحباباً وطلاباً، لولا الملفات التي يحملونها ويحملون معها معاناتهم وملاحقاتهم الطويلة، في لحظة فرح غامرة من هذا المدير أو الشيخ بكل هذا الحشد من حوله، في صورة إلغائية فجّة للعمل المؤسسي الذي يتنادى به الجميع فيما يذبحه الجميع إلى غير قِبله.

 

جمعيات خيرية ومنظمات وهيئات دعوية في أرجاء وطننا الإسلامي الكبير عانت ولا تزال تعاني الويلات وصنوف التشرذم والنزاع لا ينقص أصحابها فيما نحسب الإخلاص وحب الدعوة والتضحية، لا ينقصهم سوى العمل المؤسسي المنظم فظهر الشقاق والخلاف على السطح، ولو كان ثمة أجواءاً من احترام المؤسسات والنظم وإتاحة فرصة للعمل الجماعي الشوروي المدروس لما وقع هذا التهارج والتصارع أحياناً.

 

ألا ما أحوج رواد الدعوة الإسلامية المعاصرة إلى تنظيم وترتيب أوراقهم الداخلية وتصفية صفوفهم، ومأسسة أعمالهم وهيئاتهم الداخلية، والتخلص من الفوضوية والفردية والنزعة الاستبدادية وتجاوز نظام الفرد الضيق المستبد المستأثر بكل شيء إلى نظام المؤسسة الجماعية الشوروية العادلة، ذات الأفق الرحب والواسع، ليقدم هؤلاء الرواد بذلك لأبنائهم وتلاميذهم ولأمتهم وللدنيا المثل الإسلامي الصادق في الشورى والحرية والعدالة والسلام.

 

 لا يمكن أن تتحقق كل هذه الأماني والأحلام الوردية الجميلة ما لم يكن هناك وعي وفهم عام وشامل لكل الأمة بمختلف فئاتها وشرائحها تسهم في صنعه وإحيائه في الأمة من جديد كل وسائل التوجيه والإرشاد.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply