بسم الله الرحمن الرحيم
ما هو الضابط للتفريق بين الأنظمة الإدارية وبين الأنظمة التي تعد من باب تحكيم القانون الوضعي؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فلا شك أن هذه المسألة من المسائل التي قال فيها ابن القيم – رحمه الله -: (هذا موضع مزلة أقدام، ومضلة أفهام، وهو مقام ضنك، ومعترك صعب، فرط فيه طائفة فعطلوا الحدود وضيعوا الحقوق، وجرؤوا أهل الفجور على الفساد، وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد محتاجة إلى غيرها، وسدوا على أنفسهم طرق صحيحة من طرق معرفة الحق والتنفيذ له، وأفرطت طائفة أخرى قابلة هذه الطائفة فسوقت من ذلك ما ينافي حكم الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم - .الطرق الحكمية ص 13 – 14، وقال: (وكلا الطائفتين أبانت عن تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله – عليه السلام - وأنزل به كتابه، وأنا أقول فيها برأيي وما أراه الحق فإن كان صواباً فالحمد لله وإن كان خطأ فأستغفر الله، والله تعالى بريء من ذلك ورسوله – عليه السلام - ودينه وشرعه.
وأقول التشريع الإلهي اسم ينتظم كل ما شرع الله من العقائد والأعمال في كتابه العزيز، أو في سنة رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - نصاً أو دلالة).
وهذا شامل لكل ما العباد بحاجة إليه في شؤون حياتهم الدينية والدنيوية من حفظ الدين والنفس والنسل والعقل والمال، كما قال تعالى: \"ما فرطنا في الكتاب من شيء\" [الأنعام: 38] وهذا التشريع بهذا المعنى هو خالص من الله تعالى لا يجوز أن ينازع فيه، ولا يقتصر على موضوع دون آخر فإن الله تعالى قد أراد أن تكون شريعته هي المهيمنة، وأن لا يخرج عنها البشر في اجتهاداتهم، أو تدابيرهم، أو تنظيماتهم، وهي بهذا المعنى ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان، ولا يعني هذا أن تنطق النصوص الشرعية بكل شيء، بل الشرط أن لا تخالف، فإن خولفت على سبيل الاستقلال عنها المضاهي لها كان ذلك تشريعاً وضعياً اعتدى صاحبه على حق الله تعالى، والتنظيمات الإدارية وهي ما يسمى عند المتقدمين بالتراتيب الإدارية والأحكام السلطانية والسياسية الشرعية فهي الإجراءات التنفيذية والاجتهادات البشرية لتحقيق تنفيذ التشريعات الإلهية والمصالح الشرعية، فالتشريع لله بهذا المعنى ملزم لا يجوز به الاجتهاد ولا يسوغ فيه الخلاف بخلاف التنظيمات الإدارية فهي خاضعة للاجتهاد البشري المتغير والخلاف، والتغيير فيها سائغ حسب الزمان والمكان والحال، وهذه التنظيمات تأخذ الصبغة الشرعية من حيث إنها لا تكون إلا فيما أباح الله تعالى وسكت عنه، وفوض البشر للاجتهاد لتحقيقه، وأنها لا تخالف ولا تضاهي التشريع الإلهي في أي صورة من صور المضاهاة والمخالفات، وعليه فحكمها أن ما كان منها محقق لما دل عليه الشرع وإن لم ينطق به وغير مخالفٍ, له فهذا يعمل به، وما كان منها مخالف للشرع فهذا لا يجوز العمل به ولا تسويغه. والله أعلم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد