يممت وجهي شطر الغرب، لأقضي بعض الأرب، وفي إسبانية ألقيت عصا السمار، فما عاد يتغير إلا الليل والنهار، أحلام بلون الزهر، وأطياف جامحة تتراقص لعيني.
يـا أهـل أندلس لله دركم * * * ما جنة الخلد إلا في دياركم
مـاء وظل وأشجار وأنهار * * * ولو تخيرت هذا كنت أختار
تتبعثر الكلمات روتينية الحروف، وبمداد قلم نزع الترحال عمره، وبددت الحضارات أوقاته، نلهث وراء سراب، حتى إذا أدركناه لم نجده سوى أوهام تتبخر عند أول نظرة قربه، لعمر الله بت أرضى من الغنيمة بالإياب
حياة رغد وعمل قصد، وانغماس في الدعوة حتى أعلى الرأس، لكن ما إن لامست قدماي أرض الواقع، حتى تصاعدت الحسرات وعلت الزفرات.
في إسبانية ربوع أندلسنا الحبيب والفقيد، كان الظن أن العمل الإسلامي له عبق خاص تفوح به أرجاء المكان، والجو لابد أن يكون مفعماً بالأمل، وذاكرة التاريخ لن تبخل بإشراقات تضيء الدرب، هنا عاش عالم، ومن هذه المدينة نبغ مفكر، وخلف هاتيك السارية، رشف طلاب العلم الشهد..حوافز تولد دوافع كفيلة أن تحمل عجلة الدعوة لتعمل ليل نهار..
بيد أن الواقع، أطلال درست، ومرابع خلت، وسماء ملبدة، وحفر وسدود، رحل الرواد، وأقفرت العرصات، وأظلم النادي، وخَلَفَ أولئك الأفذاذ أقزام بالعقول وبالهمم، لا يعني لهم معلم شيئاً، إلا تناتيف في زوايا الذاكرة، لا يفقهون بوح التاريخ وهو يرن في عقولهم.
ترى أهو انقطاع من الموصل؟ أم ضعف ووهن من المستقبل، أخطو إلى سنتي السابعة، على أرض علمت العالم.
ولا أزال في حيرة من أمري، ثمة خلل، أرى قطعاناً شاردة، كل له وجهته، وكل راض عن وضعه، وواقع يئن من الفرقة، ويشكو قلمه الحيطة، ويتحسر على فرص تمر مرور البرق.
أدعياء علم.. ورُوَيبضات علا صراخهم
وأراك تفعل ما تقول وبعضهم * * * مذق الكلام بقول مالا يفعل
ومثقفون تقنيون في كل شيء إلا في أفياء الدعوة، وتجار خبروا طرق الدنيا حتى الممنوع، وعمال استنفد العرب عرقهم وعروقهم. \"ولكل وجهة هو موليها\".
تفحصت ومحصت، وقرأت، وقارنت، فإذا هي وساوس المناطقية، ومخالب الحزبية، ودوافع المصلحية، آمال تدنو ما تلبث أن تطير كأنها طيور وحشية تخشى الاقتراب، ومعالم يصعب فك رموزها بعد أن لفها الضباب لأن جهودنا أقل من صغيرة، ووسائلنا جد حقيرة، بليت وعلاها الصدأ وما عادت أجزاؤها قابلة للعمل، فالمفاصل متكلسة، ووأد التفكير، وعقم الإبداع، وبين انفصام الحلم والواقع، نعيش الألم والأمل.
متى نضع الكف بالكف، حتى يستوي الصف، ونبحث عن الإخلاص، لنسلم من الأرجاس، أجنحة الأحلام تحولت بقدرة شيطان إلى زعانف، توجه الدفّة، لابد من الاحتراف بعيداً عن الهوايات، وتسديدات من غير رمايات، غشاوة بالبصر، وضعف بالبصيرة، قرارات آنية، وردود أفعال، وارتجال في ارتجال.
تعالوا نتعلم مسك القلم، ونخط على الورق، ونرسم ونلون ونحسب ونقيس، هذا هو سلم الارتقاء إلى الآمال.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد