سطر بوفاء معطرٌ بعبق ذكرى.. لكل من علم.. ورسم طريق هداية بدرس ٍ, قد فطن له أو لم يفطن.. حسبي أنه رسم.. وغرس.. ومضى ليسلم راية علم.. وعمل.. ودعوة.. لتهدي حائراً.. وترشد ضالاً..
حروف وفاء.. رأيت وقد أكون تعجلت.. بمداد.. لكن القلب المحبّ حداني أن أنقش في صفحة امتنان لكل من علمّ... ومضى... ورسم طريق هداية قبل أن تؤذن شمس المغيب برحيل..
(1)
صوت ذلك الشيخ كان رخيماً يخترق سحابات رمادية اللون تخلق مزيجاً من تعلق بدنيا في قلب ٍ, ينازع بين ما يشتهيه وما يراد منه.. !!!!
بل كان يمعن إسقاطاً لبناء لم يقم على أساس رسوخ.. !!!
.. كلمة التوحيد\" لا إله إلا الله\" كانت تنطلق من فيه الباسم أو الواجم أحياناً بشرود فكر متأمل في فضاءات العلو لتحلق بقلب سامعه علواً فكأنما هو في دنيا غير دنياه.. وحين يعاود ذكراً فكأنما تهتزّ جدران القلب لتسقط كل ما هو ليس بحقيقة.. وتتهاوى الزائفات لتعلن تذبذباً أو تهمّ برحيل..
كان يرسم دروساً وهو لا يعلم.. بكل عذب حديث غير متشدقٍ, ولا متفيهق قد حمل أسفار العلم في صدر تسابق لحال صدق ليرسم للصادقين أن الطريق أوله علمٌ وأوسطه عمل وآخره دعوة وثبات واستقامة على منهجٍ, أصيل.. فسقى ذلك القلب بماء يقين ورسوخ..
\" نحسبه والله حسيبه ولا نزكي على الله أحداً\" ومضى ذلك الشيخ متلفعاً بعباءة ذلّ وانكسارٍ, لمولاه. ليعطي درساً في الأدب..
فتفيض تلك الهيبة والإجلال التي غشت قلب مشفق لعظمة مولاه لتملأ المكان هيبةً. بتخشعٍ, وسكون..
ويزداد شعور الهيبة الساكن في نفسك ليحثك على التحرر من أسر قيد.. لتطمع في حياة أبية متحررة من أسر شيطان.. محلقة في فضاءات العبودية للواحد الديّان.. وكفى!!!
وتدمع عين الشيخ لترسم قطرات من نور تشق طريقها لقلب متسائل..
حائر.. !! حين ترى تلك الدمعات تتسابق هطولاً بحرارة ليشرق صاحبها بدمع الوجد.. والشوق.. في محراب علم ٍ, يتلى فيه حديث حبيب قد سبق..
من مشكاة وحي.. فتتوالى كلمات القاريء طرقاً على قلب رقيق كقلب طفل، فينتفض انتفاض الطير حين تغشاه برودة ماء..
يهتز قلبه شوقاً للقاء حبيب.. قد استعذب الطريق الشائك ليحظى برفقة نازعت قلب سابق ٍ, في الصحبة والمحبة سبقه شوقه ليبادر حبيبه بسؤال رفقة \" أسألك مرافقتك في الجنة\" ليجيبه: \" أعنّي على نفسكَ بكثرة السجود\" وهاهو الزمان يعاود رسم صورة بديعة لذلك الإمام الراسخ حينما تلا القاريء في مجلس علمٍ, \" قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -\"... لتطرق قلب الشيخ طرقاً فتتهاوى عزائم صبر.. لتعلن ميثاق حب وتضيع الكلمات بين شلالات دمع تغرق هطولاً.. توقف درساً.. وتعلو دهشة.. ويسابق سؤال مستعلم مستفهم..
\" ما الذي أبكى الشيخ؟؟!!
فيتسابق دمع ممزوج بنشيج حب.. ويكرر السؤال ليرسم للمحبين طريقاً هو طريق الاتباع لاطريق الابتداع والادّعاء فتنطلق كلمات فرت من قلب ينازع شوقاً. ولا يستطيع... \" اشتقت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -\"...
وبذكر الله الذي كان يجري على لسان كأنما طوّع له تطويعاً فانساب من فمه عذباً رقراقاً يروي ظمأ محب لم يغفل عن ذكر محبوبه ويبصر بعين قلبه ما لم تراه أعين المبصرين.. !!!
لم تسمعه يوماً قد كلّ عنه يسابق عمره.. فيمتد بعمره أعماراً مباركة..
و يبذر بذراً نورانياً في أرض الزمن القاحلة من حياة لتستحيل له دنياه ربيعاً.. مخضّراً فتحيط به الرياض الناظرة وبمن حوله. ليستعذبوا معه نسائم ذكر يسابق إليها خلق من خلق الله.. ليطرودا وحشة وليحملوها إلى مولاه.. فتتنزل بركات أنس ٍ, لتعمّ المكان فتعطي درساً لمن يريد اقتداء\" أنا جليس من ذكرني وتحركت بي شفتاه\".. فإذا استحالت أرضه روضة غناء تفنن في غرس تسبيح يقطع به وحشة ويعمر داراً هناك أرضها قيعان.. غراسها لاإله إلا الله.. والحمد لله... وسبحان الله.. والله أكبر..
ولا حول ولا قوة إلا بالله...
كان يخط بصوته الشجي دروساً في عمق الزمن لترسم للتواضع طريقاً سالكاً عسر على صغار همة.. سلوكه أو المحاولة مضياً فيه فتسابقوا لنيل شرف واهم ثمرته لم تنضج بعدُ ذلك لأنها لم تسقَ بماء الإخلاص ولم تتعهد ببذل نفس لمولاها بافتقار،،، فما كان منها إلا السقوط على جنبات الطريق الذي ضلّ اقتفاء خطوٍ, قد سُبقَ إليه.. ونفوسٌ لم تفطن لحقيقة كان يرسمها في خطوه الواثق المتواضع لله رب العالمين.. أن \" من تواضع لله رفعه\" وأنّ \" من عظم في عين نفسه صغرَ في أعين الخلق\"
ويرسم لك الشيخ - رحمه الله - غرساً في نفسك كي لا تتعاظم وتغتر.. وتُبعد عن مسار.. بأدبّ جمّ لا ينازع فيه المولى سؤالاً عن حكمة.. بل يذعن في عبودية الانقياد لينقش لك في أرض الإيمان مبادئ غرس تعهده بسقيا الأدب أن الرب لا ينازع سؤالاً.. ولا يُسئل عن حكمة... ((لا يُسئلُ عمّا يفعلُ وهم يُسئلون))...
وها أنت ترحل أيها الشيخ ليسقط نجم من نجوم السماء ومصباح في الدجى مضيء لينطفىء في سماء الكون لكنه لم ينطفيء في قلوبنا.. ))**
** سطر الوفاء خطّ للشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
(2)
ومن بوابةِ الحبِّ الُمشرعة.. لنجوم ٍ, تُقتدى... و نماذجَ ُتحتذى.. تربّع الشيخُ - رحمه الله - للدرسِ.. مستكيناً لهيبةِ علم، بين أفواج طلاب ٍ,، أتت من أصقاع وبقاع بعيدة.. رحلة في الطلب. ورغبةً في الأدبِ.. فبلغَ بعلمهِ الآفاق... وتجاوزَ بها إلى القلوبِ المتعطِّشة لنهلِ علمٍ, وأدبٍ, من معيٍ,ن لا ينضب..... فطرقَ بسطرهِ كلّ عقلٍ,.. اعتلاهُ صدأَ شُبهةٍ,... وتراكمَ على ذهنهِ المصروفِ غبار غفلةٍ,.. فتبلّد.. وتلبّد... وتوقف عمر الزمن في حياةٍ, عبدٍ, لتكونَ كغيرها من الحيوات.... بل ليكون رقماً في تعداد ِ أرقامٍ,.. تملؤ خانات ٍ,ولاتحملُ حقيقةَ معاني...
ومن مجلسِ الشيخ... يستقبلُ طلابَ علمِ... بانشراح ٍ, وسرورٍ, يعلو محيّاهم... أوائلَ قطفٍ,.. ليسابقوا في جني ثمر.. ونيلِ بركةِ رزقٍ,.. ببكورٍ, كبكورِ غراب ٍ,.. وشدوّ بلبل ٍ, صّداح. يستحثّهم في الطلب.... ويتكلم الشيخ ليزيح بكلماتٍ, نورانية من وحيّ كتابٍ, ومشكاة نبوّة تخرج من فيهِ لتقشعَ حُجبَ بلادةٍ, عن أذهان..
وتفتّر ثغورَ طلابٍ, في مبادئ طلبٍ,.. ليزاحموا بالركبِ جسدَ الشيخِ ليكون كُلٌ منهم أول من ينالَ من هبات ٍ, وعطايا.. ويعمرُ الفؤادَ بجميلِ ذكرٍ, وحلاوةِ بيانٍ,.. فتعجبُ من قبح دنيا كيف استحالَ جمالاً بحلاوةِ صحبةٍ, وكنوزِ ملازمةٍ, تُقطِّعُ الزمانَ العجيبَ لتترحّلَ الأيامَ تترا.. بوافرِ زادٍ, من علم..
ومن شمس ٍ, تُودِّعُ َطللاً.. تؤذنُ بمغيبٍ,.. وتُعطي حيَن غيابٍ,... درساً للسائرِ ألّا مُقام في دنيا خدّاعةٍ, غرّارةٍ,. تعبث بقلوب.. فتُحبسُ أجساد وأرواح عن عمل.... ويجفٌّ مدادَ عمرٍ, وتُطوى َصحيفة.. ويسلمُ نهارُ يوم ٍ, وديعةً لليلٍ, قد لا يؤذنُ بصباحٍ,.. إذ نادى منادي القومِ... قد حان َالرحيلُ.. قد حانَ الرحيلُ.
. ويرسم الشيخ بصدق ِحالٍ, حقيقةَ زهدٍ, في حطام دنيا.. حكايةً وروايةً تُسطّرُ بمدادِ رسوخٍ, لأجيالٍ, تكالبت أكبادُ أبنائِها من أنصافِ متعلمينَ على أغراضٍ, وأعراض.. فحرَفت رياحَها مراكبَهُم عنِ المقصودِ.... فعاشت تقاسي الألم في أرض ِ التيهِ تنادي ولا سامعَ لصوت..
رواية صدقٍ, تُكتب بمدادِ حقيقة.. تسنّمت المعالي... ولفظت فُتاتَ موائدَ لتعلو... وتكونَ نجماً متألقاً في سماءِ العلم بل في قلوبنا المحبّة.. لترسمَ لطالبِ أخرى.. طريقَ زُهدٍ, وورعٍ, في دراهمَ معدودةٍ,.. تفسدُ نفوساً... جرَت ِلهاثاً وراءَ لعاعةٍ,.. فلم تبالِ بما يُفسد البناء.. ويقوّض أركانه.. فكان هو.. ذلك الشيخُ الزاهدُ الورع..
يقرؤها الأجيال حيَن تمرٌّ أبصارهم بدار طين ٍ,. تزهد فيها عين الناظر عن تسنّم... تعطي درساً لكل مارٍ, بدنيا.. كذلك الدرس الذي خطّه - صلى الله عليه وسلم - في فؤادٍ,.. وضربَ بمنكب.. ليعلُم الفتى عبد الله بن عمر رضي الله عنه\" أنّ الأمر أعجل من ذلك\" فلا تضيّع العمَر في إصلاحِ حطام.. وأنّ الدنيا دار الراحل... فلا مقام ف((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)).. ولا تستوطن..
.... صوته الرفيق الشفيق يسجّي المكانَ بدثار هيبة.. وروحٌ.. رفيقة تداعب المرح المستتر في عين باسمة.. عن مجلس هيبةٍ, في نفوس ِصغار.. بروعةِ عذب ِحديثٍ,.. يبني به بناء العلم الراسخ في قلوبٍ, غضة.. ويحوطها بكريم ِرعاية. فيحبّبُ النفوسَ في الطلب.. ويرغب الأبناء في ثني الٌّركب لمجلس علم. تبسط ملائكة أجنحة رضىً بما يصنع الطالب.... قائدهُ قلبُ مشفقٍ,.. اتشح فؤاده برداء أبوّة... وحمل عصا التعليم الواعظة.. ليرشد هذا.. وينصح هذا.. ويحلّي هذا بحلية طالب علم فيُلبسهُ تاج فضيلة،،، وينهاه عن رذيلة... تعكر صفو طلب.. وتحلٌّ نظمَ عقدٍ, بسوء أدب..
كان يخط ببنان العالم ميثاق اعتصام ويرسم لغيره منهاج اقتفاء.. ولو رأيته لرأيت هيئة قليلة تغذ خطا التواضع. بعزمٍ, وحزم.. ماضٍ, في هدف.. وإن تعكر عليه صفو أيامه ببلاء. صابرٌ شاكرٌ نحسبه والله حسيبه... يقطّع طريق دنيا موحش.. بتلاوةِ وردٍ,.. يزيل وحشة مسير. فيطوف في رياض الذكر فؤاد... ليمضي إلى رياض العلم والفقه والطلب.....
ويرحل الشيخ.. وصوت متقطع بحبّ درس يفيض بخير. يودِّع... ليرسم أثراً في القلوب أنّ البلاء في هذه الدنيا مهما طال سينقضي وأنّ العبد في مسابقة لتهيئة زادٍ, حتى آخر رمق...
وها أنتَ أيها الشيخ المعلم المربي.. ترحّلت.. وقد بكتك قلوبٌ وأعينٌ... فأوحشت دنيا وأفل نجم.. فرحمك الله رحمة واسعة وجزاك الله عن الإسلام والمسلمين خيراً كثيراً حتى ترضى..
** سطر الوفاء للشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -..
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد