اللحن واللحانون


 

بسم الله الرحمن الرحيم

قال بشر بن مروان - وعنده عمر بن عبد العزيز- لغلام له: ادعُ لي صالحاًº فقال الغلام: يا صالحاً.

فقال له بشر: ألق منها ألف.

فقال عمر بن عبد العزيز: وأنت فزد في ألفك ألفا!

قلت: انظر: أيهما أعجب لحن الغلام أم لحن بشر؟

سترى أنَّ بشراً استدرك لحن الغلام حين قال: يا صالحاً وكان واجباً عليه أن يقول: يا صالح..

لكنَّ بشراً غفل عن لحن نفسه حيث قال للغلام ألق أي من صالحاً ـ ألفº وكان واجباً أن يقول: ألق منها ألفاً.

ولذا عُدّ من الحماقة أن يتعالم المرء ويدعي الفقه والفهم في فن من الفنون قبل أن يتبحر فيه ويلم بجوانبه وحدوده ومسائله!

واللحن نقيض الإعراب فالفاعل مرفوع أبداً فمن نصبه فقد لحن، والمفعول به منصوب دائماً فمن نصبه فقد أعرب.

فالنحو والإعراب زينة الكلام وحليته، وجماله وبهائه على حدّ قول القائل:

إقتبسِ النحو فنعم المُقتَبَس *** والنحو زينٌ وجمالٌ مُلتَمس

صاحبُه مُكرّمٌ حيث جَلَس *** من فاته فقد تعمّى وانتكس

كأنَّ ما فيه من الِعىّ خَرَس *** شتان ما بين الحمار والفرس

 

ولذا ذمّ العلماء والأدباء والفصحاء من لا يحسن الكلام، ولا يجيد الإعراب فيخلط خلط الأعاجم، قال الشاعر:

وكم من ماجد أضحى عديماً *** له حُسنٌ وليس له بيانُ

وما حُسنُ الرجال لهم يزينٍ, *** إذا لم يُسعد الحُسنَ اللسانُ

 

ولقد نشأ اللحن مبكراً، وربّما في القرن الأول حين انتشرت الفتوحات الإسلامية، ودخل الأعاجم في الإسلام بلغاتهم الأعجمية، وأخذوا يتعلمون العربية لشدة حاجتهم إليها، فمنهم من أجاد ومنهم من أخفق فاختلط إعرابهم بلحنهم، وبمرور الزمن وقلة العلم، وتفشي العامية أصبح اللحن هو فارس الميدان واستحيا كثير من المعربين من الحديث بكلام معرب، مراعاة لخاطر السواد الأعظم من اللحانين!

 

قال الجاحظ: \"وأول لحن سمع بالبادية: هذه عصاتي، والصواب: هذه عصاي، وأول لحن سمع بالعراق: حيِّ على الفلاح وصوابه حيّ بالفتح \".

 

وقد خطب الوليد بن عبد الملك.. وكان لحّانة ـ فقال: ((ياليتها كانت القاضية)) بضم التاء، وكان عمر بن عبد العزيز حاضراً فقال: عليك وأرحنا منك!

 

ومن طرائفهم في استهجان اللحن ما رُوي أنَّ رجلاً استأذن على إبراهيم النخعي فقال: \"أبا عمران في الدار؟ فلم يجبهº فقال أبي عمران في الدار؟ فلم يجبه فناداه:قلِ الثالثة وادخل أي: قل: أبو عمران في الدار لأنه لم يبق غيرها، فتأمل! \"

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply