نحن ورمضان


بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن ما أوردناه من حقائق علمية صارخة تؤكد فائدة الصيام للبدن، بل وضرورته القصوى لحياة صحية سليمة، تبين لنا أن ما فرضه الرب - سبحانه وتعالى - علينا من صوم رمضان ليس إلا دورة سنوية وقائية هامة، تقي من التزم بها من كثير من الأمراض وخاصة من آفات الشيخوخة، علاوة على كونه علاجاً للعديد من الأمراض. وتؤكد لنا الإعجاز في الحكمة النبوية القائلة: \" صوموا تصحوا \".

 

طلب أبو إمامة - رضي الله عنه - من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً أن يأمره بعمل ينفعه الله - تعالى - به فقال - عليه الصلاة والسلام -: \" عليك بالصوم فإنه لا عدل له \"، وكرر أبو أمامة الطلب فقال - صلى الله عليه وسلم -: \" عليك بالصوم فإنه لا مثل له \"، وكرر أبو أمامة الطلب فقال - صلى الله عليه وسلم - ما قاله في الرمة الثانية ثم قال: \" إنما الصوم جنة \".

و في رواية للبخاري يقول - صلى الله عليه وسلم -: \" الصيام جنة فإذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث ولا يجهل.... \" وجُنة: أي وقاية بين المسلم وبين ما يؤذي روحه ونفسه وجسده عاجلاً أم آجلاً.

إن ما قرره علماء العقيدة من أن نزول الشرائع السماوية إنما كان من أجل حفظ الضرورات الخمس والتي لا تقوم الحياة بدونها، وعدّوا منها \" حفظ النفس \". و جاء العلم ليؤكد لنا حكمة الصيام في حفظ النفس وضرورته لحياتها القويمة. فما أعظم التوافق والتناغم بين الحكم الشرعية، و الحقائق الطبية، وإن كنا نؤمن ونؤكد، بأن على المسلم أن يؤدي هذه الفريضة، عبادة لله، وطاعة له، ابتغاء مرضاته واتقاءً لسخطه، سواءً أعلم الحكمة منها أم لا، فهو موقن منذ أن آمن بالرسالة بأن أوامرها ليست عبثاً.

 

و نحن المسلمين لو اتبعنا النهج الصحيح في صيامنا من ناحية تناول الوجبات وإحقاق التلازم والتناسب المطلوب في معدة خاوية طوال النهار بعدم إرهاقها في طعام الفطور وعدم الإسراف في تناوله، كماً وكيفاً، أي تعدد أنواعه والتي يراها البعض من مستلزمات رمضان، والشرع من ذلك برئ، يمكن أن يحقق لنا الصحة والسلامة. فالنهم والبطنة والسرف من الأمور التي ينهي عنها الشرع في كل حال \" وكلوا واشربوا ولا تسرفوا \" فكيف بنا في رمضان، شهر الصبر والتقشف.

إن الصيام الذي لا يحقق معناه الإلهي، فلا يشعر الصائم بأنس عبادته ولا يفتح قلبه لذكر مولاه، ولا يهذب نفسه، ولا يقوم أخلاقه، ولا يروضه على الصبر والذي لا يحقق معناه الصحي، فلا يكون حمية أو علاجاً، لا بطنة فيه ولا إسراف في طعام أو شراب. فهو صورة الصيام لا حقيقته، والعيب في ذلك على المسيء في صومه لا على الصيام نفسه.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \" رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع \" [رواه النسائي وابن ماجة وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري]

 

فعلى المسلم أن يلحظ في صيامه الحكم الروحية والجسمية من الصيام وأن يلتزم الاعتدال في طعامه وشرابه ليحظى بالثواب الكامل وينعم بالصحة الموفورة. وإليك يا أخي بعض النصائح المستلهمة من المأثور مما صح عنه - صلى الله عليه وسلم - وما يتناسب معه من نصائح طبية قيمة [بتصرف عن الدكتور النسيمي]:

1. عن انس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: تسحروا فإن في السحور بركة \" [رواه البخاري ومسلم].

قال القاضي عياض: قد تكون هذه البركة أخروية وهي ما يتيسر من ذكر أو صلاة، أو دنيوية وهي التقوى على الصيام بقليل من الزاد والماء.

عن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \" السحور بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين \" [رواه أحمد، قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح إلا أبو رفاعة، ولم يجد من وثقه أو من خرّجه].

2. لا تنم عقب وجبة السحور مباشرة فإن ذلك قد يعرضك لاضطرابات هضمية وما يتبعها من اضطراب في النوم، ويخطئ من يطيل السهر في رمضان ثم يجعل سحوره آخر سهرته ثم ينام معرضاً نفسه للتخمة والوهن واضطراب الهضم.

روى الطبراني في الكبير بسند صحيح عن ابن عباس، سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: \" إنّا معشر الأنبياء أمرنا بتعجيل فطرنا وتأخير سحورنا \" [الزرقاني].

3. الصائم الضعيف البنية يمكن أن يقتصد من جهوده النهارية بالنوم ساعة من نهار، إذ أن صرف الطاقة في البدن يقل إلى النصف أثناء النوم.

4. عن سهل بن سعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \" لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر \" [رواه البخاري ومسلم].

و قال ابن عبد البر: أحاديث تعجيل الفطر وتأخير السحور صحاح متواترة.

5. عن أنس - رضي الله عنه - قال: \" كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء، [رواه الترمذي وحسنه].

و عن سلمان بن عامر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور \" [رواه الترمذي وقال: حديث صحيح].

و التمر سريع الهضم، يمتص سكره بسهولة. والأمر النبوي بالإفطار على التمر من الإعجاز العلمي فهو الأهم لتعويض الكبد مدخراته من الغيلكوجين بسرعة والتي يخسرها أثناء الصيام. وفي المذهب الحنفي فإن أي سكر يفي بالسنة.

6. إذا أكثرت من السوائل عند الإفطار فتريث في طعامك حتى تفرغ معدتك منها وليكن ذلك بأداء صلاة المغرب. أما إذا اشتهيت الطعام فقدمه على الصلاة على أن لا تكثر من السوائل عند فطرك.

عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \" إذا قدم العَشاء فابدؤوا به قبل صلاة المغرب ولا تعجلوا عن عشائكم \" [رواه البخاري ومسلم].

7. لا تكثر من الطعام أثناء الإفطار بحيث يمتلئ جوفك، فإن الإسراف إذا كان مضراً بشكل عام، فضرره أكبر بعد ساعات الصيام، ويمكن أن يؤدي إلى التخمة وتلبك في الهضم.

8. إن في صلاة العشاء والتراويح في رمضان نشاطاً عاماً للبدن، وهي معينة للمعدة على هضم طعام الإفطار وتنشيط عمل المعدة والأمعاء.

9. لا تنسى دعاء الإفطار قبل اللقمة الأولى، فهو يفيض على النفس البشرية الطمأنينة بالإمداد المستمر من الرازق المنعم، وهدوء الأعصاب يساعد أيضاً في اكتمال عملية الهضم بيسر.

عن عبد الله بن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أفطر قال: \" اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله \" [رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن].

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply