ابن دريد والمقصورة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

هو أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي من أزد عمان.

ولد في البصرة سنة 233هـ، وأخذ العلم عن أبي عثمان الإشنانداني وأبي حاتم السجستاني وغيرهما، وذهب إلى الأهواز وصحب واليها عبد الله بن ميكال مؤدباً لابنه إسماعيل، وتولى ديوان فارس ورجع ابن دريد إلى بغداد وأصيب، وأصيب بالفالج في آخر عمره وتوفي سنة 321هـ.

وكان ابن دريد عالماً باللغة والأدب وله كتاب الجمهرة وغيره وله ديوان شعر، وكان ناقداً وشاعراً، أخذ العلم عن جماعة من العلماء منهم: السيرافي، والمرزباني، وأبو الفرج الأصفهاني، والقالي، والزجاجي، وابن خالويه.

وقد حصل بينه وبين بعض معاصريه ما يحصل أحياناً بين العلماء ومن طريف ذلك ما حصل بينه وبين نفطويه النحوي فقد تهاجيا قال فيه نفطويه:

 

ابـــن دريـــد بــقـرة *** وفــيـه عـــي وشــره

ويــدعـي مــن حـمـقه *** وضــع كـتـاب الـجمهرة

 

وهو كتاب العين إلا أنه قد غيره

 

فقال فيه ابن دريد:

لو أنزل الوحي على نفطويه *** لكان هذا الوحي سخطاً عليه

وشاعر يدعى بنصف اسمه *** مستأهل للصفع في أخدعيه

أف عـلى الـنحو وأربابه *** قد صار من أربابه نفطويه

أحـرقه الله بـنصف اسمه *** وصير الباقي صراخاً عليه

 

المقصورة

كان يقال ابن دريد أشعر العلماء وأعلم الشعراء.

وأشهر ماله هذه المقصورة.

وسميت بالمقصورةº لأن آخرها ألف مقصورة، ويقال: إنه أحاط فيها بأكثر المقصور، وتبلغ مائة وستة وأربعين بيتاً.

ونظمها يمدح الشاه ابن ميكال وولده.

ولروعة هذه القصيدة فقد أطلق عليها (الملعونة) يقال: لأن كل من سمعها قال: لعنه الله ما أشعره.

وقد اعتنى بها جماعة من العلماء بالشرح والتحليل والإعراب، وألفت فيها كتب وأقيمت حولها دراسات، وقد اعتنى بها خلق من المتقدمين والمتأخرين وممن شرحها: الفقيه أبو عبد الله محمد بن أحمد اللخمي السبستي، وشرحها الإمام القزاز، والخطيب البغدادي، وهناك (شرح مقصورة ابن دريد وإعرابها) للمهلبي ت 572هـ.

وما قال في مقصورته:

يـا ظـبية أشـبه شيء بالمها *** ترعى الخزامى بين أشجار  النقا

أمـا تـري رأس حـاكى لونه *** طـرة صبح تحت أذيال الدجى

واشـتعل الـمبيضَ في مسوده *** مثل اشتعال النار في جذل الغضا

إن الـجديدين إذا مـا اسـتوليا *** عـلـى جـديد أدنـياه لـلبلى

والـناس كـالنبت فـمنه  رائق *** غـض نـضير عوده مر الجنى

ومـنه مـا تـقتحم الـعين  فإن *** ذقـت جناه انساغ عذباً في اللها

وهـم لـمن أمـلق أعـداء  وإن *** شـاركهم فـيما أفـاد واقـتنى

مـن لـم تـفده عـبراً  أيـامه *** كـان العمى أولى به من  الهدى

والـناس ألـف مـنهم  كـواحد *** وواحـد كـالألف إن أمر  عنى

ولـلفتى مـن مـاله مـا  قدمت *** يـداه قـبل مـوته لا ما  اقتنى

وإنـما الـمرء حـديث  بـعده *** فـكن حـديثاً حـسناً لمن  وعى

والـلـوم لـلـحر مـقيم  رادع *** والـعبد لا يـردعه إلا  الـعصا

وآفــة الـعقل الـهوى فـمن *** عـلا عـلى هواه عقله فقد  نجا

إذا بـلوت الـسيف محموداً  فلا *** تـذممه يـوماً إن تـراه قد  نبا

والـدهر يـكبو بـالفتى  وتارة *** يـنهضه مـن عـثرة إذا  كـبا

لا تـعجبن من هالك كيف  هوى *** بـل فاعجبن من سالم كيف  نجا

 

وقد عارض هذه القصيدة جماعة من الشعراء بقصائد جدية وهزلية مثل أبي القاسم علي بن محمد الأنطاكي التنوخي، وعارضها صريع الدلاء محمد بن عبد الواحد بقصية طريفة منها قوله:

 

مـن لـم يـرد أن تـنتقب  نعاله *** يـحـملها فـي كـفه إذا مـشى

ومـن أراد أن يـصون رجله *** فلبــسه خـير لـه مـن  الـحفا

ومـن دخـلت فـي عـينه  مسلة *** فـاسأله مـن سـاعته عن  العمى

مـن أكـل الـفحم يـسود  فمه *** وراح صـحن خـبره مثل  الدجى

مـن صـفع الـناس ولـم يدعهم *** أن يـصـفعوه فـعليهم اعـتدى

مـن نـاطح الـكبش يفجر  رأسه *** وسـال فـي مـفرقه شـبه  الدما

مـن أكـل الـكرش ولا  يـغسله *** سـال عـلى شـاربه منه  الخرا

مـن طـبخ الـديك ولا  يـذبحه *** طـار مـن الـقدر إلى حيث  يشا

مـن شـرب السهل في فعل الدوا *** أطـال تـرداداً إلـى بيت  الخلا

مـن مـازح الـسبع ولا  يعرفه *** مـازحه الـسبع مـزاحاً  بـجفا

مـن فـاته الـعلم وأخطاه  الغنى *** فـذاك والـكلب عـلى حـد  سوا

والـدرج يـلغى بـالغشاء ملصقاً *** والـسرج لا يـلزق إلا بـالغرا

فـاستمعوها فـهي أولـى  لـكمُ *** من زخرف القول ومن طول المرا

 

ويقول في آخرها مشيراً إلى ابن دريد:

فتلك كالدر يضيء  لونها *** وهذه في وزنها مثل الحذا

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply