لا تشكو همك، إلا لمحب يعرف قدرك.
(لا): ناهية، وليست نافية، نهيا شديدا مؤكدا.
(تشكو): أي تخبر، وتذكر، وتبث، وتنشر، وتعلن، وتشيع.
(همك): وهو ما يزعج الخاطر، ويقلق النفس، ويمنع من الطمأنينة، وينتج شروداً في الذهن، وانصرافاً عن المصالح، ويلبس الوجه كآبة، يراها كل متفرس.
(إلا): حرف استثناء. مقصوده إيقاع استثناء في النهي، على شدته وتأكيده، إذ هو موضوع هذا التوجيه.
(لمحب): أي من يحبك. ولا يشترط أن يكون محبوبا لك.
والمحبوب هو الذي تميل إليه النفس، لأمر خفي وظاهر:
- فأما الخفي: فتعارف الأرواح.
- وأما الظاهر: فصفة وخلّة تكون محل العناية والإعجاب، تجذب القلب، وتورث الحب.
فالشرط أن يكون محبا لك، قبل أن يكون محبوبا لك.
(يعرف): من المعرفة، وهو العلم بالشيء، وإداركه ماهيته وحقيقته، كما هي.
(قدرك): منزلتك، وقيمتك. فلا يضعك، ولا يهضمك، بل يحفظ لك المرتبة التي أنت فيها.
- وهو دليل عدله وإنصافه.
- وكذا فطنته دقة إدراكه، حيث تفرس فيك، حتى عرف كل شيء عنك، فأدرك علو محاسنك على معايبك، فاستدل على علو مرتبتك.
- ودليل أمانته، إذ لم يخنك في علمه بك، حسدا، أو حقدا، يحمله على طيها، وإخفائها، عن علم وقصد.
والهم لا يُشكى لكل محب: سواء محب لك، أو محبوب لك.
لأنه ليس كل محب يعرف قدرك، فمنهم من فيه حسد، أو حقد، أو قلة بصيرة، أو غيرها من الآفات المانعة.
إنما محب يعرف قدرك.. وهذا هو الشرط الأهم.
فهو الذي يصدقك النصيحة، ويكون مرآة لك صافية.
والشكوى هنا بمعنى الأخبار، على جهة بيان الحال، كما قال يعقوب - عليه السلام -: {إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله}. وليس على جهة التسخط، فهذا لا يليق بمؤمن.
والأحسن: ألا تشكو إلا إلى الله - تعالى -، حتى على جهة بيان الحال.
إن قدرت على هذا فنعمّا هو، وإلا فعليك بمحب يعرف قدرك.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد