عندما يعشق طفل !!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

صياح الديك المبحوح مشوباً بزقزقة عصافير مختنقة، أذنت للصبح أن يطلع خجلا.

زرقة تكاد تبيض عدا بعض العجاج الذي يورث الصدور كُحة شديدة، والأعين قطرات من دموع..

يخلو الصباح من تباشير صباحه، ولكنه بكل الأحوال يحمل اسم الصباح الذي انتظره أهالي المدينة، الذين نعم أمسهم بأمسية هادئة لا تخلو من ألعاب نارية، وأصوات موسيقى صاخبة حلت محل الأهازيج الهادئة التي تكفلت بإغماض الأعين كل مساء. نفضوا الأغطية الثقيلة عنهم، وهبّوا بحثاً عن السعادة في تلك المدعوة \"مدينة\"!! فبعد أن جمعهم صَخَب الليل وجنونه فرّقهم هدوء الصبح ونسيمه!!

كل يبحث عن نفسه، كل يبحث عن غيره، كل يبحث عن لا شيء..

 

كغيره ممن يحملون الإنسانية لوحة معلقة على ظهورهم.. خرج..

يقتحم ركض الرجال، ويخترق هرولة النساء، تسبق يداه قدميه..

يتعثر بمخلّفات أمسية الأمس، فيعاود النهوض..

بعينين أورثهما البن المحروق لونه، يتلفت!!

أثقلهما النوم، والعجاج.. لا يبالي ويتلفتº عازماً على إيجادها..

لا يخشى شيئاً إلا السماء التي حاولت أن تسلبه إياها ذات مساءº فكان بين الفينة والأخرى يرمقها بنظرات حانقة يتخللها خوف دفين من أن تتغلب عليه اليوم قبل أن يجدها!!

بدأ كاهل الصبح يتشكى ويتململ، يسير بتثاقل شديد شديد، وكذلك هم يتخبطون بأنفسهم استعداداً لأمسية أخرى..

راكضاً كالمجنون يتمتم: هل أضعتها؟ لا، فقدتها مساء فهل أجدها الآن...؟!

وعندما شعر بلا شيء وبدأ جسده يخرج من سيطرة يده إذا به يصطدم بكهل ضعيف قذف به خارج الجموع المحتشدة، وبينما تحاول عيناه حشد لمعانها لتسقط دمعة دغدغ الفرح الأخرى إذ لمح حرف ثوبها قريباً منه-.

متلهفاً لضمّها بين يديه، أخذ يبعد مخلّفات الأمس عنها بيد، وبالأخرى ينفض الغبار عن بنطاله الجديد الذي اختفى لونه..

أخيراً.. ها أنتِ يا حلوتي.. تعالي إليّ..

لم تجبه، بقيت ساكنة في مكانها تحدّق في مقلتيه..

تلاشت لمعة عينيه بعد أن تمثّلت أمامه شبه جثّة فيها القليل من الروح!!

فاقدة لبعض ملامح جمالها: خدش قدّها الممشوق، وقطر دماً، حتى اصفرّ لونه، وكسرت ذراعها الوحيدة، وبترت أرجلها!!

ولكنه فرحº إذ احتفظت ببعض خُضرتها وصفارها!!

حملها برفق وكأن قلبه بين يديه، ينظر إليها مستحضراً أول يوم التقاها فيه..

لم يستطع أن يحتضنها بشدة كما كان يفعل سابقاً فجسدها ما عاد يحتمل ألماً..

أخذ يركض بها ببطء شديد، يتعثر بالمخلّفات فينهض وينفض الغبار عنها وعن بنطاله، ثم يتعثر... وهكذا حتى استقرّ معها على كومة من التراب المشوب ببعض الحصى الصغيرة..

ـ ما رأيك؟ هل ننتظر هنا أم نذهب إلى المنزل لترتاح؟!

ـ لا وقت للراحة.

ـ معك حق. هل نبدأ بتشييد موطننا الآن؟!

ـ نعم. لنفعل الآن ولنعد بناءه غداً أيضاً!!

ـ أنبنيه هنا أم هناك حيث الماء والضوء؟!

ـ هنا، لا بدّ أن يعود الماء والضوء ذات يوم..

إذن لنبدأ..

أدرك أنّها لا تستطيع مساعدته، ولكنّه أصرّ على مشاركتها..

فأخذ يحمل التراب بيديه القمحيتين الخاليتين من كل شيء، عدا بعض خدوش، أغرقتها الدماء، ويضعه في يدها ثم يحملها بيده، واضعاً الأخرى فوق التراب خشية أن يذوي..

وهكذا حتى وصل إلى حيث يجلس... فوضع التراب.. وأسرع لإحضار غيره..

واستمر يجمع التراب حتى بنى جبلاً صغيراً سرعان ما غاب في الظلام..

فهمس في أذنها: هل نتوقفº لنعيد غداً بناءه؟!

أومأت برأسها: ليكن ذلك.

أخذها بين ذراعيه وسار مثقل الخطو مرهق المقل، يبحث عن منزله الذي فقد ملامحه على إثر الألعاب الناريّة والموسيقى الصّاخبة التي أذنت لنفسها باحتلال هدوء المدينة من جديد..

كان يسر لنفسه:

هل سأعيش معها في ذاك الموطن الصغير على تلك الأرض التي اختارتها؟!

وهل سيشهد ذاك الموطن طفولة سنواتي الثلاث، فشبابي فكهولتي فهرمي؟!

هل سيعمر ذاك الموطن طويلا؟!

قاطعه الضحكº ليعاود القول:

نعم سيعمر لا ينقصه شيء.. آآآآآ إلا السقف،.. مممممم والجدران.

وووووو والماء والروح والضوء والمكان...

لا ينقصه شيء إلا الحياة..

وتابع مبتسماً!!

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply