تثقيف اللسان وتلقيح الجنان


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 ـ نماذج للأخطاء الصوتية:

1 ـ قال ابن مكي في (باب التبديل) تحت عنوان السين والصاد: ويقولون فقس البيض. والصواب: فقص يفقِص بالصاد وفتح القاف في الماضي وكسرها في المستقبل.

والواقع أن ما خطّأه ابن مكي لغة معروفة غير ضعيفة، وإن كان النطق بالصاد أعلى وأفصح.

أ ـ جاء في اللسان في مادة (فقص): فقص البيضة وكل شيء أجوف يفقِصها فقصا وفقَّصها كسرها، وفقسها يفقسها معناه فضخها. وفي حديث الحديبية وفقص البيضة أي كسرها وبالسين أيضا.

وقال في مادة (فقس): وفقس البيضة يفقسها إذا فضخها لغة في فقصها والصاد أعلى.

ب ـ جاء في تاج العروس في مادة (فقص): فقص البيضة وما أشبهها يفقِصها بالكسر فقصا أي كسرها والسين لغة فيها.

ج ـ وجاء في المعحم الوسيط: فقس الطائر بيضته كسرها ليخرج الفرخ.

د ـ وقد رد ابن هشام اللخمي على ابن مكي في ذلك فقال في المدخل 2 /82: يقال فقص وفقس بالصاد والسين، وقد قال الحريري:

إن شئت بالسين فاكتب ما أبينه *** وإن تشأ فهو بالصادات يكتتب

مغص وفقص ومصطار ومُمَّلِص * وصالغ وصراط الحق والصقب

 

فقوله: وفقص هو من فقصت البيضة إذا كسرتها وفقصها الطائر عند خروجه منها.

فهي كما اتضح لغة وما كان لغة فلا تخُـَطَّأ به العامة، وكما أن فقس لغة في فقص فكذلك فقش بالشين لغة في فقس.

جاء في تاج العروس في مادة (فقش): فقش البيضة يفقشها فقشا قال الصاغاني عن ابن دريد أي فضخها وكسرها بيده لغة في فقسها بالسين.

والذي يظهر أن من خصائص لهجة صقلية ترقيق الأصوات غالبا، ويتضح ذلك في الأصوات المطبقة أو المستعلية التي يستبدل بها في اللهحة نظائرها المنفتحة أو المستفلة، فقد أحصى الدكتور عبد العزيز مطر من خلال ما أورده ابن مكي سبعة عشر مثالا جاءت في اللغة العربية بالصاد ونطقت في اللهجة بالسين، ولا فرق بين الصاد والسين إلا في الإطباق.

 

2 ـ قال ابن مكي في (باب التبديل) بين الثاء والفاء: يقولون لمن سقطت ثنيته أو ثناياه: أفرم. والصواب: أثرم بالثاء.

 

وهذا خطأ صوتي محض ناتج عن تقارب الحرفين فلم تشر المعجمات إلى أن فرم مثلا لغة في ثرم مثلا.

أ ـ جاء في لسان العرب في مادة (ثرم): الثَّرَم: انكسار السن من أصلها وقيل هو انكسار سن من أسنان المقدمة مثل الثنايا والرباعيات، وقيل انكسار الثنية خاصة، وهو أثرم والأنثى ثرماء.

ب ـ وذكر صاحب التاج في مادة (ثرم) نحوا مما ذكره صاحب اللسان، وذكر الحديث في صفة فرعون أنه كان أثرم، وفي الحديث نهى أن يضحى بالثرماء. أي: لنقصان أكلها.

 

3 ـ كما ذكر في (باب التبديل) الإبدال بين الحاء والهاء قوله: يقولون للسريع القراءة: هو يهدر في قراءته. والصواب: يحدر بالحاء، وقال أبو عبيدة في (غريب الحديث) حدر القراءة يحدُرها حدرا، والقراءة السريعة تسمى الحدر.

 

وما ذكره ابن مكي هنا خطأ وقعت به العامة لتقارب المخرجين وصعوبة مخرج الحاء فانتقلت منه إلى المخرج القريب السهل.

أ ـ جاء في اللسان في مادة (حدر): ومنه سميت القراءة السريعة الحدرº لأن صاحبها يحدرها حدرا.

ب ـ جاء في تاج العروس في مادة (حدر): حدر القراءة حدرا أسرع فيها فحطها عن التمطيط وفي المحكم سميت القراءة الرابعة الحدرةº لأن صاحبها يحدرها حدرا.

ولم يشر صاحب اللسان في مادة (هدر) أو (حدر) إلى أن إحدى اللفظتين لغة في الأخرى، فهو خطأ ناشىء من تقارب المخرجين فهما من الحلق، وقد ترك العامة المخرج الأصعب إلى الأسهل.

 

3 ـ قال ابن مكي في (باب التبديل) بين العين والغين: يقولون: نعق الغراب. والصواب: نغق بالغين معجمة.

والـواقع أن نعق لغة في نغق ذكرها أئمة اللغة وإن كانت نغق أفصح فلا ينبغي له أن يخطيء العامة في لغة مستعملة. كما كان ينبغي له أن يضع الكلمة في باب ما يستعمل بالوجهين ولا يعرفون فيها إلا أحدهما.

أ ـ جاء في كتاب العين 1/194: ونعق الغراب ينعَق نُعاقا ونعيقا وبالغين أحسن.

ب ـ وقال ابن دريد في الجمهرة مادة (غ ق ن): النعق مصدر..وهو صوت الغراب... ويقال: نعق الغراب ونغق بالعين والغين وهو بالمعجمة أعلى وأفصح. الجمهرة 3/133

 

ج ـ وجاء في اللسان في مادة (نعق): والعين في الغراب أحسن، وقال الأزهري: نعق الغراب ونغق بالعين والغين جميعا. قال والثقات من الأئمة يقولون كلام العرب نغق الغراب بالغين المعجمة، ونعق الراعي بالشاء بالعين المهملة، ولا يقال في الغراب نعق.

د ـ وجاء في تاج العروس في مادة (نعق) أيضا: قال الجوهري: وحكى ابن كيسان نعق الغراب بالعين غير معجمة، قال الزمخشري: والغين أعلى. وقال: ولا يقال في الغراب نعق ويجوز نعب. قال: وهذا هو الصحيح.

هـ ـ وقد تتبع ابن هشام اللخمي ابن مكي في تخطئته العامة في نطقهم فقال الراد: وقد جاء في كلامهم نعق الغراب ونغق بالغين معجمة فلا معنى لإنكاره على العامة، ولكن نغق بالغين معجمة أحسن وكذا حكى صاحب العين. نقلا عن الدكتور عبد العزيز مطر في اكن العامة ص 163.

ولعل السبب الذي أوقع العامة في هذه اللغة وترك اللغة الفصحى هو تقارب المخرجين في نغق تقارب يصعب معه النطق وهما الغين والقاف فمخرجهما متقارب جدا فهو شبيه بمشي المقيد، وقد تركوا هذه اللغة إلى لغة فصيحة فلا ينكر عليهم.

 

4 ـ قال ابن مكي في (باب ما غيروه من الأسماء بالنقص): ويقولون: حُزَّة السراويل. والصواب: حجزة.

ولا يُقَر ابن مكي على تخطئته للعامة فيها إذ ذكر علماء اللغة أن حُزة لغة في حجزة، وإليك بعض ما قاله علماء اللغة في ذلك.

أ ـ جاء في اللسان في مادة (حزز): الأزهري: وهو من السراويل حُزة وحجزة. وعن الأزهري: أن حُزة السراويل لغة في حجزة. قال الأصمعي: تقول: حجزة السراويل ولاتقل: حزة.

 

وعن ابن الأعرابي أن الحزة من السراويل الحجزة.

ب ـ وجاء في تاج العروس في مادة (حزز) أيضا: والحزة من السراويل بالضم الحجزة. قال الأزهري: لغة فيه وأنكره الأصمعي فقال: تقول: حجزة السراويل ولا تقل حزة. وقال ابن الأعرابي: يقال: حزته.

ج ـ وجاء في المعجم الوسيط: والحزة من السراويل: حجزتها والجمع حُزُز.

د ـ وقد رد ابن هشام على ابن مكي في ما ذهب إليه فقال في المدخل 2/83: قد حكى ابن الأعرابي حُزَّة كما تنطق به العامة وذكر أنها لغة.

ويمكن أن يعلل لتلك اللغة بأنهم مالوا بالجيم نحو الشين ثم أدغموها في الزاي، وهذا تعليل يستأنس به وإلا فالعلة الحقيقية هي السماع.

 

5 ـ وقال ابن مكي في (باب التبديل) بين السين والصاد: يقولون: برد قارص. والصواب: قارس والقرس والقَرَس: البرد ومنه القريس الذي يؤكلº لأنه يُبرد. فأما اللبن وما أشبهه فقارص بالصاد.

- والذي يظهر أن استعمال العامة لذلك بالصاد خطأ لا شبهة فيهº لأن هذا هو المسموع ولم يسمع في ذلك لغة بالسين.

أ ـ جاء في اللسان في مادة (قرس): القَرس والقِرس: أبرد الصقيع وأكثره وأشد البرد، وقرس الماء: جَمَد. والبرد اليوم قارس وقريس، ولا تقل قارص.

ب ـ كما ذكر نحوا من ذلك الزبيدي في تاج العروس، ولم يسر أيٌ منهما إلى أن مادة (قرص) لغة مستعملة في هذا المعنى.

وهذا الخطأ مازال شائعا في عصرنا رغم تنبيه ابن مكي وغيره من العلماء عليه، ولعلهم توهموا أن ذلك مشتق من مادة (قرص) التي يستعملونها بمعنى اللسع واللدغ فيقولون: قرصته الحية أو العقرب إذا لدغته فظنوا أن ذاك من ذا فغلطوا. وكنت أسمع العامة تنطقه بالصاد فأحببت أن أتأكد من ذلك وأستجلي العلة التي قدحت في ذهني منهم، فسألت أحدهم: كيف تقول: برد قارص أو قارس فنطقه بالسين، وقال إنه مشتق من القرص واللدغ. فأكد بذلك ما كنت ظننته.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply