معظم نقادنا أسرى زخارف الأدب الغربي ومصطلحاته


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 
 
 للدكتور عدنان النحوي قرابة المائة كتاب بين دراسة وترجمة وديوان شعر، ومحاضرة ومناظرة.. وهو أحد رواد فن الملاحم الإسلامية، وأحد أركان رابطة الأدب الإسلامي العالمية، بما يمتاز به من وضوح للرؤية ورسم للنهج العام تحديداً وتخطيطاً، وثقافة وفكراً.. ولد الشاعر الناقد الكبير بصفد في فلسطين عام 1347ه 1928م، وحصل على بكالوريوس الهندسة عام 61 وزمالة الهندسة من لندن عام 76، والماجستير والدكتوراه من أمريكا عام 1985م، يجيد الإنجليزية والفرنسية.. ويشغل عضوية العديد من المراكز العلمية والفكرية، ويمثل أحد مرجعيات الإبداع والتأصيل لفكرة الأدب الإسلامي.. التقيناه.. وكان هذا الحوار.

 تسللت إلى ساحة الإبداع الأدبي الإسلامي ألفاظ ومصطلحات غامضة، ذات مضامين مبهمة.. كيف تنظرون إلى هذه القضية في ظل صفاء وأصالة التجربة الإبداعية الإسلامية؟

بعض النقاد والمبدعين شدتهم زخارف الأدب الغربي ومصطلحاته ولم يكن لدى هؤلاء ميزان واحد ثابت يحتكمون إليه، ومع شدة هجمات الغرب وزحف جيوشه وأجهزته ومؤسساته وفكره وثقافته ولغاته.. ومع شعور البعض بالدونية والهوان مما نقل الهزيمة من الميدان إلى داخل الأنفس والأحاسيس غدا الأدب العربي في جوهره ليس عربياً سوى في لغته وحروفه.. أما مضمونه فقد تهالك وتفتت وتفلَّت..

ولما جاءت فكرة الأدب الإسلامي متأخرة كثيراً جاءت لتزاحم أفكاراً وموضوعات ومصطلحات غربية تفرض نفسها بقوة وعنف، ومن ثم فقد خرجت الكلمة المؤمنة.. لتجاهد من أول لحظة في ميادين الكلمة والمصطلح والموضوع والشكل.. وفي سبيل بحث هذه الكلمة المؤمنة عن منفذ، وسط هذا المعمعان.. ربما نالها من غبار المعركة الشيء الذي لا ينكر، ورغم أن أصحابها استطاعوا أن يفيدوا من الغرب الزاحف، فزاحموه في ميادين جديدة أثرت الفكر والفكرة والتجربة، ولكن.. لا بد لأهل الإيمان أن تؤذيهم من هذا النزال جمرات تحرق ثيابهم أو أبدانهم أو يشمون منها ريحاً خبيثاً.. فرأينا من يجاريهم في اشتقاقاتهم.. فيقول: اللاحقية، واللاواقع، الممرئية، التموضع، الزمكاني، الرؤيوية،... إلخ.

والذي يطفو مع مصطلحات عائمة لا تحمل معنيً محدداً ولكن تجر الإنسان جراً إلى متاهة وضياع مثل: العمل المغلق، اعتباطية الإشارة، الفحص الاستبدالي.

بل أكثر من ذلك، حيث هوى البعض إلى رموز مستقاة من الوثنية بمختلف مذاهبها وأشكالها في التاريخ البشري مثل: أبوللو، زيوس، أفرودايت، سيزيف، بعل، أدونيس، جلجامش، عشتار، وهو انسياب مرضي، وتسلل خفي، لا ينفد إلا من ثغرات خلل في التصور الإيماني، وصفاء التوحيد، وشدة التأثر بالغرب ومذاهبه.. فتجربة الأديب والناقد المسلم لا بد أن تكون صدى للفطرة الناطقة بالإيمان والفن.. الإيمان العميق، والفن الرقيق.. في صفاء ونقاء أبدي.

 لكن الذي ترك الساحة بواحاً لكل هذه الأقاويل والأقانيم غياب منظومة نظرية ونقدية لتناول الأدب الإسلامي.. وفي مقدمتها قضية \"المصطلح\"؟

من سنة الله - تعالى -، وهدي الإسلام في القرآن والسنة، أن تسمت كل طائفة باسمها الدقيق ووصفها العادل، فهناك المسلمون، المؤمنون، المتقون، الصالحون، ثم هناك الفاسقون، الكافرون، الظالمون، المجرمون.. وهكذا.. ولقد أخذت كل طائفة من هذه الطوائف مسمَّاها بناءً على عطائها ومواقفها.. كلمة أو أدباً أو عملاً.. وحتى يكون المصطلح دالاً دلالة واضحة على أصحابه.. فقد جاء المصطلح حسماً وفصلاً بناءً على ميزان حق ثابت.. والناس في ميزان الإسلام إما مسلم ملتزم بيقينه في دائرة الإسلام، ويبقى فيها.. أو منافق وحسابه عند الله، أو من أهل الكتاب أو فاسق أو كافر، لهذا.. أقترح أن يسمى النتاج الأدبي على أسس واضحة وميزان ثابت، يعبر عن إنتاج متكامل، لا عن قطع متناثرة، وأن يعبر هذا الأدب عن مكان هذا الأدب ومصدره وصاحبه، على ميزان ثابت واضح هو الإسلام.

 ولكن هذا التقسيم يعتبره البعض تقسيماً عقائدياً لا أدبياً؟

وهل الأدب الإسلامي إلا أدب عقائدي؟!

 وهل يتميز الأدب الإسلامي بالمصطلح أم يتميز بالموضوع؟

تمييز الأدب الإسلامي يأتي بالموضوع قبل المصطلح.. لأن الموضوع هو الذي يكسب هذا الأدب خصائصه ويحدد عناصر، ويرسم أهدافه.. ومن ثم يأتي المصطلح ليكون دلالة على هذه الخصائص، ولا تأتي الخلافات في المصطلحات إلا من الاختلاف في التصورات.. والموضوعات، من حيث مدى التزام هذا الأدب بالإسلام موضوعاً ووظيفة، ومدى مسؤولية الأديب ودوره، ولغته.. فالأدب الإسلامي اصطلاح يمتد في هذه الدنيا بامتداد حدود الزمان والمكان، ويمضي معهما إلى الدار الآخرة، مصدره الإسلام الثابت مع الزمان والمكان، ولن تتميع الخصائص.. ولن تذبل اللغة.. ولن يضيع المؤمن في أعماق الكون.. بل سيضيع الكون في أعماقه كما قال فيلسوف الإسلام الأكبر محمد إقبال:

إنما الكافر حيران

له العالم تيه

وأرى المؤمن كوناً

تاهت الأكوان فيه

وتبقى قضية المصطلح

 لكن بعد ذلك قضية المصطلح بحاجة إلى تحديد دقيق.

لابد للأديب المسلم أن يشعر دائماً بأنه يحمل رسالة ربانية، ينبع منها أدبه، وتحدد له دربه، ومواقفه وكلمته، ومسلكه ورايته، ولابد أن يشعر شعوراً عميقاً بأنه يسعى إلى الجنة، وأنه ماض إليها على طريق مستقيم.

من هنا.. فأنا لا أستريح أبداً للأدب الإسلامي.. إلا إذا صدر عن أديب مسلم.. وهل يعقل أن أتصيد قصيدة أو أبياتاً أو رواية أو مسرحية أو أي عمل قل أو كثر من رجل كافر.. أعلن كفره.. ثم قال هذه الكلمات التي أشم فيها رائحة الإسلام، لأقول إنه أدب إسلامي أو أنه يتوافق معه.. وما درجة الموافقة التي يريدها البعض؟ وما ميزانها؟.

إن الأدب الإسلامي أدب كلي مؤيد، ونهج ممتد.. وليس قطعاً متناثرة.. أو أجزاء مبعثرة.. الأدب يا أخي لابد أن ينسب إلى صاحبه.. وما حاجتنا إلى هذا التصيّد وقد أعفانا الله بغناه، وهدانا بهداه؟.

 هل يكشف هذا الموقف الصارم عن غنى وفير في ميدان الأدب الإسلامي.. ووفرة لدى أدبائه.. أم موقف توليه المسؤولية الشرعية حتى لو أدى إلى بعض المصادرة؟

نحن نبحث عن \"الدقة\" قبل كل شيء، فالأدب الإسلامي هو الأدب الملتزم بالإسلام إيماناً وفكراً ومصدراً لعطائه وجماله وهو يصدر عن الأديب المسلم المؤمن الملتزم بالإسلام إيماناً وعقيدة ونهج حياة كما أمره الله، وهو الأدب الذي تتحدد له صفاته، ويكتسب خصائصه تبعاً لقربه أو بعده عن الإسلام.

وهو الذي نربط فيه كل إنتاج بفئته وطائفته، وصاحبه دون مواربة أو استحياء.

 ألا ترون أننا بهذه الصرامة.. سوف نخسر كثيراً على مستوى الرسالة الإنسانية للأدب الإسلامي.. وبدلاً من أن نقدم \"المقاربة\".. سوف نقيم حدوداً \"للمجانبة\".. لا سيما وهناك من يشترك معنا في رسالتنا الإنسانية باستقامة ونقاء؟

لا بد أن نشير إلى أن هناك فرقاً بين أن نستمع إلى هذا الأدب أو ذاك، أو نقرأه أو نعجب به.. وبين أن نسبغ عليه سربالاً إسلامياً في حين لا يعيرنا أصحاب هذه الآداب أي اهتمام.. ولا يبالون بأدبنا، ولا باهتمامنا بهم، إلا في لحظات مصلحية عابرة، سرعان ما تتلاشى وتنتهي،.. هناك فرق كبير بين هذا كله.. وبين الانتماء إلى الإسلام، وحمل شرف الأدب الإسلامي المنتمي لهذا الدين روحاً بروح وهدفاً بهدف.. وأنا أرى أن تحديد الموقف، هو السبيل الراشد إلى تبين الغايات وسلوك الممارسة واتباع النهج.. والأدب الإسلامي غني عن هذه المماحكات.. إنه غني بتميزه وإبداعاته وإنسانيته وعالميته.

المصطلح الحاسم والمصطلح العائم:

 وعلى أي أساس تنظرون إلى الأديب المسلم؟

إن انتساب علم أو فن أو مذهب أو أدب إلى الإسلام.. قد يكون مقبولاً سائغاً إذا خضع لشرع الإسلام ومبادئه.. ولكن انتساب رجل إلى الإسلام.. يعني التزامه بمسؤوليات وتكاليف ربانية سيحاسب عليها يوم القيامة.. إنه إيمان وعلم والتزام وتكاليف.. لذا فإن كلمة \"إسلامي\" تطلق على شيء.. كمذهب أو فكرة أو نشاط.. ولا تطلق على الإنسان إلا الذي يحمل رسالة الإسلام.. ونذكر بأن الحداثة ومذاهبها المختلفة قد قلبت المصطلحات وهدمت الموازين وميَّعت الأسس وانحرفت في تيه بعيد وضل أصحابها وأضلوا كثيراً.. بما أرجفوا في عالم التصورات والمصطلحات، حتى سادت الظلمة.. وبانت الحطمة. ومن هنا.. فلا بد أن نبني على أسس ثابتة من تصورات ديننا، بعيداً عن حيرة الحداثة وترددها وترديها واضطراب أصحابها.. ولا ننكر أن تسلل الفكر العلماني ومذاهبه مارس ضغطاً شديداً في عالم المفاهيم والمصطلحات.

فالأديب المسلم.. يظل بأدبه دثاراً وشعاراً إسلامياً بعيداً عن المصطلح العائم.. وسعيداً بالمصلح الحاسم.

 على هذا النهج.. كيف يتم تصنيف وتوصيف الأدب عند تداوله؟

هناك الأدب الإسلامي: وهو ثمرة تفاعل القوى العاملة في فطرة الإنسان المروية بالإيمان والتوحيد، تشعله الموهبة المؤمنة، ليخرج الأدب شعلة غنية، جماله إشراقة التفاعل بين خصائصه الإيمانية والفنية.

وهناك الأدب الحيادي: وهو الأدب الذي لا يتبنى الإسلام عقيدة، ولا يحارب الإسلام، وقد يصدر عن بعض من ينتسبون إلى الإسلام أو عن غير المسلمين.

والأدب الآخر هو أدب غير المسلمين: من الطوائف الأخرى ممن لا يجهرون بفسق ولا كفر وقد تكون فيه ألوان شتى من الأدب.

وأدب الفاسقين: الذين يجهرون بالفسق في معظم أدبهم أو كله نهجاً لهم.

وأدب الكافرين: الذين يجهرون بالكفر ويحاربون الله ورسوله نهجاً لهم.

وهذا هو التقسيم الذي يحدد صفة الإنتاج الأدبي تبعاً لقربه أو بعده عن الإسلام.. وهذا التصنيف يسهل علينا جداً عندما نستوعب \"قانون الفطرة\"... بعيداً عن مسلسل التنازلات والتبعية والتقليد للغرب العلماني.

وأنا أعجب أشد العجب من جرأة الكافرين على الجهر بكفرهم، وضعف المسلمين وترددهم في عدم الجهر بحقهم ورسالتهم.. وإذا كنا اليوم نشهد بأم أعيننا نتائج سنة إلهية..أجراها الله في خلقه وكونه.. تكاد معالم الاستبدال تبرز فيها أمامنا.. فلا يجب أبداً أن نحمل الإسلام أخطاءنا.. وحسبنا من الهزائم ما قد رأينا.. ومهما ضاقت الفسحة أمام رسالة الإسلام وأدب الإسلام.. فسوف يعمل قانون \"الفطرة\" عمله ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply