القياس 1 - 2


 

بسم الله الرحمن الرحيم

أولاً: تعريفه:

أ - تعريفه في اللغة والشرع: القياس مصدر الفعل قاس.

قال ابن منظور- رحمه الله -: \"قاس الشيء يقيسه، قيساً، وقياساً، واقتاسه، وقيَّسه: إذا قدر على مثاله\".

وقال: \"ويقال: قايست بين شيئين إذا قادرت بينهم\".

 

وقال الجرجان - يرحمه الله -: \"القياس في اللغة: عبارة عن التقدير، يقال: قست النعل بالنعل إذا قدرته وسوّيته، وهو عبارة عن رد الشيء إلى نظيره\".

 

ثم بين- رحمه الله -: تعريفه في الشرع فقال: \"وفي الشريعة عبارة عن المعنى المستنبط من النصº لتعديه الحُكمَ من المنصوص عليه إلى غيره، وهو الجمع بين الأصل والفرع في الحكم\".

 

وحدَّه ابن حزم - رحمه الله - بقوله: \"هو أن تحكم للثاني المختلف فيه الذي لا نص فيه بمثل الحكم المنصوص عليه\".

 

ب - أركان القياس: من خلال ما مضى يتبين أن للقياس أربعة أركان:

1- المقيس عليه وهو الأصل المعلوم، ويعنون به شيئين: أحدهما المادة اللغوية المنقولة من العرب بطرق السماع، والرواية المشافههة، أو التدوين.

 

وثانيهما: القواعد النحوية التي صاغها النحاة من استقراء تلك المادة.

 

2- المقيس وهو الفرع المجهول، وهو ما كان محمولاً على كلام العرب.

 

3- الشبه أو العلاقة أو العلة الجامعة وهو ما قدره النحويون من أسباب استحق بموجبها المقيسُ حكمَ المقيس عليه.

 

4- الحكم وهو ما يسري على المقيس مما هو في المقيس عليه.

 

ج - مفهوم القياس عند علماء النحو واللغة:

 

القياس عند علماء النحو واللغة قريب من القياس الفقهي - كما يقول ابن الأنباري -: \"من المناسبة ما لا خفاء فيهº لأن النحو معقول من منقول، كما أن الفقه معقول من منقول\".

 

فالقياس عند النحويين يعني: التقعيد، أو استخراج القواعد بعد تتبع كلام العربº حيث كانوا يقيسون كلاماً على آخر من كلام العرب.

 

وبعد ذلك صار القياس بمعنى الإضافة، أي إضافة كلام إلى لغة العرب بعد قياس على لغة العرب.

 

هذا هو معنى القياس الذي تدور تعريفاته حوله.

 

قال أبو البركات ابن الأنباري - رحمه الله -: \"القياس هو حمل غير المنقول على المنقول إذا كان في معناه\".

 

وقيل: \" هو رد الشيء إلى نظيره، واكتشاف المجهول من المعلوم\".

 

كما عرف بأنه \"محاكاة العرب في طرائقهم اللغوية وحمل كلامنا على كلامهم في صوغ أصول المادة، وفروعها، وضبط الحركات، وتركيب الكلمات، وما يتبع ذلك من إعلال، وإبدال، وإدغام، وحذف وزيادة\".

 

ثانياً: أنواع القياس:

تجري كلمة القياس عند البحث في معاني الألفاظ العربية، وأحكامها فَتَرِد على أربعة أوجه:

أحدها: حمل العرب أنفسِهم لبعض الكلمات على أخرى، وإعطاؤها حكمها لوجه يجمع بينهما، كما يقال: أُعرب الفعل المضارع قياساً على الاسم لمشابهته له في احتمالهº لمعان لا يتبين المراد منها إلا بالإعراب.

 

والقياس بهذا المعنى واقع من العرب أنفسهم، ويذكره النحوي تنبيهاً على علة الحكم الثابت عنهم بالنقل الصحيح.

وليس هذا الضرب من القياس داخلاً في ما نحن بصدده.

 

ثانيها: إن تعمد إلى اسم وُضع لمعنىً يشتمل على وصف يدور معه الاسم وجوداً وعدماًº فتعدي هذا الاسم إلى معنى آخر تحقق فيه ذلك الوصف، وتجعل هذا المعنى من مدلولات ذلك الاسم لغةً.

 

ومثال هذا اسم الخمر عند من يراه موضوعاً للمعتَصَر من العنب خاصة، وما وضع للمعتصر من العنب إلا لوصف هو مخامرته للعقل وستره، فإذا وجد عصير من غير العنب يشارك المعتصر من العنب في الشدة المطربة المخمرة للعقل، فإن من يقول بصحة هذا القياس يجعل هذا العصير من أفراد الخمر ويسميه خمراً تسمية حقيقية لغوية.

 

وإن شئت مثالاً آخر فانظر في اسم السارق عند من يقول: إنه موضوع لمن يأخذ مال الأحياء خفية، فإنك تجد من ينبش القبور لأخذ ما على الموتى من أكفان، قد شارك من يأخذ أموال الأحياء في وصف أخذ المال خفية، ومقتضى صحة هذا الضرب من القياس أن تجعل اسم السارق متناولاً للنبّاش على وجه الحقيقة اللغوية، وتكون هذه الحقيقة قد تقررت من طريق القياس لا من طريق السماع.

 

وهذا الضرب من القياس هو الذي ينظر إليه علماء أصول الفقه عندما يتعرضون لمسألة: (هل تثبت اللغة بالقياس).

 

ثالثها: إلحاق اللفظ بأمثاله في حكم ثبت لها باستقراء كلام العرب حتى انتظمت منه قاعدة عامة كصيغ التصغير والنسب والجمع.

 

وأصل هذا أن الكلمات الواردة في كلام العرب على حالة خاصة، يستنبط منها علماء العربية قاعدة تخول المتكلم الحق في أن يقيس على تلك الكلمات الواردة، ما ينطق به من أمثالها.

 

رابعها: إعطاءُ الكلمِ حُكمَ ما ثبت لغيرها من الكلم المخالفة لها في نوعها، ولكن توجد بينهما مشابهة من بعض الوجوه، كما أجاز الجمهور ترخيم المركب المزجي قياساً على الأسماء المنتهية بتاء التأنيث، وكما أجاز طائفة حذف الضمير المجرور العائد من الصلة إلى الموصول متى تعين حرف الجر، قياساً على حذف الضمير العائد من جملة الخبر إلى المبتدأ، فتقول: قضيتُ الليلة التي ولدتَ في سرور، أي ولدت فيها، جاز لك أن تقول: هذا الكتاب الورقة تساوي درهماً، أي الورقة منه بدرهم.

 

ثالثاً: آراء العلماء في القياس:

يرى ابن فارس - رحمه الله - أنه يجب الوقوف عند المسموع من كلام العرب، وأنه لا يصح لنا أن نقيس قياساً لم يقسه العربº فهو يرى أن العرب قاسوا ولكن لا يسوغ لنا أن نقيس على ما قاسوه شيئاً، بل نعتقد أن اللغة وقف.

 

وقد عقد في كتابه الصاحبي باباً عنوانه: (باب القول على لغة العرب: هل لها قياس، وهل يشتق بعض الكلام من بعض؟ ).

 

ثم قال: (أجمع أهل اللغة - إلا من شذ - أن للغة العرب قياساً، وأن العرب تشتق بعض الكلام من بعض).

 

إلى أن قال: \"وليس لنا اليوم أن نخترع، ولا أن نقول غير ما قالوه، ولا نقيس قياساً لم يقيسوهº لأن في ذلك فساد اللغة، وبطلانَ حقائقها.

 

ونكتة الباب أن اللغة لا تؤخذ قياساً نقيسه الآن نحن\".

 

أما ابن جني - رحمه الله - وهو ممثل مدرسة أبي علي الفارسي، وأبي عثمان المازني - فإنه يرى القياس، وقد عقد في كتابه (الخصائص) باباً عنوانه: (باب في أن ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب).

 

وقال تحته: \"هذا موضع شريف، وأكثر الناس يضعف عن احتمالهº لغموضه ولطفه.

 

والمنفعة به عامة، والتساند إليه مقوٍّ, مُجدٍ,.

 

وقد نص أبو عثمان - يعني المازني - فقال: ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العربº ألا ترى أنك لم تسمع أنت ولا غيرك اسم كل فاعل ولا مفعول، وإنما سمعت البعض فقِست عليه غيرهº فإذا سمعت (قام زيدٌ) أجزت ظرف بِشر، وكرمُ خالد.

 

قال أبو علي - يعني الفارسي -: إذا قلت: (طاب الخُشكُنان) فهذا من كلام العربº لأنك بإعرابك إياه قد أدخلته كلام العرب.

 

ويؤكد هذا عندك أن ما أعرب من أجناس الأعجمية قد أجرته العرب مجرى أصول كلامهاº ألا تراهم يصرفون في العلم نحو آجُرّ، وإبرَيسَيم، وفِرِندٍ,، وفيروزجٍ,، وجميعَ ما تدخله لام التعريف.

 

وذلك أنه لما دخلته اللام في نحو الديباج، والفِرِندِ، والسِهريز، والآجُرّ - أشبه أصول كلام العرب، أعني النكراتº فجرى في الصرف ومَنعِه مجراها.

 

قال أبو علي: ويؤكد ذلك أن العرب اشتقت من الأعجمي النكرة، كما تشتق من أصول كلامها، قال رؤبة:

 

هل يُنَجِيّ حلف سختيت * أو فضة أو ذهب كبريت

 

قال: فـ (سِختيت) من السخت، كـ (زحلِيل) من الزحل.

 

وحكى لنا أبو علي عن ابن الأعرابي أظنه قال: يقال دَرهمت الخُبَّازي، أي صارت كالدراهم، فاشتق من الدرهم وهو اسم أعجمي.

 

وحكى أبو زيد: رجل مُدَرهَم، قال: ولم يقولوا منه: دُرهِمº إلا أنه إذا جاء اسم المفعول فالفعل نفسَه حاصل في الكف، ولهذا أشباه\".

 

إلى آخر ما قاله ابن جني في ذلك الباب.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply