وكان اللقاء


 

بسم الله الرحمن الرحيم

عاد (محمود) إلى بيتـه..متهـللاً.. تسبقه الفرحة.. التي كـادت تقفز من عينيه.. ! تستقبله زوجته (فاطمة) بابتسامتها العذبة الرقيقة.. وحضنها الدافئ المليء بالحب.. والشوق.. واللهفة.. ! فقد اعتادت على ذلك في وداعه واستقباله.. مذ أن جمع الله بينهما في عش هادئ.. تملأ أرجاءه السكينة.. ! ولم تغير عادتها رغم الآلام التي تعتصرها.. !!

 

- يقول (محمود) بصوت متهدج يصحبه ارتفاع وانخفاض شديدان لقفصه الصـدري: أبشـري يا (فاطمة) نتائج التحليل والفحوصات المتقدمة أثبتت عدم وجود مرض مزمن.. أو عيب خَلقي.. يؤدي إلى تسمم الحمل.. كما كنت تتوهمين.. !! مدعمة بذلك جميع التحاليل والفحوصات التي أجريناها من قبل.. على مدار حملك الجديد الذي تجاوز تسعة أشهر منذ يومين.. وإن وفاة ابنتنا في حملك السابق قبل موعد ولادتها بأيام كانت قضاءً وقدراً..

 

 تنصت إليه (فاطمة) وقد كست وجههـا الجميل سحابة حزن سرعان ما انقشعت مخلفة وراءها دمعة حارة سالت على وجنتيها.. في مجراها المحفور منذ إجهاضها.. !!

 

- يقول (محمود) مخففاً من آلام حبيبته: سبقتنا إلى الجنة إن شاء الله..

 

ثم يغير سياق الحديث.. محاولاً إدخال البهجة عليها: وبمناسبة هذه البشارة السعيدة.. قبلت الدعوة المفتوحة.. من أصدقائنا (أمين) و(أمل) للتنـزه سوياً..

 

- تقول (فاطمة) بصوت حزين: لن أستطيع.. لم أعد أتحمل رؤية أطفالهم.. !! لم أعد قادرة نفسياً على مداعبـاتهم.. ومجاراتهم في لهوهم كما اعتادوا منّي.. وأخشى أن يؤثر ذلك في أبويهم.. !!

 

- (محمود): أنت أقوى من ذلك.. أريدك أن تخرجي من حالة القلق التي تزداد يوماً بعد يوم.. فالأمور تجري بمقادير..

 

- أخاف من فشل جديد.. !

 

- أملنا في الله كبير..

 

***

 

 تجلس (فاطمة) في الحديقة بذهن شارد.. ! لم يعد للغة الزهور التي تعشقها تأثير فيها.. ولم يؤثر فيها حديث صديقتها (أمل) الذي كانت تطرب له.. !! تهز رأسها بإيماءة مفتعلة.. موحية لـ(أمل) بإصغائها لحديثها.. ولكن سرعان مـا اكتشفت (أمل) هذا الشرود.. ! فربتت على يدي (فاطمة) بحنان.. فعادت من شرودها معتـذرة لهـا.. وأخذت تنصت إليهـا مختلسـة نظرة.. تتبعها بأخرى لـ(هند) و(علي) ولدي (أمل) وهما يلعبـان.. وتعـود إلى عـين (أمل) فترى صـورة (هند) و(علي) مستقرة فيها.. !!

 

تعود لشرودها.. ! تتذكر وليدتها التي حرمت منها قبل مجيئها..

 

تهمس في نفسها بصوت مخنوق: كان حلماً.. لم يكد يتحقق.. حتى تلاشى.. بعد حمـل أليم.. ومخاض أشد ألماً.. لم تنسني آلامه فرحة لقائنا.. !! حرمت من رؤيتها.. ضَمَّتِها.. حَضنِها الذي ترقبته بالثواني.. لم أسمع منها إلا صراخها المكتوم.. لم أر لها ابتسامة.. فارقتني وهي في أحشائي..

 

تطلق صرخة مكتومة.. تهز أعماقها.. تنجح في إخفاء أثرها..

 

ثمة لحظة صمت..

 

 تتحسس حملها.. الحركة متوقفة.. تشعر بخوف شديد.. تنهض واقفة.. يزداد خوفها.. تصرخ صرخة مدوية.. !! تفقد وعيها.. ينطلق إليها زوجها..

 

***

 

تفيق (فاطمة).. تفتح عينها ببطء شديد.. صورته مغبشة.. ! تعيد المحاولة.. يعود الوضوح متسللاً إلى وجهه.. إنه هو.. زوجي الحبيب.. تزين ثغره ابتسامة جميلة.. يبدو وجهه كالبدر في تمامه.. كما كان في ليلة زواجنا الأولى.. !!

 

تسمع صوت بكاء طفل طالما اشتاقت إليه.. الصوت قريب من قلبها.. تتعلق مقلتاها بعين زوجها.. !! تزداد حدقة عينها اتساعاً.. !! تسمع صوت بكاء طفل آخر.. !! يكاد الذهول يأخذ قلبها.. !!

 

تسأل زوجها في صمت: أحقاً.. ؟!

 

يومئ لها برأسه فقد عقدت الفرحة لسانه ويشير بإصبع السبابة باتجاه حضّانتي طفليهما التوأم.. !! تلتفت إليهما متمتمة بشفاه مرتعشة: الحمد لله..

 

تنهمر دموعها.. تجري كالسيل.. !! لم يسعه مجراها المحفور.. !! تمتد يَدُ زوجها تداعب وجهها.. تمسح دموعها.. !! تمحو مجراها.. !! يعود إلى وجهها الجميـل.. بريقه.. !!

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply