هدوء عاصف


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 الجو من حولها هادئ!

بلº هادئ جداً!

وكل هدوء عميق غوره

أما الهواء فهو ساكن، فلا يحرك ساكناًº وكأنما تضامن مع هدوء المكان والنفس لديها.

تمر الدقائق متلاحقة

متتابعة

متعانقة

لا يُسمع صوت

لا يوجد همس

ولا تردد النفس!

كأن المكان خالٍ,

عيونها مركزة في مساحة صغيرة، لا تبعد عنها سوى سنتيمترات، وقد تشكلت بكل أشكال الأبعاد الثلاثة.

الروح توّاقة، ولكن الجسد ضعيف!

ومن قعر هذا الهدوءº يأتي -وبدون مقدمات- صوت رشفة قوية، تتبعها أخرى على عجل.

ثم صوت رقيق، هو ارتطام قاعدة القدح (الفنجان) بالطاولة الزجاجية.

وبعد مضي فترة من الزمنº يأتي صوت الرشفة من جديد

ولكن هذه المرة تكون الرشفة ببطءٍ, شديدٍ,

ثم يعقبها ارتطام مدوٍّ, لقاعدة الفنجان في زجاج الطاولة!

حركات قليلة، وسكنات كثيرة!

العينان ما زالتا مسمّرتين على المجهول!

وكأنهما تقرآن المستقبل، أو ربما تستعيدان الماضي!

وهناك على الأريكة - ذات اللون القرمزيّ- يقبع ألبوم مُزِّق جوفه، ولم يبق منه إلا الغلاف!

تقطع على نفسها لحظات التأمل الغامضº لتختلس نظرة إلى سرير في الركن الأيمن من الغرفة!

تعود بسرعة إلى وضعها السابق

وكأنها باختلاس تلك النظرة لذاك السرير تفعل أمراً يُعاقِبُ عليه القانون!

ما فوق تلك الأريكة، وذاك السريرº يجب أن يُزال!

التسويف لا يجدي، والتأجيل يسرق منا الكثير الكثير من زماننا، وكأنه لص محترف!!

بدأت تهمس...

لماذا أيها الرجل...؟!

لماذا أيها الطفل...؟!

لماذا أيها العالم...؟!

ولماذا أنا هنا، وأنتم هناك؟!

لماذا إذا بكيتُ لا تبكون معي..؟!

لماذا لا تخففون عني؟!

وإذا ضحكتº كأنما تتخاطفون الضحكة مني، وتتقاسمونها معي؟!

لا بأس عندي أن أضحك وحدي..

ولكن البأس كل البأس أن أبكي وحدي!

لم استطع أن أجعل الماضي ماضياً كما يُفترض أن يكون.

لا أدري لماذا ما زلت أتشبث بالأمل!

ولولاه لانفطر قلبي، وتمزق فؤادي..

هل أنا صانع رديء أُلقي باللوم على أدواتي، أم أنا صانع جيد خانته الحياة؟!

تحوّل الجو الهادئ إلى جو ساخن، وبدأت تدبّ في أوصاله الحركة!

عندما جلست كانت تشعر أن الجوَّ باردٌ...

فلم تشغّل المكيف..

أما الآن فنهضت متجهة إلى الجدار الخلفي لها

حيث هناك زر التشغيل

فلقد أحست بالجوº تنبعث فيه الحرارة..

كيف لا؟ والحرارة قد نبعت من داخلهاº حيث ذلك ا لبركان البشري قد تحرك بالمؤثرات الفكرية لديها!

عادت إلى وضعية الجلوس السابقة، مع تغير بسيطº فلقد رفعت قدميها على الطاولة التي أمامها..

اصطدمت قدماها بالفنجان..

فانتثر ما فيه..

لكنها لم تبالي!

ألقت برأسها إلى الخلف

وأصبحت تنظر إلى السقف

وتمعن النظر، وقد عقدت يديها على صدرها

بدأت بالبحث عن المبررات

قالت بصوت عالٍ,: من لا يخطئ لا يفعل شيئاً.

ثم قالت بصوت خافت: لكن أسوأ الفساد فساد الأفضل.

قالت بصوت عالٍ,: الثمرة المحرمة حلوة.

ثم قالت بصوت خافت: إن من يطمع بالفوز بكل شيء يخسر كل شيء.

قالت بصوت عالٍ,: لو كان جوابه رقيقاًº لأسكت غضبي.

ثم قالت بصوت خافت: آه.. عمله أعلى صوتاً من قوله.

بدأت تبكي

وتجهش بالبكاء

ماذا أفعل؟!

لجأت إلى ما كنت أظنه ملجأًº فعند العاصفة يفزع الإنسان إلى أي مرفأ.

لاذت بالصمت

إذ ماذا عساي أفعل؟ وماذا يُراد مني أن أقول؟ ويلاه!! هُما لي روح وجسد

مع من سأتحد.. ؟!

بدأت تفرقع أصابعها..

حيث هناك خلف البابº تسمع صوت خطوات قادمة، وأصوات مختلطةº توحي بأنهم إليها قادمون..

طرقات قوية على الباب أشبه بالإنذار

الباب مفتوح

اندفاع بلا حدود

تصرخ: لا أدري!

لا أدري!

وبين الجموع الواقفة أمامها، رجل صارم قاسي الملامح، بذيء اللفظ، كريه الرائحة، مفتول العضلات!

تقدم إليها

مد إليها يداً غلظة

وأمسك بالفك السفلى لديها

ضغط بشدة بأصابعه على وجنتيها

قال:

هيا.. تكلمي!

قولك هو الفصل في ذلك، ورغماً عنك ستكلمينني!

أمسكت رسغه بكفيهاº لتزيح قبضته عنها

وهي تصرخ:

لا أدري!

لا أدري!

اتركوني!

لا أدري!

بدأ يُحكِم قبضته أكثرº لتكون أشد إيلاماً، ويحرك بها رأسها يميناً وشمالاً!

تابعت الصراخ، وأضافت إليه الركلات، وكأنها طفل!

كيف لا وقد جمعتهما صفة الضعف؟!

لا أدري.. لا أدري

أغمضت عينيها.. لا أدري.. لا أدري

أحست بيد حانية رقيقةº تدخل تحت رأسها، ورقبتها،

وأنامل رقيقة تضرب برقة على (خدها)

وكأن قُبلات تمطر على جبينها

سمعت صوتاً بدأ بعيداً وأصبح يقترب أكثر وأكثر

غاليتي!

استيقظي!

مهجتي!

استيقظي أرجوك!

هيا أيتها الحبيبة!

استيقظي لا عدمتك!

فتحت عينيها بحركة سريعة، وحركت رأسها بحركة أقل سرعة، يمنة ويسرة!

وكأنها تنفض ما قد يكون عالقاً به.

نظرت بإمعان إلى الوجه الذي أمامها

إنه وجه ملائكيّ يشع حباً ورحمة

ويبرق نوراً

ويمطر حنياً وشوقاً

نظرت إليه بفرح لقد أحست أنه انتشلها من بين أنياب الذئب

التفتت إلى يسارها فرأت طفلاً

تطفح منه البراءة

يغط في نومٍ, عميق

وقد أمسك بكفها بين كفيه الصغيرتين

واحتضنه

استلت كفها ببطء

ومدت ذراعيها إلى الرجل الذي أمامها وطوقته بهما

ثم احتضنته بشدة وانهالت الدموع من عينها

وهي تقول

لا تبعدني عنك

ولا تبعد عني بأي شكل

إكراماً لحبي

عدني بذلك أرجوك

بادلها الوضعية، وقال بلا مقدمات أو استفسارات:

أعدُك

أعدُك

ثقي بي!

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply