بسم الله الرحمن الرحيم
أكد الدكتور وليد الربيع -أستاذ الفقه المقارن والسياسة الشرعية بكلية الشريعة جامعة الكويت- أن النصوص الشرعية دلت على أن الانتحار من كبائر الذنوب، وبالتالي لا يجوز للمسلم أن يلجأ لقتل نفسه للتخلص من الضغوط التي قد تصيبه من أعباء الحياة، وقال: إن الله - تعالى - سيسأل كل إنسان عما تحت يده من الزوجات والأبناء والموظفين والخدم، بل حتى البهائم، موضحاً أن صاحب العمل مسئول عن العمالة التي في كفالته ورعايته، ورب العمل مسئول عن العمالة التي تعمل عنده في بيته أو مؤسسته، فعليه أن يتقي الله فيهم، ويحسن معاملتهم، ويرفق بهم ولا يظلمهم، ولا يكلفهم مالا يطيقون، ولا يسبهم ولا يشتمهم ولا يضربهم، ولا يتأخر في دفع أجورهم، لأن ذلك من الظلم الواضح.
- الفرقان: ماذا يجب على المسلم عندما يصاب بضغوط نفسية أو مالية أو اجتماعية؟
- د.الربيع: أولاً: على المسلم أن يعرف حقيقة الدنيا، فالدنيا ليست دار بقاء وإنما هي دار عمل وابتلاء، وليست دار قرار وراحة وإنما هي ممر ودار نصب ومشقة، قال - تعالى -: -لَقَد خَلَقنَا الإِنسَانَ فِي كَبَد-.
ثانياً: لابد من العلم بأن المسلم معرض لأنواع البلاء ما يكفر الله به عنه من خطاياه، ويرفع به من منزلته، قال - تعالى -: -أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُم لا يُفتَنُونَ وَلَقَد فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبلِهِم فَلَيَعلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعلَمَنَّ الكَاذِبِينَ-، وقال - تعالى -: -مّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ المُؤمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُم عَلَيهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطلِعَكُم عَلَى الغَيبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجتَبِي مِن رٌّسُلِهِ مَن يَشَاء فَآمِنُوا بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُم أَجرٌ عَظِيمٌ- وقال - تعالى -: -وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَيءٍ, مِّنَ الخَوف وَالجُوعِ وَنَقصٍ, مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتهُم مٌّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيهِم صَلَوَاتٌ من ربهم وَرَحمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهتَدُونَ-.
البلاء والأنبياء
ولو سلم أحد من البلاء لسلم منه الأنبياء والمرسلون، لكن مضت سنة الله - تعالى -في ابتلاء المؤمنين على اختلاف درجاتهم، فعن مصعب بن سعد عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: (الأنبياء ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل من الناس، يبتلى الرجل على حسب دينهº فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خفف عنه، وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشى على ظهر الأرض ليس عليه خطيئة) -أخرجه الإمام أحمد، صحيح الجامع 992-.
ثالثاً: العلم بأن ما يجري على المؤمن مما قدره الله عليه من الخير والشر هو خير له، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (عَجَبًا لأَمرِ المُؤمِنِ إِنَّ أَمرَهُ كُلَّهُ خَيرٌ وَلَيسَ ذَاكَ لأَحَدٍ, إِلا لِلمُؤمِنِ إِن أَصَابَتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيرًا لَهُ وَإِن أَصَابَتهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيرًا لَهُ) رواه مسلم، وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ما يصيب المسلم من نَصَب ولا وَصَب ولا همٍّ, ولا حزَن ولا أذى ولا غمٍّ, حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه) -متفق عليه-.
رابعاً: على المسلم أن يصبر ويحتسب الأجر على ما يبتلى به، قال - تعالى -: -يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين- وقال الله - تعالى -: -إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجرَهُم بِغَيرِ حِسَابٍ,-، وعن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي - صلى الله عليه وسلم -، قالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي قال - صلى الله عليه وسلم -: (إن شئت صبرتِ ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيكِ)، قالت: أصبر، قالت: فإني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها. -متفق عليه-.
خامساً: اللجوء إلى الله - تعالى -بالتضرع والإكثار من الدعاء وسؤال الله - تعالى -العافية، قال الله - تعالى -: -أَمَّن يُجِيبُ المُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكشِفُ السٌّوءَ-، وعَن عَبدِ اللَّهِ بن مسعود قال: قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: (مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطٌّ هَمُّ وَلا حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبدُكَ، وَابنُ عَبدِكَ، وَابنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ, فِيَّ حُكمُكَ، عَدلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسأَلُكَ بِكُلِّ اسمٍ, هُوَ لَكَ سَمَّيتَ بِهِ نَفسَكَ، أَو عَلَّمتَهُ أَحَدًا مِن خَلقِكَ، أَو أَنزَلتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَو استَأثَرتَ بِهِ فِي عِلمِ الغَيبِ عِندَكَ، أَن تَجعَلَ القُرآنَ رَبِيعَ قَلبِي، وَنُورَ صَدرِي، وَجِلاءَ حُزنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلا أَذهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزنَهُ وَأَبدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: بَلَى، يَنبَغِي لِمَن سَمِعَهَا أَن يَتَعَلَّمَهَا) -صححه الألباني في السلسلة الصحيحة 199-.
سادساً: الإكثار من الأذكار والأعمال الصالحة لدفع الحزن والضيق والكرب كالصلاة وقراءة القرآن، قال الله - تعالى -: -الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب-، وقال - سبحانه -: -وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين-، وقال: -يَا أَيٌّهَا النَّاسُ قَد جَاءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصٌّدُورِ وَهُدىً وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنِينَ-.
وقال - سبحانه -: -إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا. وإذا مسه الخير منوعا. إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون-، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة أي نزل به أمر مهم أو أصابه غم، وكان يقول: (يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها).
الانتحار من الكبائر
- هل يجوز للمسلم أن يلجأ إلى الانتحار للتخلص من الضغوط؟ وما جزاء من يفعل ذلك؟
- لا يجوز للمسلم أن يلجأ لقتل نفسه للتخلص من الضغوط قال - تعالى -: -ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً، ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً-، بل لا يجوز للمسلم أن يتمنى الموت لضر أصابه كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان لابد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي) -متفق عليه-، وقال: (لا يتمن أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات انقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا) -أخرجه مسلم-.
وقد دلت النصوص الشرعية على أن الانتحار من كبائر الذنوب، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمٌّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبدا، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) -متفق عليه-.
وعن ثابت بن الضحاك - رضي الله عنه - أن رسول الله: (مَن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة) -متفق عليه-.
وعن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات، قال الله - تعالى – في الحديث القدسي: بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة - متفق عليه-.
التخلص من الحياة
- ما السبب في إقدام بعض العمالة على الانتحار؟
- إن أسباب عملية الانتحار كثيرة فمنها الأسباب المادية، حيث تتركز هذه الأسباب غالبا في الضيق المالي، فقد يكون العامل قد فشل في جمع المال الذي يعينه على الحياة داخل الكويت، إلى جانب عدم تمكنه من جمع المبالغ التي يرسلها لأسرته التي تنتظره ليحقق لهم أملهم في حياة كريمة وبالتالي فشله في تحقيق طموحه وطموح أسرته ومن هنا تضيق به الحياة، ولذلك فإن التفكير القاصر للبعض يؤدي به للتخلص من الحياة.
ومن أسباب الانتحار المضايقات النفسية أو الاجتماعية، ولذلك يحاول الشخص التخلص من هذه المشاكل بطريقة سريعة وهي الانتحار.
وقد يقدم البعض على الانتحار بسبب المعاملة السيئة من قبل المخدومين، كالضرب والحبس والحرمان ومنع الراتب أو المنع من السفر أو غير ذلك.
مسؤولية الكفلاء
- كلمة إلى الكفلاء ومكاتب الخدم للتخفيف من معاناة العمالة الوافدة..
- ينبغي العلم بأن الله - تعالى -سيسأل كل إنسان عما تحت يده من الزوجات والأبناء والموظفين والخدم بل حتى البهائم، قال: (إن الله سائل كل راعٍ, عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيعه؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته)، وقال أيضا: (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت)، فصاحب المكتب مسئول عن العمالة التي في كفالته ورعايته، ورب العمل مسئول عن العمالة التي تعمل عنده في بيته أو مؤسسته، فعليه أن يتقي الله فيهم، فيحسن معاملتهم ويرفق بهم ويعجل لهم بأجورهم، ولا يظلمهم ولا يكلفهم ما لا يطيقون و لا يسبهم، ولا يشتمهم، ولا يضربهم، ولا يتأخر في دفع أجورهم مع القدرة والإمكان لأن ذلك من الظلم، فعن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - قال: كنتُ أضرب غلاماً لي بالسوط فسمعتُ صوتاً من خلفي: >اعلم أبا مسعود< فلم أفهم الصوت من الغضب قال: فلما دنا مني إذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يقول:>اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود<، قال: فألقيتُ السوط من يدي، فقال - صلى الله عليه وسلم -: >اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام<، قال: فقلت: لا أضرب مملوكاً بعده أبداً -رواه مسلم-.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد