الدكتور محمد السيد حبيب . . النائب الأول للمرشد العام للإخوان المسلمين في حوار مع المجتمع


 

بسم الله الرحمن الرحيم

القلق من إقامة دولة دينية نابع من فهم مغلوط لطبيعة الإسلام

أكد الدكتور محمد سيد حبيب النائب الأول للمرشد العام للإخوان المسلمين أن الضجة المفتعلة بعد فوز الإخوان الكبير في انتخابات مجلس الشعب عن إقامة ما يسمى بالدولة الدينية والمزاعم التي يروج لها عن تهديد حقوق الأقباط وما يتعلق بالفن والإبداع هي ضجة مفتعلة وتقوم على غير أساس أو علم.

وتحدث الدكتور حبيب عن رؤية الإخوان للإصلاح السياسي والاقتصادي والنهوض بالأمة وعلاقات الإخوان بالأمريكان وغيرها من المحاور التي ناقشناها مع فضيلته في هذا الحوار.. وإلى التفاصيل:

 شهدت الآونة الأخيرة صعوداً واضحاً لجماعة الإخوان المسلمين في الشارع السياسي، كانت نتيجته حصولهم على 88 مقعداً بمجلس الشعب المصري، فما القضايا التي تشغل الإخوان لعرضها على مجلس الشعب؟

في البداية أحب أن أؤكد أن وجود 88عضوًا من الإخوان المسلمين في مجلس الشعب المصري لن يؤثر جوهريًا على شكل أو تركيبة المجلس، حيث يتمتع حزب السلطة الحاكمة كما يقول بأغلبية أكثر من مريحة.. كل ما هنالك أن المناقشات سوف تكون جادة والحوارات مثمرة وبناءة والدور الرقابي والتشريعي سوف يكون متميزًا، الأمر الذي يمكن أن يكون له أثر على قرارات المجلس بما يؤدي إلى زيادة فاعليته واستعادة ثقة المواطن المصري به.. أما القضايا التي تشغل بال الإخوان النواب داخل المجلس فهي تتمحور حول ثلاثة أمور رئيسة:

أولها: قضية الإصلاح السياسي والتعديل الدستوري، على اعتبار أن ذلك يمثل المدخل الحقيقي والطبيعي لكافة أنواع الإصلاح الأخرى.

ثانيها: قضية التعليم والبحث العلمي وتوطين التكنولوجيا على أساس أن ذلك يشكل عماد النهضة وركيزة الرقي والتقدم.

ثالثها: قضية التنمية الشاملة (بشريًا، واقتصاديًا، واجتماعيًا، وثقافيًا... إلخ).

ولا يفوتنا في هذا الصدد التركيز على القضايا المجتمعية التي يعاني منها المواطن المصري وأقصد بها مشكلة البطالة، والتضخم وارتفاع الأسعار، وأزمة الإسكان، والنقل والمواصلات، والصحة والتلوث البيئى... إلخ.

هناك من يتهم الإخوان بأنهم ضد الفن والإبداع، ويتخوفون من أن نوابكم سيتصدون لكل ما فيه ثقافة وإبداع؟

نحن لسنا ضد الثقافة والفن والإبداع من حيث المبدأ، بل العكس هو الصحيح، فالإسلام يحض على الارتقاء بالذوق العام وضرورة تشكيل النفس والعقل والقلب الوجدان بما يفجر طاقات الإنسان ويجعله يبتكر ويبدع في كافة مجالات الحياة.. ولا شك أن مناخ الحرية ينشئ ثقافة وفنًا مبدعًا خاصة إذا كان معبرًا عن الهموم الحياتية للمواطن والتحديات التي يواجهها ومراعياً لقيم المجتمع والآداب العامة التي تعارف عليها الناس من ذوي الفطر السليمة والعقول السوية. وأما مناخ الديكتاتورية والاستبداد فينتج ثقافة وفنًا أكثر ميلاً إلى الإسفاف والابتذالº فضلاً عن تسطيح الأفكار والاستخفاف بالعقول.. والأمة القادرة على الابتكار والإبداع هي بالضرورة قادرة على تحقيق النهضة والرقي والتقدم.. ويرى البعض أن الإبداع يمكن أن ينبثق من رحم المعاناة.

إن لكل مجتمع خصوصيته الثقافية وقيمه وأعرافه وتقاليده... وأظن أن من حق نواب الشعب، بل من واجبهم أن يحافظوا على هذه الخصوصية، وأن يقوموا بدورهم في مساءلة الجهات أو المؤسسات التي تروج للأعمال الإباحية... أو الشذوذ.. أو الانحراف الأخلاقي بدعوى الإبداع... هذا ولابد من قراءة ومراجعة تلك الأعمال الإبداعية المزعومة على يد أهل التخصص والخبرة في المجالات المختلفة، وللقضاء الحق في إصدار كلمته إيجابًا أو سلباً.

 هل لديكم مشروع متكامل للنهوض بالحالة السياسية والاقتصادية في مصر؟

نحن نعتقد أن الإصلاح السياسي هو المدخل الحقيقي والطبيعي لكافة أنواع الإصلاح الأخرى... وقد أعلنا قبولنا بالديمقراطية التي تقر بالتعددية السياسية، والتداول السلمي للسلطة واعتبار أن الأمة مصدر السلطات، والإصلاح السياسي كما نراه يتضمن إنهاء حالة الطوارئ، وإطلاق الحريات العامة (من حيث حرية إنشاء الأحزاب، وحرية الصحافة، وحرية النقد والتعبير، وحرية التظاهر السلمى، وحرية الاجتماع... إلخ) وإلغاء المحاكم والقوانين الاستثنائية المقيدة للحريات، واستقلال القضاء، وتمكين القضاة من الإشراف الكامل والحقيقي على الانتخابات العامة كى تعبر بحق وصدق عن الإرادة الشعبية، وإزالة المعوقات التي تكبل حركة مؤسسات المجتمع المدنى... إلخ.

ولا ننسى في هذا الصدد ضرورة إجراء تعديلات دستورية تشتمل على تغيير نص تعديل المادة 76 من الدستور بما يضمن توفير فرص متكافئة ومنافسة حرة حقيقية بين المواطنين جميعًا، وذلك بإزالة الشروط التعجيزية التي وضعت في التعديل والتي أفرغته من مضمونه.. أيضًا تغيير المادة 77 من الدستور بحيث تقتصر فترة الرئاسة على أربع سنوات تجدد لفترة واحدة فقط.. كذلك تغيير المواد التي تعطي صلاحيات شبه مطلقة وغير محدودة للرئيس، وضرورة أن يكون مساءَلاً أمام المجلس التشريعيº على اعتبار أنه يقبع على رأس السلطة التنفيذية.

وأما مشروعنا للنهوض بالأوضاع الاقتصادية فيشتمل على عدة محاور أساسية هي:

1 إعادة النظر في دور القطاع العام وعملية الخصخصة.

2 تحقيق الرعاية الاجتماعية بين نظام الدعم وإقامة الزكاة.

3 إصلاح أوضاع المالية العامة للدولة (النفقات العامة، والسياسة الضريبية، والاقتراض العام، والتمويل بالعجز).

4 إعمال آليات السوق مع مواجهة الأوضاع الاحتكارية.

5 تصحيح مسار السياسة النقدية.

6 الانفتاح المتوازن على الاقتصاد العالمي (تحرير التجارة الخارجية، التصدير، الاستثمارات الأجنبية).

7 تعميق المشاركة الشعبية بدعم المحليات وإعادة الاعتبار للأوقاف.

8 إيجاد حلول عاجلة لمشكلة البطالة لحين إنطلاق معدلات النمو.

9 دعم القطاع الخاص كرأس حربة لتحقيق أهداف التنمية.

10 مواجهة حاسمة للفساد.

11 ملاحقة التقدم العلمي والتكنولوجى.

 برنامج الإصلاح السياسي الذي قدمه الإخوان لا يختلف كثيرًا عن برامج الأحزاب السياسية.. فما التميز الذي يقدمه الإخوان؟

يشترك الإخوان مع بقية القوى السياسية والوطنية في معظم عناصر الإصلاح السياسي، وهذا ناشئ عن الجهود المشتركة التي قام بها الأحزاب والقوي السياسية بما فيها الإخوان خلال العقود الماضية والتي توجت بإصدار وثيقة واحدة للإصلاح السياسي عام 1997 أطلق عليها \"الإصلاح السياسي والديمقراطية\".

لكن من المؤكد أن هناك اختلافًا بين الفصائل السياسية حول تحديد أولويات هذه العناصر، فضلاً عن آليات الحركة.. أيضا هناك شبه اتفاق بين كل الأطراف السياسية إلى ضرورة إجراء بعض التعديلات الدستورية - كما ذكرنا أنفًا - وإن كان بعض العلمانيين يريد تغيير الدستور تغييرًا كاملاً وشاملاً، بما في ذلك المادة الثانية من الدستور الحالي والتي تنص على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام، ومبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع، الأمر الذي يتصادم مع رغبة الشعب كله الذي عرف بتدينه الشديد وفرضه على الالتزام بأحكام الإسلام.

لكن يجب ألا ننسى البعد الإيماني والأخلاقي التي يصر الإخوان على مزاولة السياسة من خلالها، وفضلاً عن الالتزام والقواعد الأصولية من حيث فقه الواقع والأولويات والتوازنات.. إلخ.

 هناك حالة من القلق لدى شرائح من النخبة في مصر وخارجها من أن الإخوان يسعون إلى تأسيس دولة دينية.. فما ردكم على ذلك؟

هذا القلق نابع من فهم مغلوط لطبيعة الإسلام.. والذين يتحدثون عن الدولة الدينية بنفس المعنى الكنسي الذي كان موجودًا في أوروبا في القرون الوسطي يوم أن كانت الكنيسة مهيمنة على سلطة الدولة نقول لهم إن القضية مختلفة جملة وتفصيلاً.

لقد خاض الإخوان الانتخابات النيابية الأخيرة على أساس برنامج واضح المعالم تحت شعار \"الإسلام هو الحل\" باعتبار أن الإسلام كما قال الإمام البنا - رحمه الله - نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعاً، فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة، أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة، أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة، سواء بسواء (التعاليم).. وهذا يتسق في الواقع تمامًا مع الدستور الذي ينص في مادته الثانية على أن دين الدولة الإسلام، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع.. نحن نقول إن الدولة التي نريدها هي دولة مدنية.. دولة مؤسسات.. دولة قائمة على مبادئ الحكم الدستورى.

يقول الإمام البنا: \"إن الباحث حين ينظر إلى مبادئ الحكم الدستوري التي تتلخص في المحافظة على الحرية الشخصية بكل أنواعها، وعلى الشورى واستمداد السلطة من الأمة، وعلى مسئولية الحكام أمام الشعب ومحاسبتهم على ما يعملون من أعمال، وبيان حدود كل سلطة من السلطات، هذه الأصول كلها يتجلى للباحث أنها تنطبق كل الانطباق على تعاليم الإسلام ونظمه وقواعده في شكل الحكم، ولهذا يعتقد الإخوان المسلمون أن نظام الحكم الدستوري هو أقرب نظم الحكم القائمة في العالم كله إلى الإسلام، وهم لا يعدلون به نظاما آخر\". (المؤتمر الخامس).

 أنتم ترفضون التقدم بإنشاء حزب سياسي لجماعة الإخوان المسلمين، بحجة أن لجنة شئون الأحزاب غير دستورية، ومع ذلك تقدم البعض بطلب حزب وتمت الموافقة، ما رؤيتكم لهذا الموضوع؟

نحن نسعى مع بقية القوى السياسية والوطنية إلى تعديل أو تغيير قانون الأحزاب، وبالتالي إلغاء هذه اللجنة المسماة بلجنة شئون الأحزاب فهي ليست دستورية، وتمثل خصماً وحكماً في آن واحد، وهي معوقة أكثر منها أي شيء آخر، فضلاً عن أنها تتدخل في شئون الأحزاب بطريقة تشل حركتها وتحد من فاعليتها، وهذا هو أحد أسباب ضعف وهشاشة بنية الأحزاب، ثم إننا لا نريد أن ننشئ حزباً ليكون مصيره كالأحزاب القائمة... إن المشكلة تكمن في المناخ السياسي بشكل عام، وما لم يتغير هذا المناخ فسوف تظل الأمور كما هي.. باختصار نحن نريد أن ينشأ الحزب برغبة شعبية ويكفي مجرد الإخطار.

 خطابكم يخلط أحياناً بين الدين والسياسية.. فلا أنتم من أهل الدين الخُلّص.. ولا من أهل السياسية المحترفين.. ما حقيقة هذه الازدواجية؟

السياسة جزء من الإسلام.. ويحضرني في ذلك قول الإمام البنا: \"إذا لم يكن الإسلام شيئاً غير السياسة وغير الاجتماع وغير الاقتصاد، وغير الثقافة، فما هو إذن؟ \" ويقول أيضاً: \"إن المسلم لا يتم إسلامه إلا إذا كان سياسياً، يعيد النظر في شئون أمته، مهتمًا بها غيورًا عليها\".

بعض الأقباط في مصر أزعجهم صعود الإخوان في الفترة الأخيرة، لدرجة أن البعض صرح بأنه سوف يهاجر من مصر! ما طبيعة علاقتكم مع الأقباط؟

نحن ننظر إلى إخواننا الأقباط على أنهم مواطنون لهم كافة حقوق المواطنة، وهم جزء من نسيج المجتمع المصري، ونعتبرهم شركاء الوطن والقرار والمصير، ويترتب على هذا أن يكون المعيار الذي يتم على أساسه تولي الوظائف العامة هو معيار الكفاءة والقدرة والخبرة وليس الدين أو العقيدة.

من هذا المنطلق نحن نرى أن انزعاج بعض الأقباط من صعود الإخوان لا مبرر له وغير منطقي، لكن المناخ السياسي الرديء الذي يعيشه الشعب المصري والذي أدى إلى وجود حالة توجس وتوتر واحتقان عامة شملت كلاًّ من المسلمين والأقباط هو السبب الحقيقي وراء هذا الانزعاج.. أيضًا انغلاق إخواننا الأقباط على أنفسهم وعدم محاولتهم الاندماج في الحياة العامة يعزز من هذه الهواجس.

نحن من جانبنا نجري حوارات معهم ونحاول إخراجهم من عزلتهم تلك وذلك عن طريق دفع بعض أفراد منهم للاشتراك في العمل النقابي والمؤتمرات والندوات ذات الشأن العام، هذا فضلاً عن دعم بعضهم في الانتخابات النيابية والنقابية.

 من حين لآخر تطفو على السطح إشكالية علاقتكم بالأمريكان.. فهل هناك علاقة معهم؟ وهل تم الاتصال بهم عبر قنوات مباشرة أو غير مباشرة؟

لا توجد هناك أي علاقة بيننا وبين الأمريكان، ولا يوجد هناك أي اتصال من أي نوع، وقد سبق أن قلنا ذلك مرارًا.. نحن لسنا دولة داخل دولة، كما أننا حريصون على استقلال وهيبة الدولة ومراعاة مؤسساتها، ولا يمكن أن نسمح أو نكون سبباً بالمساس بهذه الهيبة، فإذا رغبت الإدارة الأمريكية في إجراء حوار معنا فعليها أن تستأذن أولاً الخارجية المصرية، وأن تبيّن على ماذا نتحاور.

 موقفكم من اليهود غير واضح، فمرة تصرحون بأنكم لن تلغوا المعاهدات مع اليهود إذا وصلتم للحكم، ومرة أخرى تقولون إن الهولوكست أسطورة، ما موقفكم بالتحديد؟

الكيان الصهيوني مغتصب لفلسطين أرض العروبة والإسلام، ولا يمكن لشعب أبي أن يُحتل أرضه ويُعتدى على مقدساته ثم يظل ساكناً لا يتحرك، فمقاومة المحتلين بكل الوسائل المتاحة فرضها الإسلام وأقرتها القوانين والمواثيق والأعراف الدولية... أما اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام التي أبرمتها مصر مع الكيان الصهيوني في أواخر السبعينيات من القرن الماضي فمن المفترض أن تقيّم كل فترة تقييمًا شاملاً ما لها وما عليها عن طريق فقهاء القانون الدولي وخبراء الاستراتيجية والمختصين في شئون الأمن القومي، مع مراعاة الأبعاد الدولية والإقليمية والمحلية، وتعرض خلاصة دراساتهم على المؤسسات الديمقراطية للدولة صاحبة القرار.

أما ما قيل بخصوص وصف الهولوكست بأنها أسطورة فلم يأت على سبيل الإنكار لها وإنما على سبيل التهويل والمبالغة التي يزعمها اليهود، وليس معنى هذا أننا لسنا ضدها أي المحرقة أيًا كان العدد الذي تمت تصفيته، وعمومًا كان ينبغي ألا ينعكس ذلك على ضياع حقوق شعب فلسطين، واحتلال أرضه واستباحة حرماته ومقدساته.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply