بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين قال في محكم كتابه: {إن الدين عند الله الإسلام} (آل عمران: 19)، والصلاة والسلام على من آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب، فقام بتبليغ رسالته خير قيام، فكتب الله لها الذيوع والانتشار (صلى الله وسلم عليه) وعلى من آمن به واتبع نهجه وسلك طريقه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فلماذا الإعلام الإسلامي؟
فإنه لما كان الإعلام بمفهومه العام يعرف من قبل بعض العلماء بأنه (تزويد الجماهير بالمعلومات الدقيقة والأخبار الصحيحة والحقائق الثابتة والسليمة التي تساعدهم على تكوين رأى صائب في واقعة من الوقائع أو مشكلة من المشكلات، بحيث يعبر هذا الرأي تعبيرًا موضوعيًا عن عقلية الجماهير وميولهم واتجاههم)(1).
وهذا معناه أن رسالة الإعلام تعنى تزويد الناس بأكبر قدر من المعلومات الصحيحة والحقائق الواضحة بهدف التنوير والتثقيف ونشر الأخبار والمعلومات الصادقة التي تنساب إلى عقول الناس، وترفع من مستواهم، وتنشر تعاونهم من أجل المصلحة العامة فكريًا وثقافيًا واجتماعيًا... إلخ.
وحينئذ فإن الإعلام يخاطب العقول لا الغرائز أو هكذا ينبغي أن يكون.
ولكن الواقع ينفى هذا الأمرº لأن الإعلام يقوم على تزويد الناس بأكبر قدر من الأكاذيب والضلالات وأساليب تهييج الغرائز معتمدًا على الخداع والتزييف، وقد ينشر الأخبار والمعلومات الكاذبة، أو التي تثير الغرائز وتهيج شهوة الحقد وأسباب الصراع فتحط من مستوى الناس وتثير بينهم عوامل الفرقة والتفكك لخدمة أعداء الأمة وكثيرًا ما يتجه إلى إثارة الغرائز وصولاً إلى الانحطاط الأخلاقي والقضاء على القيم والأعراف تشبهًا بالغرب في أعرافهم وتقاليدهم، وهذا ما يجرى الآن في كافة البلاد العربية والإسلامية من خلال غالبية وسائل الإعلام.
وحتى يكون التعريف العلمي للإعلام بمعناه العام دقيقًا ينبغي أن يشمل النوعين حتى يضم الإعلام الصادق والإعلام الكاذب، والإعلام بالخير، والإعلام بالشر، والإعلام بالهدى، والإعلام بالضلال، وحتى يكون كل نقل للمعلومات والمعارف والثقافات بطريقة معينة من خلال وسائل الإعلام بقصد التأثير، سواء أكان التعبير لعقلية الجماهير أو لغرائزهم.
ومن هنا تبرز الحاجة الماسة إلى الإعلام الإسلامي فهو عبارة عن (بيان الحق وتزيينه للناس بكل الطرق والأساليب والوسائل العلمية المشروعة مع كشف وجوه الباطل وتقبيحه بالطرق المشروعة يقصد جلب العقول إلى الحق وإشراك الناس في نوال خير الإسلام وهديه وإبعادهم عن الباطل أو إقامة الحجة عليهم)(2).
ولن يكون الحل الصحيح إلا في الإسلام كنظام عام للحياة، حيث يقدم توجيهاته بالطريقة البعيدة عن كل أنواع التضليل والزيف والكذب والإعلام الإسلامي يعمل على معالجة قضايا الحياة في كل مناحيها من منظور إسلامي، ذلك لأن الإسلام كما أنزله الله - تعالى - يستهدف تصحيح مسارات المجتمعات الإنسانية وتقنين قيمها وأخلاقها وتشريع قوانينها ودساتيرها والإعلام الإسلامي ينبع من رسالة السماء التي جاء بها محمد (عليه الصلاة والسلام) هذا الدين الذي نزل هدى ورحمة للعالمين، وجارى التطور في كل مكان وزمان ولم تقف أمامه مشكلة من المشكلات، كما وضع أصولاً خالدة لإصلاح جميع مجالات الحياة ونواحي النشاط الإنساني، وأقام مبادئه على سمو الغاية ووحد بين الأجناس والعناصر والألوان، ودعا إلى أخوة بشرية عامة لا فضل فيها لأحد على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح، وجمع الكثير من الأمم والشعوب تحت ظلاله {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا} وتتلخص أصول الإعلام الإسلامي في العقيدة الإسلامية وفى المبادئ الأساسية للمجتمع المسلم، وفى نظام العبادة للمسلم امتثالاً لأمر الله، وفى الأسس التي يبنى عليها كيان الأمة الإسلامية، وفى أفكار الإسلام الأساسية في خدمة الحياة في شتى مجالاتها.
ولذا كانت أهم أهدافه تجديد الدعوة إلى التوحيد وتحرير العقيدة من مفتريات أعداء الإسلام، وفضح العقائد الزائفة التي صنعها الاستعمار، والعمل على ترقية اهتمامات الناس، وتأكيد معنى حرية الفرد وطهارة المجتمع الإسلامي والاهتمام باللغة العربية الفصحى، والعمل على إعلاء شأنها باعتبارها لغة القرآن الكريم والتمسك باستخدامها في الأداء الإعلامي الطباعي والصحفي والإذاعي وبعث الفكر الإسلامي الأصيل التماسًا لمنابعه الأولى من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، ولا يمكن تحقيق هذه الأهداف إلا بمشاركة وجدانية تحفز الأفراد على الإخلاص في السر والعلن، وعلى التعاون من غير حقد أو حسد، وهذه مسئولية أجهزة التأثير تجاه المتلقي فردًا أو مجتمعًا.
والذين يسيئون استخدام الإعلام في العصر الحاضر يوسوسون إلى أوليائهم ويجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق - حيث أحكم الإعلام الشيطاني قبضته على الناس اليوم، فاستولى على أفئدتهم قبل أسماعهم وأبصارهم، ولم يدع لهم متسعًا من الوقت يلتقطون فيه أنفاسهم فأنساهم - باستحواذه عليهم - ذكر الله، وصرفهم عن مصادر النور والهداية، مما أثار اهتمام بعض المتخصصين في الإعلام إشفاقًا على الإنسانية(3) وفزعًا من آثار هذا الإعلام المدمر على الأصالة الفكرية والثقافة الإنسانية - يقول تعالى: {وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس فجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين} (فصلت: 29).
وإضلال الإعلام الشيطاني للناس يتم في صور متعددة، لكن أخطره ما يقوم على تزوير الحقائق وتزييف الحياة وقلب للأشياء، وما لم يقوَّم تكن فتنة في الأرض وفساد كبير(4).
يقول - سبحانه وتعالى -: {وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول فى أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين} (فصلت: 25).
ويقوم الإعلام الشيطاني اليوم بالدور نفسه الذي يقوم به قرناء السوء، حيث استحدثت وسائل الاتصال العصرية فنونًا لإثارة الغرائز كالإعلانات الرتيبة والموسيقى الصاخبة والدعايات المسمومة وأفلام الجنس، ومظاهر العنف وغيرها(5)، فتأثر الناس بها وأفقدتهم القدرة على التمييز فاختاروا الضلالة على الهدى بما تقوم به من تحسين وتزيين.
يقول – سبحانه -: {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنًا فإن الله يضل من يشاء ويهدى من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون} (فاطر: 8).
وهناك إعلاميون يقومون بالدور نفسه فهم يزخرفون القول والعمل فتنة للناس، وصرفًا لهم عن الحق مستخدمين في ذلك شتى الوسائل والأساليب الإعلامية، ذلك لأن الإعلام يملك من أسباب الفتنة ما يملك حتى غدا كأنه سحر فهو يبث عبر وسائله التقنية المتقدمة وفنونه المختلفة وسرعته الفائقة وانتشاره الواسع يبث من الباطل أكثر ما يبث من الخير، وهو في كل ذلك ذو براعة في تزيين ما يريد تزيينه(6).
ولا يستطيع صاحب عقل وفكر تجاهل أثر كثير من وسائل الإعلام اليوم في صرف الناس عن منابع الخير والهدى (القرآن الكريم والسنة المطهرة) يضلهم ويغويهم فما أحرانا بالسعي لهدايتهم بتحرير عقولهم وبصائرهم من قبضة أفكار المسيطرين على هذه الوسائل بما جاءنا من هدى الله {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدى به الله من اتبع رضوانه سُبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم} (المائدة: 15، 16).
وذلك قبل أن يعمهم الندم يوم لا ينفع الندم {ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانًا خليلاً لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً} (الفرقان: 27 - 29).
إن وسائل الإعلام بما لها من تأثير على فكر الإنسان وآرائه وطرق معيشته وأنماط سلوكه ينبغي التحذير من سوء استعمالهاº لأن ذلك يعرض مستقبل البشرية وحاضرها للخطر وغياب الإعلام الإسلامي عن الميدان يفقد الإنسانية واحدة من أهم أدواتها للحصول على سلام العالم المقصود والمأمول والمنشود، وقد استطاع الإعلام الإسلامي بوسائله التي أتيحت له في الماضي أن يصبغ الحياة الإسلامية خاصة بصبغة إنسانية فريدة، وأن يؤثر في الحياة الإنسانية عامة تأثيرًا إيجابيًا بناء، وذلك بتبنيه قضايا الإنسانية ومعالجتها على نحو يوائم الفطرة، ويفتح العقل، ويحقق مطالب النفس والاجتماع في الأمن والسعادة والتقدم، فإذا أتيحت الوسائل العصرية الحديثة وجد العالم كله من الإعلام الإسلامي إجابة صادقة مقنعة لكل ما يواجه العالم من مشكلات وما يعرض له من مسائل وتساؤلات.
هدانا الله إلى سواء السبيل ووفقنا إلى صراطه المستقيم.
___________________
الهوامش:
(1) د. عمارة نجيب: الإعلام في ضوء الإسلام صـ 17، 18.
(2) د. إبراهيم إمام: الإعلام الإسلامي المرحلة الشفهية صـ 27، نشر الأنجلو المصرية 1980م.
(3) انظر د. إبراهيم إمام: الإعلام الإذاعي والتليفزيوني: صـ 189، 190 ط. دار الفكر العربي.
(4) انظر د. زيدان عبد الباقي: وسائل وأساليب الاتصال: صـ 353، ط. 2 مكتبة النهضة 1979م.
(5) د. إبراهيم إمام: الإعلام الإسلامي المرحلة الشفهية: صـ 24، مرجع سابق.
(6) انظر د. زين العابدين الركابي: النظرية الإسلامية في الإعلام والعلاقات الإنسانية: صـ 322، منشورات الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ط1، 1979م.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد