الرؤى جزء من النبوة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الرؤى جزء من النبوة والتلاعب بتأويلها جراءة على الشريعة

التلاعب بالنبوة عبر شاشات الفضائيات والمنتديات عمت بها البلوى

نساء ينتظـرن سنوات تحقق الرؤيــا

 

الشيخ عزيز العنزي:

- بعض معبري الرؤى يشترطون مبلغا محددا يصنف على حسب قوة الرؤية وضعفها

 تأويل الرؤى من الفتوى ولها أصولها وقواعدها ولا يتصدى للتأويل والتعبير إلا عالم أو فقيه

 

 الدكتور علي الشبل

لا يسوغ للمؤمن أن يسأل عن كل رؤيا ومنام رآه ويجب أن يكون عاقلا فطنا

لا يليق تضييع الأوقات بالجلوس لتعبير الرؤى خلال الشاشات وفي المنتديات

 

سماحة المفتي العام:

توسع الفضائيات والصحف والمجلات والمنتديات في تأويل الرؤى ادعاء لمعرفة المستقبل وأكل لأموال الناس بالباطل.

 

المعلمات:

الأحلام مرتبطة بالعقل الباطن الذي يعكس ما يراه الإنسان طوال اليوم من مشاكل وحوادث

موجة التأويل التي تقودها القنوات الفضائية شرك تجذب إليه ذوي الأرواح المتعبة والقلقة

 

الدكتور سعود الشريم:

 على المعبرين ألا يتسارعوا في التعبير وأن يدركوا خطورة الافتتان والإعجاب بالنفس

 تعبير الرؤى من خلال الشاشات التي يراها الملايين من الناس أمر خطير يجب الانتباه إليه

 

تحقيق: ثريا العبيد

 تحتل موضوعات تفسير الأحلام في مواقع الإنترنت والبرامج التلفزيونية والمطبوعات الإعلامية ومجالس النساء..مساحة كبيرة وعريضة وفي عصر التقنية وسهولة الوصول للمعبرين وانتشار التأويل راجت فكرة التأويل خلال الفضائيات والشاشات والمنتديات، بل هناك من خصص لها خطوطا هاتفيه للرد على المتصلين في أوقات محدده واشترط البعض منهم مبالغ مالية تكون قيمة التأويل حسب أهمية الشخص وأهمية الرؤى بالنسبة له.

 (الدعوة) فتحت ملف التلاعب بالتأويل من خلال الشاشات والفضائيات وجرأة البعض على النبوة والتلاعب بها، وطرحت الموضوع على طاولة أهل الاختصاص الذين بينوا حكم هذه التصرفات وخطورة التوسع بها وفتح الباب أمام ضعاف العقول والجهال فإلى التحقيق.

 

الواقعية

الأستاذة نورة الرويشد معلمة تقول: أرى أن النساء أكثر اهتماما بهذا الشأن من الرجال، وأحيانا يجتمعن حول أحاديث عن الأحلام، وأحيانا تطرح هذه الموضوعات على الإنترنت وفي القنوات الفضائية، ولكنني لا أكترث بها لأنني واقعية، لأن ما يتعلق بالأحلام يقع في دائرة الغيبيات. تؤكد نورة أن الأحلام مرتبطة بشكل وثيق بما يخزنه العقل الباطن، وتقول: إن دراسات علم النفس توضح أن العقل الباطن يعكس ما يراه الإنسان طوال اليوم من مشكلات ومشاعر تتركب في الذاكرة وتأتي في الحلم في شكل مشاهد وصور. وهناك أحلام تحمل رسالة محددة وأحيانا أرى أحلاما تؤثر في نفسي وأشعر بالضيق ولكنني لا أتركها تؤثر في حياتي. وأرى أن مفردات ورموز الأحلام يتم تفسيرها وفقا لوعي وثقافة الإنسان والمجتمع، وأن الأحلام لا تأتي من فراغ وأنها تحمل في أحيان كثيرة دلالات ومعاني مرتبطة بالواقع.

 

اللهاث وراء المجهول

وتضيف الأستاذة شروق الفواز موضحة حرص الإنسان لمعرفة المجهول فتقول: في كل مرة نشاهد التلفاز وتنتقل عبر قنواته لابد أن يلفت نظرنا الاتجاه الجديد الذي بدأت تتخذه الكثير من القنوات الفضائية، لإرضاء مشاهديها وربما للتلاعب باحتياجاتهم وتعطشهم الشديد لاسترشاد الأمل والرغبة في التغير والتحول، هذه الموجة الجديدة التي تقودها القنوات الفضائية وتوجهها مباشرة للمشاهد المحبط، أو الحالم الطموح، تكاد تكون شركا تجذب إليه ذوي الأرواح المتعبة المشوشة، والتي طال انتظارها على أمل تحسن الحال أو انقلابه، إنها برامج تفسير الأحلام والتي تتفنن أغلب الفضائيات في بثها، فمنهم من يصبغ عليها صبغة دينية فيستضيف شيخا عالما بتفسير الأحلام، ليفسر أحلام المشاهدين فيبعث التفاؤل أو ينذر بالويل لمن يسأله.

وتضيف قائلة: نعم لا ننكر وجود الرؤى وعلم تفسيرها، ولكن للرؤى شروط وموجبات ذكرها المصطفى - عليه السلام -، وشدد عليها فليس كل طارئ أو طيف نراه في منامنا هو رؤيا، وليس بالضرورة أن يكون له مدلول، فلماذا نعلق نجاحنا أو إحباطنا ونربطه بالغيبيات لنقضي عمرنا كله ونحن ننتظر تحقق هذا الحلم أو انتفاءه ولماذا لا ننصرف إلى الواقع ونواجهه فنجد ونجتهد لنكسب وننجح إن كنا نحتاج إلى المال والرفعة؟ ولماذا لا نتصافى ونتصارح مع من حولنا إذا كانت نفوسنا تتوق للسلام والعيش في وئام؟ لماذا نعتمد على الآخرين مهما كانت منزلتهم العلمية في تأكيد حاجتنا النفسية والحياتية؟ خزعبلات تستغرب تصديقها والعمل بها، في عصر لا يعتمد إلا على الحقائق والوقائع، هل هو ارتباط الإنسان الفطري بالأشياء الروحية والغيبية؟ أم أنها الضغوط النفسية والمهنية التي فرضتها الحياة المدنية علينا والقلق المتصاعد الذي خلفه إيقاع حياتنا العصرية في نفوس الكثير منا؟ وتؤكد شروق قائلة فما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، لنتكل على الله ونعمل ونجد ونسمو بأهدافنا ومطالبنا لما يرجوه منا ديننا من رقي وإدراك بعيدا عن الفرص الشاردة أو الأفكار المطاردة، وحتى لا نسمح لهذه الفضائيات بأن تستغل الفضاء الكبير الذي يحتل قلوبنا فتملأه بأفكارها وأهدافها المقصودة وغير المقصودة، لتملأ خزائنها من جيوبنا وتحقق نجاحها من فواتير هواتفنا، وحقوقنا الضائعة فإلى متى هذه الغفلة؟

والى متى سنظل نلهث وراء المجهول، والنور رابض في قلوبنا ينتظر منا أن نعيد جذوته ليضيء حياتنا بالإيمان والتوكل والنجاح، بعيدا عن وسوسات النفس المتوجسة وأطماع الفضائيات المتربصة.

 

علم الغيب

سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ حذر من ظاهرة تفسير الأحلام وتوسع محطات التلفزيون والصحف والمجلات والمنتديات في تأويلها كوسيلة لكسب المال والشهرة، إن هذا العمل ادعاء لمعرفة المستقبل، وهذا يدخل في علم الغيب، وقال: إنها أكل لأموال الناس بالباطل، وأن المسلم إذا رأى في منامه رؤيا فعليه أن يتبع الأدب النبوي في ذلك، فإن كانت رؤيا تسره ويحبها فليحمد الله ولا يحدث بها إلا من يحب، وإن رأى ما يكره، فليستعذ بالله من شرها ومن شر الشيطان، ويتفل ثلاثا ولا يحدث بها أحدا، ويتحول عن شقه الذي كان عليه ولا تضره الرؤيا.

 

وقال سماحته إن تفسير الأحلام ليس من العلم العام الذي يحسن نشره بين المسلمين ليصححوا اعتقاداتهم وأعمالهم، وإن التوسع في باب تفسير الأحلام في القنوات الفضائية والصحف والمجلات والمنتديات، جذبا للناس وأكلا لأموالهم بالباطلº كل هذا شر عظيم، وأنه يجب على المسلمين التعاون في منع هذا ا لأمر، ويجب على ولاة الأمور السعي في غلق هذا الباب، لأنه باب شر وذريعة إلى التخرص والاستعانة بالجن، وجر المسلمين إلى الكهانة، زيادة على ما فيها من الأضرار من إحداث النزاعات والشقاق والتفريق بين المرء وزوجه، والرجل وأقاربه وأصدقائه، بدعوى أن ما يقوله العابر في تفسير الأحلام، يؤخذ على أنه حق محض لا جدال فيه، وتبنى عليه الظنون، وهذا من أبطل الباطل.

 

زيادة ملحوظة

الشيخ عزيز بن فرحان العنزي معبر رؤى يقول: إن أمر الرؤى والأحلام من الأمور التي اعتنت بها الأمم على مر العصور، وذلك لما تعكسه هذه الرؤى على النفوس من تأثيرات تتنوع ما بين أفراح وأتراح، حسب ما يرون في منامهم مما يقدره الله - سبحانه وتعالى -، وهذه الرؤى والأحلام من الأمور الجبلية التي يتعرض لها جنس الإنسان، وهي اعتقادات أو إدراكات يعلقها الله في قلب العبد على يدي ملك أو شيطان.

 

ولقد زادت عناية الأنبياء - عليهم السلام - بها، وهكذا نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - كان غالبا ما يقول عندما يصبح ويجلس بين أصحابه: (هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا) فعناية النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسؤال عنها دليل على شدة الاهتمام بأمر الرؤيا، إلا أنه في الآونة الأخيرة زاد اعتناء الناس بأمر الرؤى والأحلام زيادة ملحوظة، لكثرة ما يرونه في منامهم، حتى أصبح الشيطان يلعب بعقول كثير من الناس ونفوسهم، وأخرجهم هذا الاهتمام الزائد إلى كثير من الأمور غير المشروعة والتخبط الكبير والبعد عن المنهج النبوي في التعامل مع ما يرونه في منامهم، ولا سيما جنس العامة الذين هم أسرع الناس إلى التأثير والتصديق من غيرهم.

 

إفرازات

ويضيف فضيلته قائلا: وهذا الاهتمام الزائد بالرؤى والأحلام أفرز لنا في المقابل عددا ليس بالقليل ممن يتصدى لتعبير الرؤى، وهم ما بين متمكن موفق يحمل صفات المعبر الشرعي وهم قلة قليلة، وما بين هاو متطفل على مائدة المعبرين من أهل العلم والبصيرة يتلذذ لكل جديد، ويطير مع كل غريب، ويحاول أن يقتحم هذا الأمر العظيم والخطب الجسيم، وأنى لهم التناوش من مكان بعيد ويقذفون بالغيب من مكان بعيد، حتى إنك لتسمع الآن في البلد الواحد عشرات الأشخاص الذين يزاولون تعبير الرؤى، والكثير منهم يهرفون بما لا يعرفون، فتجد بعض هؤلاء الهواة إن صح التعبير يعبرون رؤى من يسألهم، من خلال خلفيات معينة يحملونها، إما ثقافية، أو فكرية، أو منهجية، أو سياسية، أو عاطفية، فيطوعون الرؤيا لهذا المشرب أو ذاك.

 

تطفل الجهلة

ويضيف الشيخ العنزي قائلا: بدأت تلوح بالأفق ظاهرة تعبير الرؤى والأحلام مما ينبئ بانتشارها على نطاق واسع إن لم يكن لأهل العلم تدارك فيها قبل أن تصبح حرفة في الأيام القادمة ولا استبعد أن يشترط البعض على  تعبيرهم للرؤية مبلغا محددا، يصنف على حسب قوة الرؤية من ضعفها!! كما حصل لكثير من الذين يرقون، فيصبحون يتآكلون بها في كتب تباع أو روايات تحكى يخوفون بها الناس لتحقيق مطامع ومصالح، مثل تلك الرؤى التي يروج لها أرباب الطرق يزعمون فيها أن من روجها بين الناس وفعل ما فيها حصل له من الفضل كذا وكذا، وأن من أعرض عنها ولم يفعل ما فيها أصابه من الضر ما الله به عليم، زعموا، أو تحدث فتنة بين الناس خاصة ما نسمعه ونقرأه من الجزم بخروج المهدي مثلا، أو تغير سنن كونية في العالم.

أصول وقواعد

ويؤكد الشيخ العنزي على أن تعبير الرؤيا من ضروب الفتوى، وأنها من العلوم الشرعية، لها أصولها وقواعدها، فلا ينبغي أن يتصدى لها إلا عالم أو فقيه بها، ومن قال فيه كذبا ففي الشر وقع، يقول - تعالى -: {إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون} [النحل: 116]. وقد سئل إمام دار الهجرة مالك بن أنس أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال: أبالنبوة يلعب وقال - رحمه الله - لا يعبر الرؤيا إلا من يحسنها، فإن رأى خيرا أخبر به، وإن رأى مكروها فليقل خيرا أو ليصمت، وينبغي لمن يحسن التعبير أيضا إذا أخبر برؤيا أن يعبرها على خير وأن يحذر أشد الحذر من تخويف الناس.

 

رؤيا الأنبياء

ويقول إن المقرر عند أهل العلم أن الرؤى والأحلام لا يترتب عليها أحكاما في الواقع، إلا ما يراه الأنبياء والرسل، فهناك فرق بين رؤيا الأنبياء ومن سواهم من الناس، فرؤيا الأنبياء حق وهي من الوحي فإنهم معصومون من الشيطان، ولهذا لما رأى إبراهيم الخليل في المنام أنه يذبح إسماعيل أقدم على ذبحه، وأما رؤيا غيرهم من البشر فتعرض على الوحي الصريح، فإن وافقته وإلا لم يعمل بها ولم يلتفت إليها، وأن هذه المنامات التي يراها الناس إنما هي مبشرات لا يعقد عليها حكم شرعي.

ومن المقرر ليس كل ما يراه المرء في منامه يكون حقا، فلقد اختلط على كثير من الناس أمر الرؤيا، لما بعدوا عن هدي الشرع الحنيف، ووقعوا في المعاصي، لعبت بهم الشياطين حتى ظن الكثير منهم أن كل ما يرى في المنام حق لابد من وقوعه، ولذلك تجد الواحد منهم يرى أكثر من رؤيا في المنام الواحد فيها ما يفزعه كلها من تلعب الشيطان به، فعن جابر - رضي الله عنه - جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله رأيت في المنام كأن رأسي ضرب فتدحرج فاشتددت على أثره فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تحدث الناس بتلعب الشيطان بك في منامك.

 

آداب النوم

ويضيف قائلا: والواجب على المسلمين ملازمة الأذكار الشرعية قبل النوم، كقراءة آية الكرسي والمعوذات وخواتيم سورة البقرة، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه) وقال - صلى الله عليه وسلم -: (إذا قلت قل هو الله أحد قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ثلاث مرات حين تصبح وحين تمسي تكفيك من كل شيء)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات فيضره شيء)، وينبغي على الناس جميعا أن يتعلموا المنهج الشرعي في التعامل مع ما يرون سواء كان مما يسرهم أو ما يسوؤهم، فمن رأى رؤيا مكروهة عليه فعل ستة أشياء:

 

(أ) أن يتعوذ بالله من شره.

(ب) أن يتعوذ بالله من شر الشيطان.

(ت) أن يتفل عن يساره ثلاثا حين يهب من نومه تحقيرا للشيطان.

(ث) أن يتحول عن جنبه إلى الآخر.

(ج) أن يصلي.

(ح) ألا يذكرها لأحد.

فإذا فعل هذه الأشياء فإنها لا تضره، ويذهب الله من قلبه ما يجد من أثرها وإن كانت صالحة ينبغي له فعل أربعة أشياء:

(أ) أن يحمد الله عليه.

(ب) أن يستبشر به.

(ج) أن يحدث بها من يحب دون من يكره.

(د) أن يسأل عنها عالما أو ناصح.

 

أهمية الموضوع

ويضيف الشيخ العنزي مؤكدا على والواجب طرق هذا الموضوع في جميع الوسائل، ومن خلال كل المنابر الإعلامية، وبيان المنهج الشرعي السليم في التعامل مع الرؤى والأحلام، وإرشاد الناس إلى ما ينفعهم، وسد الطريق أمام المتوهمين ممن يظنون أن التعبير أمره يسير وأنه ينال بالاكتساب والتأهيل، وأنه مرعى مستباح لكل أحد لا ينبغي حكره على فئة معينة، حتى أدى بنا الحال إلى ما بدأنا نلمسه من التداعيات والمجازفات والجرأة العجيبة وغياب المنهج الصحيح لهذا الفقه الذي لا توجد به مساحة للاجتهاد والتدريب، وإنما هو هبة يمنحها الله من شاء من عباده، يعرفون بصدقهم وإخلاصهم وعلمهم بالكتاب والسنة وشدة تمسكهم وأخذهم بهذين الأصلين العظيمين، وأيضا ما يلمسه الناس من صدقهم من خلال إصابتهم في التعبير.

 

مسؤولية عظمى

الدكتور سعود الشريم إمام الحرم المكي والأستاذ بجامعة أم القرى يقول: إن من الإنصاف والمصارحة والنصح ألا نلقي باللائمة كلها في موضوع الرؤى والإفراط فيها على آحاد الناس فحسب، بل لا بد من تعدية الأمر إلى العابرين أنفسهم الذين يعبرون الرؤى، إذ عليهم مسؤولية عظمى تجاه الرائين.

فلا بد للعابر أن يكون عالما بهذا العلم العظيم، وأن يدرك المصالح والمفاسد في هذا الميدان، وألا ينصب نفسه للفتيا في الرؤى ويتطلع إليها، ولا سيما عبر الشاشات وفي المجامع الكبيرة. فتعبير الرؤى قرين الفتيا ثم إن على العابرين ألا يتسارعوا في التعبير، وألا يجزموا بما يعبرون، وأن يعلموا خطورة هذا الجانب وما يوصله إليه من الافتتان والإعجاب بالنفس وتعظيم شأنها فوق شأن المفتين وأهل العلم، وقد نقل ابن عبد البر عن الإمام مالك أنه سئل: أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال مالك: أبالنبوة يلعب؟! وقد نقل ابن عبد البر أيضا عن هشام بن حسان أنه قال: كان ابن سيرين يسأل عن مائة رؤيا فلا يجيب فيها بشيء، إلا أنه يقول: اتق الله وأحسن في اليقظة فإنه لا يضرك ما رأيت في النوم، وكان يجيب في خلال ذلك ويقول: إنما أجيب بالظن، والظن يخطئ ويصيب.

 

تعبير الفضائيات

ويضيف الشيخ الشريم قائلا: فإذا كان هذا هو قول إمام المعبرين في زمانه وما بعده من الأزمان فما الظن بمن جاء بعده، إننا لنسمع بالمعبر يسأل عن ألف رؤيا لا تسمع مرة يقول: لا أدري، أو يقول: هذه أضغاث أحلام، أو يقول: هذه حديث نفس، إلا من رحم ربك. كما أن على العابرين أن يدركوا خطورة تعبير الرؤى من خلال الشاشات التي يراها الملايين من الناس، وكذا المجامع الممتلئة بالحشود، وذلك للأمور التالية:

 

أولها: أن الانفتاح المطلق بالتعبير نوع فتنة من أجل حديثه في أمور الغيب، ولا سيما أن أحدا لا يستطيع أن يجزم بصحة ما يقول العابر من عدمه، إلا من رأى ذلك في واقعه، وهذا شبه متعسر عبر الشاشات.

وثانيها: تعذر معرفة حال الرائي عبر الشاشات والمجامع من حيث الاستقامة من عدمها، وهذا له صلة وثيقة بتعبير الرؤيا، فابن سيرين سأله رجلان كل منهما رأى أنه يؤذن، فعبرها للصالح منهما بالحج لقوله - تعالى -: {وأذن في الناس بالحج} [الحج: 27]، وعبرها للآخر بأنه يسرق لقوله - تعالى -: {ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون} [يوسف: 70]، والشاطبي - رحمه الله - يقول في مثل هذه الحالة: (فمتى تتعين الصالحة حتى يحكم بها وتترك غير الصالحة؟!).

وثالثها: عدم إدراك عقول الناس لطريقة بعض العابرين للرؤيا ولا سيما عبر الشاشات والمجامع بحيث يكون تعبيرهم بصورة تجعل المستمع الجاهل لأول وهلة يقول: هذا تكهن أو تخمين أو عرافة، ونحن قد أمرنا بمخاطبة الناس على قدر عقولهم، فقد أخرج البخاري في صحيحه قول علي - رضي الله عنه -: (حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟!)، وعند مسلم عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: (ما أنت محدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة).

رابعها: أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فالمفسدة من خلال التعبير عبر الشاشات أشد من مصلحته، لأمور لا تخفى على متتبعها، ولا سيما أنها في أمور غيبية وأنها كالفتوى، والسلف الصالح كانوا يتدافعون الفتوى ما استطاعوا، ناهيكم عن بعض الفساد المتحقق من خلال ما يشاهد ويسمع من تعبير رؤيا لفتاة مثلا بأنها ستفشل في نكاحها أو لامرأة تعبر لها بأن زوجها تزوج عليها سرا بامرأة أخرى. فما ظنكم بحال الأولى والأخرى، فهذه تترقب الفشل في كل حين مع ضيق نفسها وانشغال بالها، وتلك باهتزاز كيانها والشك في زوجها المرة تلو الأخرى، ناهيكم عمن يرين مثل هذه الرؤى، فيكتفين بما سمعنه من تعبير لغيرهن فيقسن عليه دون الرجوع إلى عابر عالم اكتفاء بما سمعنه أو شاهدنه، فتكون الطامة حينئذ، وقولوا مثل ذلك فيما يراه الرجال والشباب.

ويشير فضيلته قائلا: وأما ما يحتج به بعض الناس من أن مسلما روى في صحيحه أن رسول الله كان كثيرا ما يسأل أصحابه بعد الفجر فيقول: (من رأى منكم رؤيا؟)، فالجواب على هذا من وجوه:

الوجه الأول: أن هذا رسول الله، وتعبيره حق لا يشوبه شائبة.

الوجه الثاني: أن تعبيره كان في مسجد يحضره عدد ليس كالأعداد التي تعد بالملايين حينما تشاهد التعبير عبر الشاشات، وما ظنكم بحضور عند رسول الله من الصحابة العقلاء الفضلاء مقارنة بحضور عند غيره فأين الثرى من الثريا؟!

الوجه الثالث: أنه لم يثبت عن أحد من الصحابة كالخلفاء الأربعة ولا من بعدهم من التابعين أنه كان يفعل في المسجد كما كان النبي يفعل، ولا سيما أبو بكر - رضي الله عنه -، وقد شهد له النبي بأنه عارف بتعبير الرؤى، وهو معدود من المعبرين عند كثير من أهل العلم.

 

ترويج فاسد

الدكتور علي الشبل الأستاذ بجامعة الإمام يقول: إن موضوع تعبير الرؤى والأحلام راجت سوقه في هذا الوقت، وعظم الاهتمام به في طبقات عدة من الناس، وهذا الموضوع يحتاج إلى إيضاح وتفصيل لأحكامه، تبصره وذكرى، وتنبيها على الأخطاء في الموضوع فيجب على المسلم العاقل - ولا سيما النساء وضعاف الإيمان - الحذر من مدعي التعبير من المتعالمين والجهال وأهل الكذب والشعوذة والخرافة الذين يدعون علم الغيب، ويروجونه على الناس بدعوى تعبير المنام وألا يعرض المسلم إلا ما تشتد الحاجة إلى تعبيره من منامه إلا على أهل العلم والصدق والخبرة والديانة فقط، ويحذر من سواهم أشد الحذر ويضيف قائلا: كما لا يسوغ للمؤمن أن يسأل عن كل رؤيا ومنام رآه، بل يكون عاقلا فطنا ولا يليق تضييع الأوقات بالجلوس لتعبير الرؤى أو نشر الهواتف والعناوين، والمراسلات، وإبراز وسائل الإعلام للقضايا الشخصية والمنامات الخاصة، فإن هذا من عدم الستر ومن الترويج الفاسد لهذه البضاعة، وتضليل الناس وتشويش عقولهم وقلوبهم. مع ما يضاف إلى هذا العبث من حب الشهرة والظهور، وعطف الناس إليهم مما هو فتنة للناس ولهم. والمناط في ذلك كله، والمدار على تقوى الله ومخافته ومراقبته، وخشيته.

 

تلاعب بالوحي

ويضيف الشيخ الشبل وإني أخشى أن ينصرف الناس عبر تطاول الزمن على الوحي الإلهي في كتابه وسنة نبيه إلى الأوهام والظنون والأهواء، من خلال التعليق بالرؤى والمنامات وما يجره ذلك من الخرافات، فينزلقوا في مهاوي التصرف وشطحات الصوفية ولا سيما إذا استصحبنا أن المنشغل في التعبير والبحث عنه في جمهرتهم من العوام وإنصاف المتعلمين. ولا أظن دعوى ادعاء المهدي المنتظر عنا ببعيدة وما جرته على العباد والبلاد وعلى حرم الله من الفتنة الهوجاء.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply