مفكرة الإسلام: هذه رسالة إلى محمد بن زريق البغدادي، الذي بكى بغداد وودّع حبيبته في غربته على فراش الموت بيتيمته الباكية بعد أن غادرها لطلب الرزق ولم يعد إليها..والتي يقول في مطلعها مخاطبًا زوجته:
لا تعذليهِ فإن العذلَ يولعُهُ * * * قد قلتِ حقًّا ولكن ليس يسمعُهُ
يكفيهِ من لوعةِ التفنيدِ أنّ له * * * من النّوى كلّ يوم ما يروعُه
أستودعُ الله في بغدادَ لي قمرًا * * * بالكرخِ من فلك الأزرارِ مطلعهُ
ودّعتُهُ وبودّي لو يودعني * * * صفو الحياةِ وأنّي لا أودعُهُ
واليوم تذوي بغداد بين خذلان الصديق، وصمت العلماء، وغَدرة العملاء، وسطوة العدو..
بغدادُ كم من قتيلٍ, فيكِ مصرعُهُ * * * وأدمعُ ابن زُريقٍ, لا تشيّعُهُ
عِظامُه طُحنت في الأعظميِّ * * * سُدى والكاظميّةُ هَيعَاتٌ تروّعُهُ
وفي الرماديِّ أعراضٌ مبدّدةٌ * * * وفي ثرى الكرخ - يا للهِ - مصرعُهُ
كانت فتوحُ بني العباسِ تُطربُهُ * * * واليومَ صارت كلابُ الغربِ تُفزِعُهُ
محمّد ابنَ زريقٍ, كنتَ في زمنٍ, * * * من رفعة الدينِ.. والأبطالُ تمنعُهُ
هذا حبيبُكَ مخفورٌ بعزّتهِ * * * أمّا حبيبي ففي عينِي تفَجٌّعُهُ
حسبي من الضيمِ أحقادٌ مُبَيَّتةٌ * * * والعلجُ من فلكِ الأزرارِ مطلعُهُ!!
شكوتَ غربتك الحرّى على سفرٍ, * * * واليومَ ثارت على المظلومِ أَربُعُهُ
أبكاكَ ظبيٌ عراقيٌ نأى، وأَنا * * * يُبكي فؤادي عراقُ الحُبِّ أجمَعُهُ
أنت الغريبُ المسجّى، والمقيمُ أنا * * * على لظى غُربةٍ, حلّت هُنَا معَهُ
ماذا أحدّثُ عن بغداد في زمني * * * ؟! وللمدافعِ إرعادٌ تلَعلعُهُ
وأمتي في سرابِ الذلِ هائمةٌ * * * قد اجتواها عدوٌ ليس تُمنَعُهُ
وللنفاقِ انتفاشٌ بين أظهرها * * * إذ لم يجد درّةَ الفاروقِ تقمعُهُ
وللفؤادِ اضطرابٌ في أزِقَّتِها * * * والدارُ دارُ الدواهي - ليس توسعُهُ
فربما ثار بالتفجيرِ مركبُهُ * * * وربما ضجَّ بالبارودِ مضجعُهُ!!
وربما انهارَ بالصاروخ مسجدُهُ * * * وبما طار بالألغامِ مخدعُهُ!!
وربما غُلَّ ليلاً في مُداهمةٍ, * * * والأمٌّ من قبضة الباغي تنازِعُه
والزوجُ مغلوبةٌ.. والبنتُ حائرةٌ * * * يهتاجُ من دمعها الفيّاضِ مدمعُهُ
والشيخُ كالشبحِ الجاثي أسىً * * * وطَوَى والطفلُ ثديٌ بُغاثُ الجوعِ ترضَعُهُ
كم من فتاوى مضلاّتٍ, مُسَستَنَةٍ, * * * كأنّها حيّةٌ والسمٌّ تُنقِعُهُ
وكم فتى قُطِّعت أشلاؤه إربًا * * * لم يدرِ وهو المُعنّى – فيمَ مصرعُهُ!!
وكم ذوى في ربيعِ العُمرِ من عُمَر * * * تضلّعت بعُرى التعذيبِ أضلُعُهُ!!
كم من أسيرٍ, رماحُ الحقدِ تنهشُهُ * * * والموتُ في زحمة الأهوالِ - مطمعُهُ
بغدادُ يا درّة الدنيا وسؤددَها * * * أليس من يرفعُ القرآن يرفعُهُ؟!
كانت سحابةُ هارون تؤوبُ لها * * * واليومَ حتّى فتاتُ الخبزِ نُمنَعُهُ!!
منائرُ الذكر قد حُطَّت أهِلَّتُها * * * وخيرُ أرضي لرأس الكفرِ نجمعُهُ
واليومَ يا ابن زريق شملُنا مِزَقٌ * * * وكلٌّ قلبٍ, هوى فيما يمتّعُهُ
وقُطّعَت بيننا الأوشاجُ أزمنةً بغيًا.. * * * وظلمُ أولي الأرحامِ أشنعُهُ..
كم التهى علماءُ الدينِ عن كُرَبي!! * * * وكيف يشكو الجوى من لا يُجرّعُهُ؟!
يُجَادلُون على \'أرلا\'*وعجلَتِها * * * والعلجُ يفري.. وجيشُ الغدرِ يتبعُهُ
كأنّني رغمَ أوصابي ومسغبتي * * * موكّلٌ بغِلالِ الجُبن أجمَعُهُ!!
واليومَ يا ابن زريقٍ, لم يمت أملي * * * آمنتُ باللهِ.. ما يختارُ يصنعُهُ..
والله حسبي.. وسلواني..ومعتضدي* * * .. كم كفَّ بلوى.. وكم ضيقٍ, يوسّعُهُ
لعلَّ في حُرقة الآلام صحوتَنَا * * * والكيٌّ في مُعضِلِ الأدواءِ أنفعُهُ!!
هنا فتى عتّقت وجدانَهُ فتنٌ.. * * * والمسكُ بالعصرِ فوّاحٌ تضوعُهُ!!
ذو مِرّةٍ,.. في سبيل الله غدوتُهُ * * * فلا الأماني ولا الأهوالُ تُخضِعُهُ..
له من الله آياتٌ تبصّرُهُ * * * ومن نبي السجايا ما يُطَبّعُهُ
فانظر أيا ابن زريقٍ, نورَ طلعتِهِ * * * فالفجرُ من حالك الظلماءِ مطلعُهُ..
* أرلا:شركة الأبقار الدنماركيّة
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد