أبا الزهراء


 

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى مقام الرسول الأعظم محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي تطاول عليه البغاث من علوج الدانمرك والنرويج.

 

فـداؤك قـبـل قـافيتي الجَنانُ **  وقـبـل الـسيف روحي والبيانُ

 

وقـبـل الـنـاس سيدهم تلظّى ** عـلـيـه جـلالـه والصولجانُ

 

مـضـوا لـلـثأر يسبقهم هديرٌ ** تـنـاقـلـه الـبوادي والرِّعانُ

 

*  *  *

سـتـبـقى النورَ ما بقي الزمانُ ** ومـا زان الـريـاضَ الأقحوانُ

 

ومـا طـلعت على الآفاق شمسٌ ** ومـا صـدح الـمـؤذنُ والأذانُ

 

وأمـا شـانـئـوك فـهم بغاثٌ ** وفـريـة أحـمق، هانت وهانوا

 

سـتـطـويـهم ضلالتهم ليغدوا ** نـفـايـاتٍ, يـطـاردهـا اللِّعانُ

 

إذا طـلـع الـصباح فلن يراهم ** فـهـم وهـمٌ تـبـدد أو دخـانُ

 

وإن سـأل الأنـامُ الـدهرَ عنهم ** أجـابـ: شراذمٌ كانوا فحانوا(1)

 

*  *  *

عِـداك وأيـن هم؟! هلكوا وبادوا ** وبـادَ ضـجـيـجـهم والهيلمانُ

 

أبـو جـهـل، أبو لهب، سجاحٌ ** مـسـيـلـمـةٌ، حُييٌّ الأفعوانُ

 

قـريـظـةُ، والـنضيرُ، وقينقاعٌ ** وكـعـبٌ وهـو بـاغٍ, ثـعلبانُ

 

ومـن جـاءت إلـيك وراحتاها ** بـهـا حطبٌ ومهجتها اضطغانُ

 

فـطـوَّقَ جـيـدَهـا مسدٌ فتبّت ** يـداهـا والـمـآقـي والـجَنانُ

 

وكـسـرى جـاء يـهديه كتابٌ ** ومـزّقـه فـمـزقـه الـزمانُ

 

أراهـم فـي الدنى أضغاثَ حلم ** ومـا تـدري بـه حـتى الجفانُ

 

وإن الله جــلّ اللهُ- بـاقٍ, ** لـيـخزي كل من مكروا وخانوا

 

ويـبـقي بعض ما صنعوا وقالوا ** عـظـاتٍ, لـيس يخطئها العيانُ

 

كـمـا أبـقى لنا فرعونَ موسى ** يـشـيـر إلـيه في العظة البنانُ

 

*  *  *

وأرنـاطٌ(2) تـسـوَّره غـرورٌ ** غـداة دعـتـه أحـقـادٌ تُـشانُ

 

سـقـاه الـوهـم والشيطان كأساً ** فـطـاش بـه انـتفاشٌ وافتتانُ

 

رنـا لـلـمـسـتحيل رنوَّ قردٍ, ** تـسـخّـره الـعـصا والبهلوانُ

 

فـعـاد يـسـوقـه وذويه رعبٌ ** فـهـم فـي لجّه العاتي دِفانُ(3)

 

ويـخـطـو ثـم يـكبو ثم يحبو ** وشـلَّ الـقـلـب مـنه واللسانُ

 

عـفا الشهم الصلاح عن الأسارى وجـنـدلـه فـذلـوا واستكانوا

 

فـقـال لـهـم لكم مني سلامي ** وعـفـوي والحفاوة والعِوانُ(4)

 

لـكـم مـنـي أمـاني دون هذا ** فـلـيـس لـنـاقضٍ, عهداً أمانُ

 

قـتـلـتُ الـناكث العهد احتساباً ** وربـي وهو حسبي- المستعانُ

 

*  *  *

ويـا عـيسى فديتك جئتُ أشكو ** وأنـت الـطـهر نضراً والحنانُ

 

أذاة ذويـك قـد جـهلوا وضلوا ** وعـاثـوا بـالـنـبوة واستهانوا

 

نـعـظـمـك احـتساباً لا كِذاباً ** وأمـك وهـي طـاهـرة حَصانُ

 

وحـبـك فـي الجوانح والمآقي ** وهـم لأخـيك من سفهٍ, شِنانُ(5)

 

ويـا عـجـبـاً بـه بشَّرتَ قِدما ** ذويـك فـأنكروا البشرى وخانوا

 

وأنـت نـبـيـنا وهم الدعاوى ** ومـنـهم قد برئتَ غداةَ مانوا(6)

 

إذا طـال الـخـصـام بنا هتفنا ** غـداً يـدرون مـن مـنا المُدانُ

 

*  *  *

وأخـزى الله أقـوامـاً دعـاهم ** إلـى الـغضب الوفاءُ فما أبانوا

 

لـقـد صـمتوا وإن الصمت لؤمٌ ** لـدى الـجُـلَّـى وآلـهتهم قِيانُ

 

عـلـيـهـم من مخازيهم غواشٍ, ** ومـلء قـلـوبـهـم ذامٌ ورانُ

 

فـهـم موتى وإن ذهبوا وراحوا ** وهـم جـيَـفٌ عـليها الطيلسانُ

 

*  *  *

سـلامـاً أمـةَ الـهادي وشكراً ** لـقـد كـنـتِ الـوفية لا تُشانُ

 

غـضبتِ لأحمدٍ, ونهضتِ عجلى ** وهـبّ مـع الـزمان لك المكانُ

 

ولا عـجـبٌ فـأنت لكل خطبٍ, ** كـفـايـتـه ولـلـسـهم الكِنانُ

 

ويـقـتـحم الشجاع ذرى الرزايا ** ويـفـرق فـي مـخاوفه الجبانُ

 

وبـيـن الـمجد والعجز افتراقٌ ** وبـيـن الـمـجد والجد اقترانُ

 

*  *  *

ويـا قـومـي حذار من التواني ** فـإن الـوهـن لـلـهلكى عِنانُ

 

\"ومـا نـيل المطالب بالتمني\"(7) ** ولـكـنَّ الـغِـلابَ هو الضمانُ

 

\"وما استعصى على قوم منالٌ\"(8) ** إذا ركـبـوا المخاطر واستهانوا

 

سـتـبـقـى أمتي ظئرَ المعالي ** وهـمّـتُـهـا الـشواهق والقِنانُ

 

وفي الأخطار تنهض وهي أقوى ** وسِـفـرُ الـحرب يشهد والزمانُ

 

فـإن الـعـسـر يـمنحها حياةً ** وإن الـمـعـتـدين لها امتحانُ

 

تـجـدِّدهـا وتـصـقلها الرزايا ** كـأن بـلاءَهُـنّ لـهـا مِـرانُ

 

سـلـوا عـنها الغواشي كابدتها ** فـردتـهـا يـجـلّـلها الهوانُ

 

فـهـا هـي حـين ننظرها بقايا ** مـن الأشـلاء عاث بها الطِّعانُ

 

غـدت لـلدود في الدُمن البوالي ** طـعـامـاً والـيبابُ هو الخُوانُ

 

*  *  *

\"أبا الزهراء قد جاوزت قدري\"(9) ** غـداة دعـتـنيَ الحرب العَوانُ

 

لـنصرك فانتضيتُ دمي وروحي ** وطـرتُ أقـول: لا عاش الجبانُ

 

وقـبـلـي مـعشر كُرموا وجلوا ** هـم الـخـيل العِرابُ ولا حِرانُ

 

وأمـتـكَ الـولـود وأفـتـديها ** يـسـيـر بها إلى السبق الرهانُ

 

سـلـوا عـنـها الحفاظ ألم تكنه ** كـمـا شـاء الـعلى والعنفوانُ

 

بـلـى..كـانـتـه أفعالاً وقولاً ** وأمـجـاداً يـطـول بها الكيانُ

 

*  *  *

أبـا الـزهراء..إن النصر آتٍ, ** يـقـول بـشـيـره آن الأوانُ

 

فِـداك أبـي وأمـي والـغوالي ** ومـن نـهـدوا سراعاً أو أعانوا

 

ومـن كـانـت حـميتهم مَضاءً ** فـزانـتـهـم وزانـوها فكانوا

 

شـمـوس هـدايةٍ, وليوث غابٍ, ** وخـيـلاً أقـبلت ولها إرانُ(10)

 

هـم الأصـداءُ لـلـجلى دعتهم ** وفـي الـنادي الندى والمهرجانُ

 

وفـي الحرب الشريفة مسعروها ** وفـي الـسـلم السماحة والحنانُ

 

تـسـاوى عـنـدهم نصر وقتل ** وأهـوال الـشـدائـد والـليانُ

 

دعـتـهـم لـلـوفاء وهم بنوه ** سـجـايـاهم غضبن فما توانوا

 

حـموكَ حماهم المولى- فعزّوا ** وكـانـوا السيفَ يظفر أو يُصانُ

 

أمـانـيـهـم مـنـادمة المنايا ** وفـعـل الـخير إن دينوا ودانوا

 

ويـا مـولايَ أنـت الحق عقداً ** فـرائـده الـهـدايـة لا الجُمانُ

 

وأنـت مـكـارمٌ عـزّت، ويعيا ** إذا اسـتـقـصى مداهن الجنانُ

 

لـك الـشرف الذي يعلو ويزكو ** ويـقـصـر دونـه إنسٌ وجانُ

 

*  *  *

أبـا الـزهـراء دونـك كل قول ** فـلـي عـذري إذا عجز البيانُ

 

وإن حَـسُـنَ الـقصيد فأنت مُهدٍ, ** لآلـئـه وهـنّ مُـنـىً حِـسانُ

 

كـتـبتُ قصيدتي بدمي وروحي ** وكـان الـقـلب يملي لا اللسانُ

 

وكـان مـدادهـا غضبي وحبي ** ودمـعـي، والـوفاء ليَ امتحانُ

 

وكـنـت بـهـا مـعنّىً مستهاماً ** شـغـوفـاً وهي عني الترجمانُ

 

عـسـاي أنالها في الحشر ذخراً ** يـكـون لـيَ الـشفيعَ فلا أدانُ

 

*  *  *

أبـا الـزهـراء أمـتك استفاقت ** وجـاءت وهـي نصرٌ إضحيانُ

 

تـسـيـر به إلى الدنيا المذاكي ** ولـمـع الـبيض والسٌّمرُ اللِّدانُ

 

تـنـاقـلـه الأمـانـي والمنايا ** ويـعـدو فـيه كالبرق الحصانُ

 

*  *  *

غـد الإسـلام يـا مـولاي مجد ** عـلـيـه مـع الوسامة عنفوانُ

 

وخـيـر الـنصر ما زانت حُلاهُ ** مـآثـره الـلـواتـي لا تـشانُ

 

ونـصـر الـخيِّرين هدىً وعدلٌ ** وعـهـدٌ فـي مـآقـيهم يُصانُ

 

وبـعـض النصر في الدنيا شقاءٌ ** وبـعـضٌ رحـمـة فيها الأمانُ

 

ونـصـر الـمـسلمين غداً فَعالٌ ** تـضـوعُ شـذاً وأخلاقٌ حِسانُ

 

وقـبـل الـسيف تحميه السجايا ** وبـعـد الـنـبل يحميه الضمانُ

 

وبـالـرعب انتصرتَ فكل شيء ** بـعـيـن عِـداكَ سيف أو سنانُ

 

وكـان الرعب قبل الجيش جيشاً ** لُـهـامـاً(11) لا يُشقٌّ له عنانُ

 

*  *  *

ويـا مـولاي حـمّـلـني سلاماً ** لـك الـمـلـيارُ أخلصه الجنانُ

 

وعـهـداً أن يُـفـدّوكَ احتساباً ** وهـم صـدقٌ وأفئدةٌ هِجانُ(12)

 

وأسـيـافٌ مـظـفـرةٌ وخـيلٌ ** لـهـا فـي الخطب إقدامٌ وشانُ

 

إذا الـبـاغون قد حشدوا الرزايا ** فـإن ذويـك بالله اسـتـعـانوا

 

فـهـم في اللوح سطرٌ أن يفوزوا ** وهـم قـدرٌ يـسـير به الزمانُ

 

*  *  *

وأقـدار الإلـه جـرت وتجري ** فـنـاجٍ, أكـرمـتـه أو مـهانُ

 

ومـن يـحـسـب لدورتها أفولاً ** جَـهـولٌ عـربـدت فيه الدّنانُ

 

*  *  *

ويـا مـولاي أغـلـى ما نُرَجّي ** ونـأمـلُ أن تـنـاديـنا الجنانُ

 

ونـلـقـى الأمـنيات وأنت فيها ** ذؤابـتـهـا وهـنّ الـمهرجانُ

 

ونـبـصـر ربّـنـا بدراً تماماً  ** جـهـاراً لا يـضـام لـنا عِيانُ

 

_______________________

الهوامش:

1- هلكوا.

2- هو رينودي شاتيون، وتسميه الرواية العربية أرناط، كان من قادة الصليبيين الكبار وكان شجاعاً مقداماً، وفاتكاً غداراً، نكث بالعهود وسطا بقافلة الحجاج، وتوهم أنه سيصل إلى المدينة المنورة والقبر الشريف، وعمل على ذلك وقد أقسم صلاح الدين الأيوبي أن يقتله بنفسه، وفعل ذلك بعد انتصاره في معركة حطين.

3- مدفونون.

4- عون، 5 - كراهية، 6- كذبوا، 7 و8 و9- شوقي، 10- نشاط، 11- قوي، 12- خالصة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply