المرأة المسلمة ودورها الدعوي والخيري (1- 2)


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله، وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعد، أما بعد

فإنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخصّ النساء بتوجيهاته ونصائحه، ويحمّلهن مسئولية أنفسهن ومسئولية القيام بحقوق أزواجهن، ومسؤولية رعاية بيوتهن وأولادهن.

ولما كان على المرأة المسلمة واجبات ومسئوليات في هذه الحياة كان لابد من تذكيرها بذلك، وتأهيلها للقيام بالدعوة في أوساط النساء.

وفي هذا البحث الموجز سأتناول عدة عناصر تسهم في بيان أهمية هذا الدور، وكيفية تنشيطه، ومن ذلك:

 

أولاً: المساواة بين الرجل والمرأة في التكاليف:

يقول الله - تعالى -: (وَلتَكُن مِّنكُم أُمَّةٌ يَدعُونَ إِلَى الخَيرِ وَيَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ). [آل عمران: 104]. ففي هذه الآية الكريمة يأمر الله - تعالى -الأمة الإسلامية ويكلّفها بأن تعمل على تكوين جماعة منها تقوم بالدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى -، ومن المعلوم أن كل أمة تتكون من الرجال والنساء، فخطاب التكليف في أصله شامل للرجال والنساء، ومجيئه بضمير المذكر للتغليب وهذا أسلوب معروف في اللغة العربية.

والقرآن الكريم بيّن قدرة النساء - إذا كن مؤمنات - على الدعوة إلى الإيمان بالله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما في قوله - تعالى -: (وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ, يَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ...الآية).[التوبة: 71]. كما أن القرآن بيّن قدرة النساء - إذا كن منافقات - على الدعوة إلى الكفر والأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، كما في قوله - تعالى -: (المُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ بَعضُهُم مِّن بَعضٍ, يَأمُرُونَ بِالمُنكَرِ وَيَنهَونَ عَنِ المَعرُوفِ... الآية). [التوبة: 68].

ولم يقتصر القرآن الكريم على البيان النظري على قدرة المرأة على الدعوة بل إنه ضرب مثلاً عملياً لجهود المرأة الدعوية، سواءاً كان ذلك في جانب الخير أو جانب الشر كما ورد في نهاية سورة التحريم.

 

أما السنة فقد أثبتت أثر المرأة في الدعوة إلى أي عقيدة، وذلك في أحاديث كثيرة منها ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"ما من مولود إلا ويولد على الفطرةº فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه\". رواه مسلم، وكما في حديث المسئولية، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: \"... والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها\". [رواه البخاري].

ومما سبق يتبيّن لنا المساواة في أصل التكليف، وأنّ من قضايا الإسلام ما لا يقتصر تبليغه على الرجل فحسب، بل إن المرأة المسلمة تتحمل قسطاً كبيراً من هذا التبليغ.

 

ثانياً: تأصيل دور المرأة الدعوي والخيري في الإسلام:

إن المتأمل في عموم رسالة الإسلام يدرك أنه لم يقتصر على تكليف الرجال بالدعوة إلى الله دون أن يحمّل النساء جزءاً من هذه المسئولية، ومن الأدلة على ذلك ما يلي:

1- وجود نصوص في الكتاب والسنة تفيد اشتراك المرأة بالدعوة مع الرجال في خطاب التكليف كما في قوله - تعالى -: (وَلتَكُن مِّنكُم أُمَّةٌ يَدعُونَ إِلَى الخَيرِ... الآية). [آل عمران: 104]. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: \"من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده... الحديث\". [رواه مسلم].

2- وجود نصوص صريحة خاصة بتكليف النساء بالدعوة، كما في قوله - تعالى -عن نساء النبي: (وَقُلنَ قَولاً مَّعرُوفاً). [الأحزاب: 32]. وقوله - تعالى -: (وَاذكُرنَ مَا يُتلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِن آيَاتِ اللَّهِ وَالحِكمَةِ). [الأحزاب: 34].

3- صعوبة دخول الرجال في مجتمع النساء ليروا الأخطاء التي تُرتكب بين النساء، لأنه يحرم عليهم الاختلاط بهن، وصعوبة قيام الدعاة من الرجال بالاحتياجات الدعوية للنساء.

4- وجود أعذار شرعية خاصة بالنساء لا يطلع عليها غيرهن، فهن أقدر على الإيضاح فيما بينهن.

5- وجود بعض المسائل الفقهية التي يصعب سؤال الرجال فيها، كما حدث مع المرأة التي جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تسأله عن كيفية الاغتسال من الحيض.

والمتأمل في تاريخ الإسلام يجد أنّه حافل بجهود المرأة الدعوية ومشاركتها في ذلك سواء كان بين الأبناء والبنات، أو بين النساء الأخريات في المجتمع الإسلامي.

وتاريخ أمهات المؤمنين وعدد كبير من الصحابيات والتابعيات خير شاهد على ما قدمته المرأة المسلمة من جهود دعوية، سواءاً كان ذلك في معارك الجهاد، أو ما روينه من أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو بالدعوة وبالقدوة وبذل النصيحة.

وأما ما ورد في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تخصيص المرأة في خطاب التكليف بالقيام بالدعوة إلى الله فمنه ما رواه ابن عمر - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: \"ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته\" إلى أن قال: \"والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها\". رواه البخاري.

 

ثالثاً: لماذا ضعف عطاء المرأة المسلمة في المجال الدعوي والخيري في العصر الحاضر؟!:

بمقارنة حال المرأة الآن بما كانت عليه المرأة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة نجد الفرق الشاسع، وأن عطاءها قد ضعف كثيراً في المجال الدعوي والخيري، وذلك للأسباب الآتية:

1- عدم اقتناع غالبية المجتمع بمسئولية المرأة الدعوية، مما أدى إلى تسرب هذا المفهوم إلى المرأة نفسها.

2- جهل المرأة المسلمة بتعاليم دينها عدا بعض الأمور المتعلقة بأحكام الطهارة في الصلاة والصيام والحج.

3- المؤامرة التي يديرها أعداء الله في إضلال المسلمين وإبعادهم عن دينهم، وذلك عن طريق الغزو الفكري الذي يركز أولاً على إفساد نساء المسلمين خصوصاً، والمجتمع الإسلامي عموماً، فاستغل المفسدون كثيراً من النساء للدعوة إلى الضلال والفساد والفجور باسم الحرية والتمدّن.

4- فقدان القدوة أمامها - إلا من رحم الله - أدى إلى انصرافها إلى ما لا فائدة فيه، وترك مجال الدعوة والعطاء.

5- انهماكها في الجري وراء ملذاتها وشهواتها، وإيثار الدنيا على الآخرة.

 

رابعاً: المجالات التي يمكن أن تسهم فيها المرأة لدعم العمل الإسلامي:

هناك مجالات متعددة تستطيع المرأة المسلمة من خلالها أن تقوم بدور دعوي في المجتمع مثل:

 

أولاً: الدعوة داخل بيتها ويتضمن ما يلي:

1- تربية الأبناء لحمل الدعوة وحمايتها وذلك من خلال عدة أمور:

أ- بناء الأساس العقدي لديهم بتلقينهم كلمة التوحيد، وغرس محبة الله - عز وجل -، ومحبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في نفوسهمº ليقتدوا به في جميع أقوالهم وأفعالهم، وتعليمهم قراءة القرآن الكريم وحفظه وتجويده، وشرح بعض معانيه الصعبة، وتعليمهم الصلاة وأحكام الدين.

ب- تربيتهم على حسن اختيار الأصدقاء ومراقبتهم عن بعد.

ج- بناء الأساس الجسمي والخلقي والفكري لديهم.

د- ربطهم بالدعوة والدعاة، لتنمو في نفوسهم روح الدعوة إلى الله، والجرأة في مخاطبة الناس.

2- تربية البنات ليكن زوجات صالحات وداعيات وذلك من خلال ما سبق ذكره عن الأبناء إضافة إلى:

أ- تعويد البنات على الستر والحجاب الشرعي قبل البلوغ ليتعودن عليه.

ب- تعويدهن على صلة الرحم وزيارة الجيران، ودعوتهن إلى التمسك بدين الله - تعالى -.

ج- تعليمهن وتدريبهن على أمور البيت وتدبير شئونه.

3- مساندة الزوج وتشجيعه على العمل في ميدان الدعوة، وخير دليل على ذلك موقف خديجة أم المؤمنين - رضي الله عنها - في مساندتها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومؤازرتها له في تبليغ الدعوة.

4- دعوة الأهل والأقارب:

والمقصود بالأهل: الوالدان والإخوة والأخوات، وأما الأقارب فهم الأعمام والعمات، والأخوال والخالات، وأبنائهم وبناتهم، وتكون دعوتهم بالأمور التالية:

أ- أن تكون نموذجاً للبنت البارة بوالديها، وهذه الصفة تزيد في محبة الوالدين لابنتهما، مما يساعد على تقبلهما للنصح والإرشاد.

ب- تحسين العلاقة مع الأخوة والأخوات، والبعد عن الخلاف، والتعاون معهم على خدمة الوالدين ورعايتهما.

ج- نشر الوعي الثقافي الإسلامي في البيت، واستغلال الجلسات الأسرية في طرح موضوعات مفيدة وهادفة للأسرة.

د- زيارة الأقارب مع تنبيههم للمخالفات الشرعية - إن وجدت - بأدب ولطف.

 

ثانياً: الدعوة داخل مجتمعها ويتضمن ما يلي:

أ- تبليغ الدعوة في دور العلم من مدارس وجامعات ومساجد وتقوم الدعوة على:

1- التعرف على الزميلات في المدرسة، واختيار الصحبة الصالحة.

2- توثيق الصلة بهذه المجموعة الصالحة، والتعرف على أفرادها وأهاليهم، والتعاون معهن في المذاكرة وفهم الدروس، والتعرف على مشاكلهن الخاصة.

3- التخلّق بأخلاق الطالبة المسلمة القدوة، وتشجيع الزميلات على أداء الشعائر والفروض.

4- النصح والإرشاد لكل ما تراه من أخطاء ومخالفات شرعية، وكسب قلوبهن عن طريق الهدايا.

 

ب- تبليغ الدعوة في مجال العمل:

حيث ينبغي على المرأة أن تدعو إلى الله بحسب مجال عملها فإذا كانت مدرسة مثلاً فإنها لا تقتصر على المنهج الدراسي المحدد بل تربط بين المادة المدرسية والدور المطلوب من الفتاة المسلمة لخدمة ونصرة دينها، كما ينبغي لها التقرب للطالبات، وكسب قلوبهن، والتعرف على مشاكلهن الخاصة، والاتصال بأمهاتهن، والتعاون معهن على أسلوب التربية والتوجيه المناسب، وحل مشاكلهن.

أما إذا كانت تعمل في المجال الطبي فإنها تطمئن المريضة بقرب الشفاء والفرج من الله وأن هذا المرض ابتلاء من الله - تعالى -ليمتحن به إيمانها وصبرها، ويرفع به منزلتها في الجنة، كما ينبغي على الطبيبة أو الممرضة الإلمام بالأحكام الفقهية المتعلقة بعملهن، وكذلك الأحكام المتعلقة بطهارة وصلاة المريضة لمساعدة المريضات في أداء العبادات على وجه صحيح.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply