اجلس بنا نؤمن ساعة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أخي المسلم: هل نظرت إلى واقعك؟ وهل حاسبت نفسك؟ وهل أيقنت وأنت تراجع رصيدك أنك تقف يومًا بين يدي مولاك ليحاسبك؟ ?وَكُلٌّهُم آتِيهِ يَومَ القِيَامَةِ فَردًا? (مريم: 95)، إنك يومها لا تدرك توبة ولا أوبة؟ \"عش ما شئت فإنك ميت، واعمل ما شئت فإنك مجزى به، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس\".

هل أصغيت إلى أمر ربك والتزمت به: {وَاصبِر نَفسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدعُونَ رَبَّهُم بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجهَهُ وَلَا تَعدُ عَينَاكَ عَنهُم تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدٌّنيَا وَلَا تُطِع مَن أَغفَلنَا قَلبَهُ عَن ذِكرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمرُهُ فُرُطًا} (الكهف: 28).

اصبر نفسك مع هؤلاء، لا تمل ولا تستعجل..صاحبهم وجالسهم، ففيهم الخير، فوجهتهم إلى الله، لا يبغون جاهًا ولا متاعًا ولا انتفاعًا، إنما يبغون وجه الله ويرجون مغفرته ورضاه.

واحذر الأماني فإنها بضاعة الموتى، يقول الحسن البصري مذكرًا ومحذرًا من غفلة القلوب، وغلبة الأماني والأحلام: \"هيهات هيهات، أهلك الناس الأماني، قول بلا عمل ومعرفة بغير صبر، وإيمان بلا يقين، ما لي أرى رجالاً ولا أرى عقولاً، وأسمع حسيسًا ولا أرى أنيسًا، دخل القوم والله ثم خرجوا، وعرفوا ثم أنكروا، وحرموا ثم استحلوا، إنما دين أحدكم لعقه على لسانه، إذا سئل: أمؤمن أنت بيوم الحساب؟ قال: نعم، كذب ومالك يوم الدين\".

\"إن من أخلاق المؤمنين قوة في دين، وإيمانًا في يقين، وعلمًا في حلم، وحلمًا بعلم، وكيسًا في رفق، وتجملاً في فاقة، وقصدًا في غنى، وشفقة في نفقة، ورحمة لمجهود، وعطاء في الحقوق، وانصافًا في الاستقامة، لا يحيف على من يبغض، ولا يقصر في مساعدة من يحب، لا يلمز ولا يغمز، ولا يلغو ولا يلهو، ولا يلعب، ولا يمشي بالنميمة ولا يتبع ما ليس له، ولا يجحد الحق الذي عليه\".

هل نظرت إلى هذه الأخلاق وعرضت نفسك عليها؟ وهل كان العرض هامشيًّا؟ أم كان جزءًا من حياتك ومنهجك اليومي تحافظ عليه؟ هل تتذكر معاني الجنة والنار دائمًا؟ وهل تتذكر قصر الحياة وقرب الموت وزوال الدنيا؟ أم تغفل عن ذلك دائمًا؟

هل تشعر رقابة الله في كل عمل وكل حين؟ {يَعلَمُ خَائِنَةَ الأَعيُنِ وَمَا تُخفِي الصٌّدُورُ}، {وَلَقَد خَلَقنَا الإِنسَانَ وَنَعلَمُ مَا تُوَسوِسُ بِهِ نَفسُهُ وَنَحنُ أَقرَبُ إِلَيهِ مِن حَبلِ الوَرِيدِ}.

هل تحرص على الإخلاص في أعمالك كلها وتسعى دائمًا لمجاهدة نفسك وطرد وساوس الرياء؟ أين أنت من أعراض الناس؟ هل تحفظ لسانك من ذكرهم بالسوء؟ أو الكذب عليهم؟ هل نظفت قلبك من الحسد والكبر والغرور، وسوء الظن والنفاق، وحب الثناء والمدح وحب الظهور؟

روي أن ناسًا مدحوا أبا بكر الصديق- رضي الله عنه- فقال لهم: \"الله أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منكم، فأستغفر الله مما لا تعلمون، وأسأله ألا يؤاخذني بما تقولون\".

هل يتطابق مخبرك مع مظهرك؟ وهل الباطن كالظاهر؟ احذر من داء تكلف الخشوع في ظاهرك، مع فراغ القلب من الخشوع فهذا نفاق- عافاك الله منه- وهذا الداء كان أسلافنا يستعيذون منه.. قال بعضهم: \"استعيذوا بالله من خشوع النفاق، قالوا: وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الجسد خاشعًا والقلب ليس بخاشع\".

يقول الله - تعالى -: {لَقَد أَنزَلنَا إِلَيكُم كِتَابًا فِيهِ ذِكرُكُم أَفَلَا تَعقِلُونَ} (الأنبياء: 10).

ماذا تقول هذه الآية؟ إنها تقرر أن في هذا الكتاب زاد المسلمين، وذكر المؤمنين ونسبهم، وشرفهم وكيانهم ومكانتهم وحياتهم.

قرأ هذه الآية \"الأحنف بن قيس\" وهو جالس يومًا فانتبه وقال: \"عليَّ بالمصحف لألتمس ذكرى اليوم حتى أعلم من أنا؟ ومن أشبه؟ فنظر في المصحف فمر بقوم: {كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيلِ مَا يَهجَعُونَ* وَبِالأَسحَارِ هُم يَستَغفِرُونَ* وَفِي أَموَالِهِم حَقُّ لِّلسَّائِلِ وَالمَحرُومِ} (الذاريات: 17- 19).

 

ومر بقوم: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ يَدعُونَ رَبَّهُم خَوفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقنَاهُم يُنفِقُونَ} (السجدة: 16).

ومر بقوم: {يَبِيتُونَ لِرَبِّهِم سُجَّدًا وَقِيَامًا} (الفرقان: 64).

ومر بالقوم: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالكَاظِمِينَ الغَيظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} (آل عمران: 134).

ومر بقوم: {يُحِبٌّونَ مَن هَاجَرَ إِلَيهِم وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِم حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِم وَلَو كَانَ بِهِم خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ} (الحشر: 9).

ومر بقوم: {يَجتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثمِ وَالفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُم يَغفِرُونَ* وَالَّذِينَ استَجَابُوا لِرَبِّهِم وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمرُهُم شُورَى بَينَهُم وَمِمَّا رَزَقنَاهُم يُنفِقُونَ} (الشورى: 37- 38).

فوقف ثم قال: \"اللهم لست أعرف نفسي ههنا\".

ثم أخذ في السبيل الآخر.. فمر بقوم: {إِذَا قِيلَ لَهُم لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَستَكبِرُونَ* وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ, مَّجنُونٍ,} (الصافات: 35- 36).

ومر بقوم قيل فيهم: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحدَهُ اشمَأَزَّت قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُم يَستَبشِرُونَ} (الزمر: 45).

ومر بقوم يقال لهم: {مَا سَلَكَكُم فِي سَقَرَ* قَالُوا لَم نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ* وَلَم نَكُ نُطعِمُ المِسكِينَ* وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخَائِضِينَ* وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَومِ الدِّينِ* حَتَّى أَتَانَا اليَقِينُ} (المدثر: 42- 47).

ثم توقف، ثم قال: \"اللهم أبرأ إليك من هؤلاء\".

وظل يقلب الورق، ويلتمس حتى وقع على هذه الآية: {وَآخَرُونَ اعتَرَفُوا بِذُنُوبِهِم خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيهِم إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيم} (التوبة: 102).

فقال: \"اللهم هؤلاء\".

ثم قال: \"تعالوا نلتمس ذكرنا في القرآن بأمانة ودقة وجد وعزم\".

إن القرآن يقرن بين التبشير والإنذار، ويأتي بوصف الصالحين والمنحرفين، ويصور الجماعات كما يصور الأفراد فيقول: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعجِبُكَ قَولُهُ فِي الحَيَاةِ الدٌّنيَا وَيُشهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلبِهِ وَهُوَ أَلَدٌّ الخِصَامِ* وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرضِ لِيُفسِدَ فِيِهَا وَيُهلِكَ الحَرثَ وَالنَّسلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبٌّ الفَسَادَ* وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتهُ العِزَّةُ بِالإِثمِ فَحَسبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئسَ المِهَادُ} (البقرة: 204- 206).

ويصف الجماعة بقوله: يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرتَدَّ مِنكُم عَن دِينِهِ فَسَوفَ يَأتِي اللّهُ بِقَومٍ, يُحِبٌّهُم وَيُحِبٌّونَهُ أَذِلَّةٍ, عَلَى المُؤمِنِينَ أَعِزَّةٍ, عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَومَةَ لآئِمٍ, ذَلِكَ فَضلُ اللّهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (المائدة: 54).

نقف من الآية عند هذا الحد، ونهتف بالمسلمين أن يرجعوا إلى كتاب الله.

رجعة إلى تاريخ الذين خرجهم القرآن، وتدرجوا على مدارج الحديث الشريف وهم يقولون ويعملون، ورضي الله عن أبي حفص عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، فلقد قال للصحابة- رضوان الله عليهم- وهو ينظر إليهم وإلى قوله الله - تعالى -: {كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ, أُخرِجَت لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِاللّهِ} (آل عمران: 110)، قال: من أراد أن يكون من أهل هذه الآية فليؤد شرط الله فيها.. فهل نفعل؟

أخي الحبيب: هل عرفت نفسك؟

كن عمريًّا في موقفك من نفسك، يقول- رضي الله عنه -: \"حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، وتهيئوا للعرض الأكبر\".

كن في أعلى درجات الصراحة مع نفسك، ورحم الله امرأ عرف ذنوبه فاستغفر ربه وأناب إليه، وإذا وجدت في نفسك خيرًا فاحمد الله على ذلك، وإذا وجدت تقصيرًا فاستغفر الله وافتح صفحة جديدة مع ربك وبابًا جديدًا للتوبة النصوح.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply