بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد
إن ما دعاني إلى كتابة هذه الرسائل إلى شباب هذه الأمة هو حديث نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي قال فيه \" لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع..... ذكر منها (وعن شبابه فيما أبلاه)..... الحديث، وما خص - عليه الصلاة والسلام - هذه المرحلة من مراحل العمر في الحديث إلا لأهميتها البالغة، وشأنها المؤثر.
نعم إن مرحلة الشباب فرصة ذهبية تمر على حياة العبد المسلم ولكن الكثير لا يعي تلك الفرصة حتى يدرك بأنه ضيعها، وأن لا سبيل إلى تعويضها مطلقاً.
الشباب هم عنوان النماء، وسبيل البناء، وخير من اعتمدت عليه الشعوب والأوطان.
الشباب مصدر للقوة، ومنطلق للخير، ومشروع للحضارة، وميدان فسيح للعطاء.
الشباب دفاع عن الدين، وعز ترفع راياته في كل حين، وسيف مصلت على الباغين المجرمين.
ومن أجل هذا كله كان لابد من شباب كفؤ، عزيز في مبدأه، واضح في مقصده، جليّ في توجهاته وأفكاره.
نريد شباباً يغيروا التاريخ، ويبدلوا الواقع، وينيروا دروباً طال بها الزمن وهي تشكو الظلام.
نريد شباباً همّه سام سمو السحاب، وأمله عال علو القمر، وأمانيه طاهرة طهارة العفة والنقاء.
نريد شباباً متعلق بالله، متبعاً لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -، سائرا على خُطى الأوائل الأبرار من الصالحين والأخيار.
وللوصول إلى هذا بإذن الله - تعالى -فإليكم هذه الرسائل والتي صدرت من فؤاد محب لإخوانه الشباب.
الرسالة الأولى:
عد إلى ربك أخي الشاب، وأعلن توبتك، وارجع إلى الطريق السوي، واعلم بأن الله - تعالى -يحب عباده التوابين المتطهرين، وأن لا سبيل إلى الفلاح إلا بالتوبة، ولا فوز إلا بأوبة، ولا نجاة إلا بالخلاص من الملهيات والأقذار، وتوحيدك للملك القهار.
عد وأعلنها صرخة مدوية ـــ لقد تبت الآن ـــ وحان وقت الجد والاجتهاد، والعمل على ما يرضي الرحيم الرحمن.
عد إلى ربك \" عسَى رَبٌّكُم أَن يُكَفِّرَ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيُدخِلَكُم جَنَّاتٍ, تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ.... الآية \".
الرسالة الثانية:
أين أنت من متابعة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم -؟ أين حبه في قلبك؟ أليس هو الذي دلنا على كل خير، وحذرنا من كل شر؟ أليس هو النعمة المسداة والرحمة المهداة؟
تُترك سنته - عليه الصلاة والسلام - فلا تحرك ساكنا، يُستهزأ به ويُنال من عرضه من الأوغاد المجرمين وأنت بين شهواتك مكبل مسكين.
يا مدعي حب طه لا تخالفه*** الخُلفُ يحرم في دين المحبينا
أراك تأخذ شيئاً من شريعته*** وتترك البعض تدويناً وتهوينا
خذها جميعاً تجد خيراً تفز به*** أو فاطّرحها وخذ رجس الشياطينا
اقرأ سيرة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم -، واستشعر محبته دائماً لك لتتحقق محبتك له، وتذكر فضله بعد فضل خالقه - جل وعلا - بأن علم الأمة طريق الجنة ودلهم عليه، ولا تنسى أن تصلي عليه دائماً ما حييت.
الرسالة الثالثة:
اقرأ في سيرة السلف الصالح، وانهل من مناهلهم العذبة، وتعلم من حياتهم وتجاربهم، عندها تدرك كيف استغلوا شبابهم بالطاعة والعبادة، وكيف اهتموا بأعمارهم بأن جعلوها وقف لخالقها - تعالى -، وكيف اعتنوا بأوقاتهم بأن سخروها لقراءة القرآن وتعلم الحديث وحضور مجالس الذكر ومجالسة الصالحين، فها هو علي - رضي الله عنه - يشهد المعارك كلها ما عدا تبوك وهو أول من أسلم من الصبيان، وهذا معاذ بن جبل أعلم الأمة بالحلال والحرام، ويسبق العلماء يوم القيامة، وسفير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن يموت وعمره 32 عاماً، وذاك الشافعي يحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، ويفتي الناس وهو دون العشرين عاماً، وابن حجر يؤلف \" الفتح \" وعمره 32 عاماً.
فأين أنت أخي الشاب من هؤلاء الشباب الأفذاذ والذين رسموا عز أمتهم بين أمم الدنيا.
الرسالة الرابعة:
تذكر نعم الله - تعالى -المتتالية عليك، بأن جعلك شاباً قوياً صحيحاً، ومنحك عقل تفكر به، ورزقك من عطائه ما يفيدك ويعينك على عبادته - تعالى -فاتخذتها عوناً لإتباع سبيل الشيطان، وأعنت الشيطان على نفسك، ثم تأمل فعلاً في شبابك وهو أقوى مرحلة في عمرك تجد أن باستطاعتك القيام بأمور ومهام سنّها لك ربك - تعالى -وقد لا تستطيع فعلها في مراحل أخرى من مراحل عمرك فلا صلاة ليل ولا ضحى، ولا متابعة للنوافل، ولا صيام في غير أيام رمضان، ولا طلب للعلم الشرعي، ولا اهتمام بالوالدين والأرحام، ولا مجاهدة للنفس والهوى والشيطان، وإن العاقل فعلاّ يسأل نفسه إذا لم أجتهد في عمل الصالحات والطاعات في شبابي فمتى أجتهد؟!
الرسالة الخامسة:
احذر من الشهوات التي تسقط بصاحبها، وتخلص منها إذا كنت ممن أسرتهم، واعلم بأن أكثر ما تهاجم هم الشباب وطهّر فؤادك من براثينها القذرة، واحرص على نظرك وسمعك وجوارحك من الحرام، واجعل من نفسك منارة للطهر يهتدي بها غيرك، وقدوة صالحة في مجتمعك يقتدي بها من تحبه ويحبك، ثم اعلم بأن هذه الشهوات هي التي خدّرت همم شباب المسلمين في كل مكان، ونوّمت عزائمهم، فأصبح أولئك الشباب لقمة سائغة لمن يخطط لحربهم ويسعى لقتل الإسلام الطاهر في قلوبهم.
الرسالة السادسة:
احذر من الشبهات في الدين، ومن أولئك الذين يميّعون ثوابته ويهمشون أصوله، ولا يكون ذلك إلا بطلب العلم الشرعي، والسؤال عما خفي عنك، وملازمة العلماء الصالحين، والدعاة المهتدين، وجِد في أن تكون نافعاً لنفسك، ولا تنجرف وراء الدعاوى المغرضة، والعناوين الهدّامة، وخذ الكتاب بقوة، فإن دينك دين التثبت والرويّة، ولا يحب الجهل والاستعجال، وأول ما يجب عليك تعلمه كتاب الله - تعالى -فـ\"خيركم من تعام القرآن وعلمه\"
الرسالة السابعة:
احرص على أمن بلدك، واعمل بأن تكون ثمرة خير في مجتمعك، وعلى أن تكون جندياً مخلصاً للمحافظة عليه، ففي بلدك تقام الشريعة، ويصان فيها على الأعراض، وتحارب المفاسد والشرور، وأسع بأن تكون ناشراً للخير فيه، وعاملاً بالمعروف بين أفراده، وناصحاً للمسيء منهم، ومحارباً ضد من يحاربه أو ينوي به شر.
الرسالة الثامنة:
أعن إخوانك المسلمين في كل مكان بدعائك لهم، فرب دعوة في جوف الليل يُفرج بها هم أو يٌنفس بها كرب، فإن أخاً لك في الشرق يشكو الزلازل والأعاصير، وأخ لك في الغرب يشكو الفقر والجوع، وأخ ثالث
يشكو الاستبداد والاحتلال والظلم فأين أنت منهم، ولماذا تقاعست عنهم وعن إعانتهم، هم لا يريدون منك إلا أن تكون مستشعراً مآسيهم، حاساً بمعاناتهم، داعياً لهم بالنصر على أعداءهم، والفرج من الضيق الذي يغشاهم، والكرب الذي يعتريهم.
الرسالة التاسعة:
احفظ وقتك حفظك لنفسك، واعلم بأنك مسئول عنه ومجازاً به فــ:
الوقت أنفس ما عنيت بحفظه.... وأراه أسهل ما عليك يضيع
وإني سائلك لماذا أهدرت وقتك في الملاهي والألعاب؟، وأضعت ساعاتك في المناهي وصور الفساد؟ لماذا لم تستفيد من حياتك التي تراها تذهب من بين يديك يوما بعد يوم؟
إن ديننا دين العمل والإنتاجية لا يعترف بالفراغ، ولا يحب البطالة، ولا يريد المنتمين له عالة على غيرهم، فقم الآن واعقد العزم بأن يكون وقتك كله لله، وأن تكون ممن يخلد له مجداً في حياته وقبل مماته (فالذكر بعد الموت عمر ثان).
الرسالة العاشرة:
تأكد أخي الشاب بأن الموت قادم، وهو لا يعترف بكبير ولا صغير ولا بصحيح أو مريض، فاحذر أن يأتيك الموت وأنت على جرم أو معصية، وإياك من فجأته وأنت بين الإثم والخطيئة، واعمل على أن يكون ذكر الموت بصورة دائمة في مخيلتك، وحبيبك - صلى الله عليه وسلم - يقول
\" أكثروا من ذكر هادم اللذات \" واتعظ ممن كانوا حولك أحياء في سرور وسعادة، وأصبحوا بقدر الله أمواتاً يعلم الله بحالهم تحت الجنادل والثرى، نعم أخي الشاب ستموت حتماً ولن يبقى لك إلا ما قدمت، فالله الله في الاستعداد لهذا القادم {أَفَحَسِبتُم أَنَّمَا خَلَقنَاكُم عَبَثاً وَأَنَّكُم إِلَينَا لَا تُرجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ المَلِكُ الحَقٌّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبٌّ العَرشِ الكَرِيمِ}المؤمنون116، 115.
فتلكم - يا رعاكم الله - عشر رسائل لإخواني الشباب أسأل الله العلي القدير أن ينفعني وإياهم وجميع المسلمين بها.
وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد