بسم الله الرحمن الرحيم
وقوع الفتن سنة ربانية لا تتبدل، كما في قوله- تعالى-: ((أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُم لا يُفتَنُونَ)) [العنكبوت: 2]
وقد كتبها الله- عز وجل - على عباده لحكمٍ, عظيمة: منها تمييز المؤمنين من غيرهم، ومنها تكفير السيئات ورفع الدرجات، ومنها غير ذلك مما لا نعلم.
فعن حذيفة- رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسول الله e يقول: ((تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأيٌّ قلبٍ, أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر مر باداً، كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه)) [1].
والحديث عن الفتن وأسبابها يتطلب إفراد كلمة (الفتن) بالتعريف، والشرح، وتوضيح الفرق بين مد لولاتها.
فالفتن: وهي بكسر الفاء وفتح التاء، جمع فتنة، قال الأزهري: (جامع معنى الفتنة في كلام العرب الابتلاء والامتحان، وأصلها مأخوذ من قولك: [\" فتنت الفضة والذهب \"] أذبتهما بالنار ليتميز الردئ من الجيد،
ومن هذا قول الله جل وعز: ((يَومَ هُم عَلَى النَّارِ يُفتَنُونَ)) [الذاريات: 13]، أي يُحرقون بالنار، وقال ابن الأنبا ري: [فتنت فلانة فلاناً، قال بعضهم: أمالته]. قال - تعالى -: ((وَإِن كَادُوا لَيَفتِنُونَكَ)) [الإسراء: 73].
أي يميلونك، فتنت الرجل عن رأيه أي أزلته عما كان عليه، والفتنة: الإثم في قوله - تعالى -: ((وَمِنهُم مَن يَقُولُ ائذَن لِي وَلا تَفتِنِّي أَلا فِي الفِتنَةِ)) [التوبة: 49].
وأما قول النبي e: ((إني أرى الفتن خلال بيوتكم)) [2].
فإنه يكون القتل والحروب والاختلاف، الذي يكون بين فرق المسلمين إذا تحزبوا. ويكون ما يبلون به من زينة الدنيا وشهواتهاº فيفتنون بذلك عن الآخرة والعمل لها، والفتنة الإضلال في قوله - تعالى -: ((مَا أَنتُم عَلَيهِ بِفَاتِنِينَ)) [الصافات: 162].
يقول: ما أنتم بمضلين إلا من أضله الله، والفتنة العذاب نحو تعذيب الكفار ضعفي المؤمنين في أول الإسلام ليصدوهم عن الإيمان. وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال: الفتنة الاختبار، والفتنة المحنة، والفتنة المال، والفتنة الأولاد، والفتنة الكفر، والفتنة اختلاف الناس بالآراء، والفتنة الإحراق، وقيل الفتنة: الغلو في التأويل المظلم، يقال: فلان مفتونٌ بطلب الدنيا، أي قد غلا في طلبها. وجماع الفتنة في كلام العرب: الابتلاء والامتحان) [3] ا. هـ.
مما سبق بيانه يتحصل لدينا أنَّ الفتنة تطلقُ ويرادُ منها معانٍ, كثيرة يدلُ على كل معنى منها، ويعرف حسبما ورد بالسياق والقرائن،
ومن هذه المعاني:
ا- الابتلاء والامتحان.
2- الميل عن الحق.
3- الإثم.
4- القتل والحرب.
5- الاختلاف والفرقة.
6 - ا لإضلال.
7- الكفر.
8- العذاب.
9- الغلو. وغير ذلك من المعاني المذمومة.
والآن وبعد أن تبين لنا معنى الفتنة وما يتفرع عنها من المعاني، وبعد
أن تبين لنا خطرها وذم الشرع لها، وجب الحذر منها، والهرب والفرار والفزع إلى الله- عز وجل - من شرورها.
ومما يساعد على البعد عنها، أو النجاة منها إذا وقعت، معرفة أسبابها والطرق المؤدية إليهاº لأنَّ معرفة أسباب السقوط فيها تعينُ على الوقاية منها قبل وقوعها، أو النجاة منها بعد وقوعها بإذن الله - عز وجل -.
أسباب السقوط في الفتن أعاذنا الله منها:
الأسباب المؤدية إلى ملابسة الفتن والسقوط فيها كثيرة، لكنها لا تخرج في مجموعها عن سببين هامين، يرجع إليهما جميع الأسباب.
وقد ذكر هذين السببين الإمامان الجليلان ابن تيمية وتلميذه ابن القيم- رحمهما الله - تعالى- وعبرا عن ذلك بأسلوبين مختلفين لفظاً لكنهما متفقان في المعنى.
وأبدأ بما ذكره الإمام ابن تيمية- رحمه الله - تعالى- عن هذين السببين، ثم أثني بما ذكره الإمام ابن القيم- رحمه الله - تعالى-. وأختم هذا المبحث إن شاء الله - تعالى -بما تلخص من كلام الإمامين حول هذه الأسباب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله - تعالى-:
ولا تقع فتنة إلاَّ من ترك ما أمر الله به، فإنَّه - سبحانه - أمر بالحق وأمر بالصبر. فالفتنة: إما من ترك الحق، وإما من ترك الصبر.
فالمظلوم المحق الذي لا يقصر في عمله يؤمر بالصبر، فإذا لم يصبر فقد ترك المأمور.
وإن كان مجتهداً في معرفة الحق ولم يصبر، فليس هذا بوجه الحق مطلقاً، لكن هذا وجه نوع حق فيما أصابه، فينبغي أن يصبر عليه. وإن كان مقصراً في معرفة الحق، فصارت ثلاثة ذنوب: أنَّه لم يجتهد في معرفة الحق، وأنَّه لم يصبه، وأنَّه لم يصبر.
وقد يكون مصيباً فيما عرفه من الحق فيما يتعلق بنفسه، ولم يكن مصيباً في معرفة حكم الله في غيرهº وذلك بأن يكون قد علم الحق في أصلٍ, يختلف فيه بسماعٍ, وخبر، أو بقياسٍ, ونظر، أو بمعرفةٍ, وبصر، ويظنٌّ مع ذلك أن ذلك الغير التارك للإقرار بذلك الحق عاصٍ, أو فاسق أو كافر. ولا يكون الأمر كذلك، لأنَّ ذلك الغير يكون مجتهداً، قد استفرغ وسعهُ، ولا يقدر على معرفة الأولº لعدم المقتضى، ووجود المانع.
وأمور القلوب لها أسبابٌ كثيرة، ولا يعرف كل أحد حال غيره من إيذاءٍ, له بقولٍ, أو فعل، قد يحسب المؤذى- إذا كان مظلوماً لا ريب فيه- أن ذلك المؤذي محض باغ عليه، ويحسب أنَّه يدفع ظلمه بكل ممكن. ويكون مخطئاً في هذين الأصلين، إذ قد يكون المؤذي متأولاً مخطئا، وإن كان ظالماً لا تأويل له فلا يحل دفع ظلمه بما فيه فتنة بين الأمة، وبما فيه شر أعظم من ظلمه. بل يؤمرُ المظلوم ها هنا بالصبر، فإنَّ ذلك في حقه محنة وفتنة. وإنَّما يقع المظلومُ في هذا لجزعه وضعف صبره، أو لقلة علمه وضعف رأيه. فإنَّهُ قد يحسب أنَّ القتل ونحوه من الفتن يدفع الظلم عنه، ولا يعلم أنَّه يضاعفُ الشر كما هو الواقع، وقد يكون جزعه يمنعه من الصبر.
والله - سبحانه - وصف الأئمة بالصبر واليقين، فقال: ((وَجَعَلنَا مِنهُم أَئِمَّةً يَهدُونَ بِأَمرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ)) [السجدة: 24].
وقال: ((وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ)) [العصر: 3] [4]ا. هـ.
وهذا الكلام من شيخ الإسلام- رحمه الله - تعالى- وإن كان متوجهاً
إلى فتنة البغي والاختلاف بين المسلمين، لكننا نجدهُ يعمم ذلك على كل فتنة، حيث يقول فيما سبق: (فالفتنة: إمَّا من ترك الحق، وإما من ترك الصبر).
أمَّا الإمام ابن القيم- رحمه الله - تعالى- فيحيل أسباب الفتن إلى الشبهات أو الشهوات، وهما نفس ما ذكرهُ شيخ الإسلام من الأسباب. فالشبهةُ إنما تنشأ من ترك الحق والجهل به، بينما تنشأ الشهوةُ من ترك الصبر وضعفه.
يقول الإمام ابن القيم- رحمه الله - تعالى-:
[والفتنة نوعان: فتنة الشبهات. وهي أعظم الفتنتين، وفتنة الشهوات.
وقد يجتمعان للعبد. وقد ينفرد بإحداهما.
ففتنة الشبهات من ضعف البصيرة، وقلة العلم، ولا سيما إذا اقترن بذلك فساد القصد، وحصول الهوىº فهنالك الفتنة العظمى، والمصيبة الكبرى، فقل ما شئت في ضلال سيئ القصد، الحاكم عليه الهوى لا الهدى، مع ضعف بصيرته، وقلة علمه بما بعث الله به رسوله، فهو من الذين قال الله - تعالى -فيهم: ((إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهوَى الأَنفُسُ)). [النجم: 23]
وقد أخبر الله - سبحانه - أن اتباع الهوى يضل عن سبيل الله، فقال:
((يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرضِ فَاحكُم بَينَ النَّاسِ بِالحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلٌّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُم عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَومَ الحِسَابِ)) [صّ: 26].
وهذه الفتنة مآلها إلى الكفر والنفاق، وهي فتنة المنافقين، وفتنة أهل البدع، على حسب مراتب بدعهم. فجميعهم إنما ابتدعوا من فتنة الشبهات التي اشتبه عليهم فيها الحق بالباطل، والهدى بالضلال.
ولا ينجي من هذه الفتنة إلاَّ تجريد اتباع الرسول، وتحكيمه في دق الدين وجله، ظاهرة وباطنه، عقائده وأعماله، حقائقه وشرائعه، فيتلقى عنه حقائق الإيمان وشرائع الإسلام، وما يثبته لله من الصفات والأفعال، والأسماء، وما ينفيه عنه، كما يتلقى عنه وجوب الصلوات وأوقاتها وأعدادها، ومقادير نصب الزكاة ومستحقيها، ووجوب الوضوء والغسل من الجنابة، وصوم رمضان، فلا يجعله رسولاً في شيءٍ, دون شيء من أمور الدين، بل هو رسولٌ في كل شيء تحتاج إليه الأمة في العلم والعمل، لا يتلقى إلاَّ عنه، ولا يؤخذ إلاَّ منه، فالهدى كله دائر على أقواله وأفعاله، وكل ما خرج عنها فهو ضلال.
فإذا عقد قلبه على ذلك وأعرض عما سواه، ووزنه بما جاءَ به الرسول e، فإن وافقه قبله، لا لكون ذلك القائل قاله، بل لموافقته للرسالة، وإن خالفه رده، ولو قاله من قاله، فهذا الذي ينجيه من فتنة الشبهات، وإن فاته ذلك أصابه من فتنتها بحسب ما فاته منه.
وهذه الفتنة تنشأ تارةً من فهمٍ, فاسد، وتارةً من نقلٍ, كاذب، وتارةً من حقٍ, ثابت خفي على الرجل فلم يظفر به، وتارةً من غرضٍ, فاسد وهوى متبع، فهي من عمى في البصيرة، وفساد في الإرادة.
وأما النوع الثاني من الفتنة: ففتنة الشهوات.
وقد جمع - سبحانه - بين ذكر الفتنتين في قوله: ((كَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم كَانُوا أَشَدَّ مِنكُم قُوَّةً وَأَكثَرَ أَموَالاً وَأَولاداً فَاستَمتَعُوا بِخَلاقِهِم فَاستَمتَعتُم بِخَلاقِكُم)) [التوبة: 69].
أي تمتعوا بنصيبهم من الدنيا وشهواتها، والخلاق هو النصيب المقدر،
ثم قال: ((وخضتم كالذي خاضوا)) فهذا الخوض بالباطل، وهو الشبهات.
فأشار- سبحانه - في هذه الآية إلى ما يحصلُ به فسادَ القلوب والأديان، من الاستمتاع بالخلاف، والخوض بالباطلº لأنَّ فساد الدين: إمَّا أن يكون باعتقاد الباطل والتكلم به، أو بالعمل بخلاف العلم الصحيح.
فالأول: هو البدع وما والاها، والثاني: فسق الأعمال.
فالأول: فساد من جهة الشبهات، والثاني: من جهة الشهوات.
ولهذا كان السلف يقولون: [احذروا من الناس صنفين: صاحب هوى قد فتنهُ هواه، وصاحب دنيا أعمته دنياه].
وكانوا يقولون: [احذروا فتنة العالم الفاجر، والعابد الجاهل، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون].
وأصل كل فتنة إنَّما هو من تقديم الرأي على الشرع، والهوى على العقل.
فالأول: أصل فتنة الشبهة، والثاني: أصل فتنة الشهوة.
ففتنة الشبهات تدفع باليقين، وفتنة الشهوات تدفع بالصبر، ولذلك جعل - سبحانه - إمامة الدين منوطةً بهذين الأمرين، فقال: ((وَجَعَلنَا مِنهُم أَئِمَّةً يَهدُونَ بِأَمرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ)) [السجدة: 24].
فدل على أنَّهُ بالصبر واليقين تنالُ الإمامةَ في الدين.
وجمع بينهما أيضاً في قوله: ((وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ)) [العصر: 3] فتواصوا بالحق الذي يدفع الشبهات، وبالصبر الذي يكفٌّ عن الشهوات، وجمع بينهما في قوله: ((وَاذكُر عِبَادَنَا إِبرَاهِيمَ وَإِسحَاقَ وَيَعقُوبَ أُولِي الأَيدِي وَالأَبصَارِ)) [صّ: 45].
فالأيدي: القوى والعزائم في ذات الله، والأبصار: البصائر في أمر الله. وعبارات السلف تدور على ذلك.
قال ابن عباس: [أولي القوة في طاعة الله، والمعرفة بالله].
وقال الكلبي: [أولي القوة في العبادة، والبصر فيها].
وقال مجاهد: [الأيدي: القوة في طاعة الله، والأبصار: البصر في الحق].
وقال سعيد بن جبير: [الأيدي: القوة في العمل، والأبصار: بصرهم بما هم فيه من دينهم].
وقد جاء في حديثٍ, مرسل: ((إن الله يحبُ البصر النافذ عند ورود الشبهات، ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات)) [5].
فبكمال العقل والصبر تدفع فتنة الشهوة، وبكمال البصيرة واليقين تدفع فتنة الشبهة- والله المستعان \" [6]ا. هـ.
وبعد هذا الكلام النفيس من هذين الإمامين الجليلين، والذي لا مزيدَ عليه في ذكر أسباب الفتن، نجد التطابق التام في كلاميهما من ناحية المعنى والمضمون، بل في بعض الألفاظ أحياناً.
ويمكن تلخيص هذه الأسباب فيما يلي:
1 ترك الحق وعدم السعي للعلم به، أو عدم إصابته بسبب شبهة
أو تأول فاسدº ومن هنا تنشأ الفتنة بسبب الجهل أو الفهم الفاسد.
وهذا ما عبر عنه شيخ الإسلام- رحمه الله - تعالى- بقوله: (ترك الحق)، وعبر عنه الإمام ابن القيم- رحمه الله - تعالى- بقوله: (فتنة الشبهات من ضعف البصيرة وقلة العلم) وقوله في موطن آخر من النقل السابق: (وهذه الفتنة تنشأ تارةً من فهمٍ, فاسد، وتارةً من نقلٍ, كاذب، وتارةً من حقٍ, ثابت خفي على الرجل فلم يظفر به) ويقول أيضاً عن هذه
الفتنة: (وأصل كل فتنة إنما هو تقديم الرأي على الشرع، والهوى على العقل. فالأول: أصل فتنة الشبهة، والثاني: أصل فتنة الشهوة).
2 ترك الصبر: وهذا هو السبب الثاني من أسباب الفتن، ولكن أصل الفتنة هنا لم يأت من الجهل بالحق، أو تقديم الرأي على الشرع، أو الشبهة المشوشة على الحق، وإنَّما أصلُ الفتنة في هذا السبب هو عدمُ الصبر على الحق. فصاحب هذه الفتنة لا ينقصهُ العلم بالحق، بل يعلمه ولا يجهله، ولكنه تركه ضعفاً وشهوة وهو يعلم من نفسه أنَّه تاركٌ للحق، وهذا ما عبرَ عنه شيخ الإسلام بقوله: (فالمظلوم المحق الذي لا يقصرُ في علمه يؤمرُ بالصبر، فإذا لم يصبر فقد ترك المأمور).
أما الإمام ابن القيم- رحمه الله - تعالى- فعبر عن هذا السبب بقوله: (وأما النوع الثاني من الفتنة: ففتنة الشهوات) وقال عن هذه الفتنة أنَّها تدفع بالصبر، وقال عن أصل هذه الفتنة بأنَّه تقديم الهوى على العقل. ثم استدل كلا الإمامين على هذين الأصلين، وكيف يدفعان بقوله - تعالى -: ((وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ)) [العصر: 3] أي تواصوا بالحق الذي يدفع الشبهات، وبالصبر الذي يكف عن الشهوات.
كما أنَّهما استدلا بقوله - تعالى -: ((وَجَعَلنَا مِنهُم أَئِمَّةً يَهدُونَ بِأَمرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ)) [السجدة: 24].
فبالصبر تدفع الشهوة والهوى، وباليقين تدفعُ الشبهة والجهل بالحق.
وبالتأمل في الفتن صغيرها وكبيرها، ما كان منها على مستوى الأفراد ومـا كان فيها على مستوى الطوائف، نجد أنَّها لا تخرج أبداً عن هذين السببين، بل لو تأمل الإنسان نفسه، وما يقعُ فيه من الآثام، فإنَّ ما وقعَ فيه لا يخرج في سببه عن شبهة أو شهوة، أو مزج بين شبهةٍ, وشهوة، أعاذنا الله من ذلك كلهِ بمنهِ وكرمه، والشيطانُ لا يدخلُ على العبد إلاَّ من باب الشبهة أو الشهوة، ولا يُبالي من أيهما دخل.
----------------------------------------
[1] مسلم. ك. الإيمان (144).
[2] البخاري كتاب المناقب (3957).
[3] تهذيب اللغة 14/ 297- 299 (باختصار).
[4] الاستقامة 1/ 39، 40.
[5] ضعفه العراقي في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين (3858).
[6] إغاثة اللهفان (1/ 165- 167).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد