عموم الشريعة وخصوصية الدعاة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

لا أحد يجادل في شمولية الشريعة الإسلامية، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تركنا على المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها، وأن ما من خير إلا ودلنا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما من شر إلا ونهانا عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالدين كامل \"مَّا فَرَّطنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيءٍ, ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم يُحشَرُونَ\" (الأنعام: من الآية38)، \"وَنَزَّلنَا عَلَيكَ الكِتَابَ تِبيَاناً لِّكُلِّ شَيءٍ, وَهُدًى وَرَحمَةً وَبُشرَى لِلمُسلِمِينَ\" (النحل: 89).

لا أحد من المسلمين يجادل في هذا مطلقا.

ولكن..

من بديهيات العقل أن شمولية الشريعة وكمالها وتمام حِكمة أحكامها، لا يعني أبدا أن تنتقل هذه الشمولية وهذه الحِكمة المطلقة إلى المنتسبين إليها، بمعنى:

هناك عموم الشريعة وخصوصية المنتسبين إليه، وخاصة الدعاة.

فقد كان من الصحابة رضوان الله عليهم خالد بن الوليد، وكان منهم زيد بن ثابت، و كان منهم أبو ذر.كل شخصية لها ما تتميز فيه، فما سمعنا أن خالداً تكلم في الفرائض، أو أن أبا ذر طلب الإمارة.

من بديهيات العقل أن شمولية الشريعة وكمالها وتمام حِكمة أحكامها، لا يعني أبدا أن تنتقل هذه الشمولية وهذه الحِكمة المطلقة إلى المنتسبين إليها.

 وقبل أن أُسقط على الواقع لأعالج ما أراه، أريد أن أستحضر أمراً يدركه كل من له ولع بقراءة العقول وفهم الدوافع والخلفيات.

هو أن كثيرا يتخصصون في أمر ما ثم اعتمادا على رجاحة عقلهم، وكثرة جلسائهم وبما أن الشريعة كاملة يتكلمون في كل شيء.

الجهم بن صفوان كان ذكيا ألمعيا يعمل كاتبا للحارث بن سراج، بعيدا كل البعد عن مجالس العلماء، بل وعن التعبد فقد قيل إنه لم يحج قط ولم يُعرف بصلاة ولا بصيام، ثم أخذه الفضول وراح يحاور فلاسفة الهند ودارت الأيام وخرج بقوله في الصفات، ثم وجه وجهه شطر علماء الإسلام ووضع رأسه برأس من لو أنصف نفسه من نفسه لجلس بين أيديهم يسأل ويتعلم، وراح يدلي بدلوه فيما يتكلمون فيه منصبا نفسه مفتيا ومفكرا ومصلحا، ثم ركب رأسه، وتعصب لرأيه، واستأنس بجلسائه وكثرة الأتباع من قلة المؤنة وخفة البضاعة.

وقريب منه واصل بن عطاء، وبن سيناء، وبن رشد الحفيد.

ولا أريد أن أوجه كلامي لأحد فما قصدت ذلك أبداً وليس لأحد أن يتقول كلامي على أحد، فقط أشخص الداء وأعرض الدواء.

واقع الصحوة اليوم يشهد بكثرة الإمكانات وقلة النتاج، وأن كثيرين منَّا قد وقعوا في شراك الحزبية، والأمر يتردى فها نحن نخرج من الابتلاء على الأحزاب والجماعات إلى الابتلاء على الأفراد، وتحركاتنا كلها أو تكاد تحت ردود الأفعال.

ولا بد من الخروج من هذه الحالة. وليس لها إلا أولي العزم والحزم من علماء الأمة ومفكريها. أعني شيوخنا الأفاضل الراسخين في العلم، مَن يثق به أهل الحل والعقد.

تكون هناك قيادة علمية واعية تثبت للجميع أنها فوق الحزبية والمصلحة الشخصية، توظف هي الإمكانات وتخاطب كل فرد بأن يلزم غرزه، وأن ينشغل بما يحسن، وأن لا ينزل أرضا ليست له معتمدا على كثرة أتباعه وأنه (داعية إلى الله)، وإن اقتضى الأمر تأديبه بهجر وزجر!!. نعم تأديبه.. أعي ما أقول تماما.

وإن تعذر الأمر فليعمد شيوخنا إلى ثلة من أولي العزم والحزم والعقل... ممن احترقت قلوبهم على مصاب أمتهم، ويفضوا إليهم بعلمهم، ويكسوهم من أدبهم، علَّهم أن يكونوا مِشعل هدى للأمة وحصونا يأوي إليها المستضعفين من الرجال والنساء والولدان، قلاعا تقف في وجه أعداء الدين، فإني أرى القوم قد أجمعوا أمرهم وأمَّروا حاقدهم، واستشاروا سفيههم، وركبوا خيلهم،، ورفعوا صليبهم، واشتد حاديهم، وأقبلوا من كل حدب ينسلون، وقد كبرت أفراخهم في أرضنا وباضت وفقس بيضها وشبَّ وليدها. وأرانا قد أحيط بنا وعما قريب ينزلون بساحتنا فالآن الآن، وفي التاريخ عبره.. صلاح الدين ويوسف بن تاشفين، فمن يجيب؟!

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply